الثقافي
رصيدك من الكلمات غير….!
منى المعولي
أفرغت كل ما تبقى من رصيد الكلمات، ومؤخراً نظفت الخزين، ولم تعد هناك ذخائر، قال لي أحدهم يوما ما: “كلماتك كالرصاصة أين ما أصابت تقتل”!
يبدو أن آخر الرصاصات انتحرت وقررت الموت كما تكتب الخواتيم في النهايات.
لقد أفرغ عقلي على مدى العشرين عاما الأخيرة الآف الكلمات المكتوبة، منذ أن كنت أمشط طرقات الحارة بقدمين حافيتين تنتعل كيسا؛ كحلٍ فوري من لسان الشمس، الذي بدأ يلعقها بجمر حرارته، أكتب بالفحم وأزين الجدران الملساء الممسوحة، أو تلك المدببة بحراشف أسمنتية الممتلئة بالنتوءات، لتبدو الكتابات كأحفورة خالدة؛ حتى يهدم الجدار أو يصبغ.
لكنِ يومها كنت ممتلئة بشكل مختلف، كنت ممتلئة بالدهشة!
تختلف الأماكن التي كنت أسكب فيها ما يجول في خلدي من كتابة، أقرب إلى هذيان طفلٍ؛ من التعابير المفهومة، على اللوحات بالطباشير، والأصباغ أو على الكراسات القديمة، وعلى كل ما تصل إليه يداي.
كانت الكلمات غزيرة تتمخض بمحض إرادتها، لم تكن تحتاج للزفرات أو الانتحاب بل كانت تنبلج كأي شيء عادي يولد بطريقة غير عادية، يولد والنضج مصيره.
لقد عرفت أن الكلمات تموت أيضا، تموت وتحنط وتبقى تتردد، إلا إنها لا تكفن ولا تدفن، فنعود إليها بعد كل نص فاشل نكتبه لنستعيض بها عن الكآبة والبرود الذي نزح بتدفقنا، فلا نعود نرى العالم كما كنا نتخيل دهشته.
تتخشب مشاعرنا اتجاه النص تماما؛ كما خرجنا متخشبين أمام مشهد شجرة جلسنا أمامها لساعتين؛ نحكي تفاصيل عنها غير مرئية، أسوة بطقوس الكتابة الأولى، استدراكا للإبداع الذي تشوه، لكن خرجت بفكرة رثة عن الشريشة العجوز، متجعدة اللحى، تسكب صمغا عسلياً تكتسب صبغة المرض، أقول مواسية نفسي ليس الخلل في الكلمات بل الملام الأول في هذا الوجوم هي الشجرة، إنها تقف بلا معنى، رفضت أن تسرب لي تفاصيل وجودها ومعانيها، ولم تغرقني بالحكايات التي تروى.
أعواد الثقاب هي الأخرى لم تعد تمتلك تلك الصلابة وهي تقاوم الاحتراق بين يدي طفلة الثلج الراكعة باحثة عن المشتري والدفء والخلاص معا، حتى تجمدت، تماما كما تتجمد النصوص في جوفي وأعجز أن أنتزع عود الثقاب وأشعله.