الثقافي
نقود مزورة في حضرة جسر لندن
بدر بن ناصر الوهيبي
لم يكن ذلك الصباح أدفأ من صباحات لندن السابقة ولا حتى اللاحقة؛ لكن هذا الصباح بدا مختلفًا بزخات المطر، ولم يختلف في تفضيل أميرنا لقهوة “الأمريكانو”.
طبيعة الخريف اللندني تجعل النهار يتشرب لون السمرة، وترسم بعض الكآبة على معالمها، بيد أن ذلك لم يمنعنا من الاستماع بوقتنا مع جموع السياح، هي لندن إذًا تفرض على الجميع أبهتها السياحية في كل فصول السنة.
جاءتني التعليمات من أمير رحلتنا لضبط خرائط” جوجل” وتحديد أقرب محطة لقطارات ميترو الأنفاق، فلدينا مشوار مهم آخر إلى المتحف الوطني البريطاني.
انطلقت كعادتي متقدمًا صاحبي ببضع خطوات لأحدد مسار خطواتنا إلى المحطة التي لم تكن على مرمى بصرنا، عينً على شاشة الجوال، وعين على معالم الطريق، متفاديًا زحام المارة.
أوقفني شاب ارتسمت على وجهه تعابير الضياع وهو يشير إلى مسارات الحافلات التي كانت مثبتة لوحتها خلف محطة توقف للمواصلات، سألني عما إذا كنت أعرف رقم الحافلة التي تتوجه إلى شارع “ليفربول” قبل أن أرتبك في تقديم المساعدة وقد لحق بي أمير رحلتنا حمد الهاشمي وصديقنا موسى الحسني وقد أبدينا الرغبة في مساعدته.
وبينما كنا نتصفح تلك المسارات على الملصق، وإذا برجل يبدو في نهاية عقده الثالث يبرز لنا ما يشبه النياشين التي يلوح بها أفراد الشرطة في الأفلام الهوليودية للتعريف عن هويتهم البوليسية.
لم نستطع تحديد أو قراءة تلك التي أشهرها في وجوهنا لسرعة إخفائه لها وقد بدأ سيل من الأسئلة السريعة تنهمر علينا في لغة انجليزية كان من الواضح أنها لا تنتمي لتلك البلاد عمومًا.
أهم ما فهمناه أنه بصدد التأكد من أموالنا إن كنا نملك أوراقًا مزورة أم لا؛ فهو يدعي أن هناك من يتداول أموالًا مزورة في المنطقة وربما قد تكون بحوزتنا شيء منها. هو أمر قانوني بضرورة الإفصاح عما بحوزتنا من أوراق نقدية على كل حال.
أرعبتنا تلك النبرة البوليسية والهيبة الشرطية التي سادت الموقف، فنحن ندرك عدم اقترافنا لأي ذنب، ونعلم كذلك أننا يجب أن تتحلى بالصبر والتعاون مع الجهات الرسمية في كل بلد أجنبي.
طلب منا إبراز ما لدينا من أموال ليتأكد من قانونيتها، قبل أن نذعن لطلبه ونراه يفتش في كل مرة محفظة أحدنا، لم أخبركم أنه كان بصحبته شخص آخر يقوم بدور “الشرطي المساعد” حاولنا تبادل النظرات فيما بيننا لنجتهد في رصد أي حركة غير طبيعية.
كان الشرطيان يقومان بفحص النقود باللمس والشم. وطرق غريبة أخرى.
بدأنا نشعر أن ثمة احتيال ونصب يختبيان خلف نظارتيهما، استطعنا تركيز النظر على كل محفظة أثناء تفتيشها خشية استغفالنا، في الحقيقة كان المحتالان يلعبان الأدوار جيدًا، فبينما يتسلم محفظتك أحدهم للنهب “آسف أقصد للفحص” يقوم الآخر بطلب أمور أخرى منك لتصرف نظرك عن محفظتك التي كان يستمتع بشمها صاحبه.
انتهى التحقيق الصوري وصدرت شهادة البراءة من فم المحتال واتبعها بنصيحة صرف النقود من المصارف المعتمدة في ديباجة قد اعتادا عليها بالتأكيد.
مضينا في طريقنا وكنا نهمهم فيما بيننا ونتأكد من أن كل شيء على ما يرام، واتفقنا جميعا أنهما محتالان، ولكننا تذكرنا أن هناك شخصًا كان بحاجة إلى مساعدتنا التفتنا إليه، واكتشفنا أنه ضمن تلك العصابة التي تبعها في زقاق ضيق مقابل محطة الباصات، وقد اتضح أنه لم يكن بحاجة إلى أي وسيلة مواصلات.
لندرك حقيقة العصابة وعملها؛ فهي كانت تستهدف شخص واحد فقط، ولأنني كنت متقدمًا عن رفاقي بخطوات؛ فإنه تم تحديدي كهدف وصدرت تعليمات العصابة باستيقافي وبدء عملية الاحتيال، قبل أن تتفاجأ العصابة بوجود ٣ أشخاص مما جعل المهمة صعبة عليهم، فلا مناص من تكملة المسرحية حتى لا يكشف أمرهم من البداية؛ أو ربما تكون الغنيمة أكبر باستهداف ثلاث محافظ بدلًا من واحدة.
-
المقال عن رحلة الكاتب إلى بريطانيا، نوفمبر ٢٠١٩، وهو مدون عماني، هاو للسفر، صدر له كتاب تذاكر سفر عن مؤسسة الانتشار العربي ببيروت ٢٠٢٠