لم يكن يوم الثالث والعشرين من يوليو 1970، يوماً عادياً في تاريخ عمان، بل يوماً مفصلياً ولحظة تاريخية مجيدة، خرجت عمان بعدها من العزلة إلى الانفتاح، خرجت إلى دائرة الضوء لتعود كما كانت في فترات عزتها وقوتها وازدهارها، كياناً حضارياً في تاريخ البشرية.. هذا اليوم الذي سيبقى عالقاً في الأذهان بمجيء قائد حكيم حمل رسالة الوئام والسلام، وصنع حقبة ذهبية كانت كفيلة لعودة عمان لسابق مجدها.. فكان مجداً مستمداً من تاريخ عريق، ومن مبادئ سمحة للشريعة المحمدية.
كان بمثابة يوم للخلاص في الذاكرة الجمعية العمانية، فمن شظف العيش وضيقه إلى العيش بكرامة، ومن التشظي والفرقة إلى اللحمة والوحدة، ومن ظلام الجهل إلى نور العلم.. يوم استفتح به جلالة السلطان قابوس بن سعيد-طيب الله ثراه- بيانه التاريخي الأول يوم تسلمه زمام الحكم بقوله:” كان بالأمس ظلام ولكن بعون الله غداً سيشرق الفجر على عمان وعلى أهلها”.
بدت السنوات الأولى أشبه بمن يمشي على الجمر، لكن إيمانه بالهدف والوجهة ووحدة المصير زاداً لرحلة طويلة بدت محفوفة بالمخاطر.. رحلة كانت تستحق العناء لشعب طالما كان تواقاً للتحليق نحو التقدم والنماء.. تواقاً للانفتاح، كيف لا؟ وقد عبروا بأشرعتهم البيضاء بحاراً ومحيطات ونصبوا صواري صمدت في وجه الرياح العاتية والأمواج المتقلبة.
يوم أسس لنقلة حضارية أعادت عُمان إلى المشهد العالمي من أوسع أبوابه، فواكبت التطور، وارتوت من ينابيع حكمة قائد فذّ، لتغدوا منارة للسلام، ودوحة غنّاء بالأمان، ورمزاً للتضحية والفداء، مدت يد الإخاء لشعوب العالم، وفي أصعب المواقف نادت” تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء”، فالسلام صناعة، وقد أتقن الصانع صناعته عبر ما يقرب من خمسين عاماً، هو إرث عمان الحاضر، وتركة يستحيل التفريط فيها، بل هي للغد عنوان وللأجيال ثوابت وإيمان.
يوم نستذكر من خلاله وعوداً أنجزت، وأهداف ومنجزات كثيرة تحققت.. يوم نستذكر من خلاله حلم تحقق لقائد رحل عن عالمنا، لكن ذكراه لم ترحل، فمع كل منجز قائم كان له فيه بصمة ورؤية.. إنه يوم خالد نتذكره بفرح، بل هو ذاته الفرح الخالد، والأمل المتجدد لمسيرة حافلة بالعطاء، ومستقبل مزهر بإذن الله.