تتسابق الحروف؛ لتخط من وحي القلم ما يجيش بالنفس من متباينات حول ما يجري ويحدث من حولها. فبعض الأحداث ذات تأثير مباشر، وبعضها تحوم في الأفق، ولا تعلم أن كنت معها مُغردًا أو متفرجًا. وهكذا هو حالنا بين استسلام وخضوع، فتقلّب واندثار، أو إيمان ويقين، فاستقرار وثبات.
تتوارد الشخوص في حياتنا، بين عوالم وأحداث، وانقضاء زمن وأزمان. ويبقى لذوي التأثير ذكرى لا تغيب، بحسب طبيعة الأثر وقوته. ومنها ما يندثر ويتبخر وسط أجيج التفاعلات، أو كثرة الالتزامات. وحينما تتأمل وتأخذك الذكريات، حيث تلك المواقع والتصرفات، تجد لصدق الروابط باقية لفترات أطول، في حين تتطاير صحف ذوي المصالح بشكل أسرع.
في حالات كثيرة، يتساءل المرء ما الحكمة في الاقتران بفلان، أو الرزق في مكان. ولا تجد بين الأجوبة ما يشفي فضولك أو تأملاتك، فتهتدي إلى إرجاء الأمر إلى خالقك: ولله في خلقه شؤون، ولعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمرًا. إيمانًا منك بأن هناك من الأمور يكون المرء فيها مسيّرًا لا مخيّرًا.
إنّ لسجل الأحداث طولًا وعرضًا، مما يترك في الأعماق عبيرًا، وبعضه مما ترفض الروح معه توقفًا؛ لشدة ما لاقت معها من ألم أو وصبًا. ولأن الله رحيم بعباده، ومع قوة شخصية الفرد وإيمانه، يتخطى بعون الله ما كان يظن يوما أنها النهاية، داعيًا المولى أنْ يخرجه من حلق الضيق إلى سعة الطريق.
تتوقف الحياة بالخلوة مع النفس؛ لتهمس لك بحكمتها، ويبدأ معها الحوار الانفرادي متضمنا الاعترافات، ومراجعة العلاقات؛ لتقييم ما جرى في الماضي من أحداث، وتحليل ما فيه من مجريات. لتبدأ مرحلة التخطيط لمستقبلك وقادم حياتك؛ بترتيب أولوياتك وتنظيم تعاملاتك، وصياغة اهتمامك، معلنًا بأنّ القادم بإذن الله أجمل.
ولأنّ لكل شيء نهاية ومُدد، ولا يبقى حال على حال، والثّقة بالله أعظم وأجلّ، بأنّ الخيرة فيما اختاره الله، نتنقل بين المحطات، فنواصل السعي ونكمل السير، بُخطى ثابتة، مُتخذين من المواقف سُلمًا، ومن العبر سندانًا؛ لاحتواء الحاضر في موقع آخر، ومجال مُغاير، والحياة مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فسبحان الله حين قال: }وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{. (سورة البقرة، الآية: 216)