تعد مدينة مطرح إحدى اللآليء المضيئة على سواحل بحر عمان، وهي إحدى درر التاج العماني التابعة لمحافظة مسقط العاصمة العتيقة لعمان، ذلك البلد الذي يمتد تاريخه إلى أكثر من خمسة آلاف عام.
وتجسد مطرح اليوم متحفا جماليا نابضا بالحياة وذاكرة مفتوحة على التاريخ والمحيطات، نظرا لدورها الحضاري وماشهدته من الأحداث عبر أحقابها المتعابقة التي تشهد بأهميتها كعاصمة سياسية قديمة وميناء تجاري عريق، جعلها مدينة ساطعة الحضور في تاريخ عمان ومنطقة جذب سياحي في حاضرها المشرق.
عبر شواطئ مطرح مر الغزاة الذين طوتهم أمواجها وطاردتهم إرداة الإنسان العماني، ومن سواحلها انطلقت السفن العمانية المختلفة محملة بالخيرات والمسافرين والتجار والبحارة والنواخذة إلى مياه العالم. وعلى رمال مينائها رست السفن التي تجلب الخير والبضائع والأرزاق للسوق الأهم في الذاكرة العمانية.
وقد أخذت مطرح اسمها من موقعها الجغرافي كونها تشكل ميناء تاريخيا من أقدم الموانئ على بحر العرب الذي يعد بوابة عمان إلى الصين وبلاد الهند وبلاد فارس وسواحل شرق إفريقيا ودول الخليج وغيرها من بقا العالم. والراجح في تسميتها بـ “مطرح” أنها مرسى للسفن، إذ يقال (طرحت السفينة مرساتها) أي رست. وما يزال الكثير من البحارة العمانيين وفي أغلب دول الخليج إذا أرسوا مراكبهم يقولون (طرحنا)، وفي الأغنية الخليجية الشعبية الشهيرة:
يا نُواخِذْ اخذوني معاكم
ثم “اطْرُحوا” بي على مرسى المحبين
فعبارة (اطرحوا بي) في الأغنية تعني: (ارسوا بي). وهناك أيضا رأي آخر يقول أن اسم مطرح مأخوذ من كونها مكانا لطرح البضائع. ورغم أننا نميل إلى الرأي الأول إلا أنه في المحصلة يتقارب المعنيان في دلالاتهما على أهمية المدينة وكونها مرسى ترسو فيه السفن وتطرح فيه البضائع، وقد تعزز هذا المفهوم في تاريخ المدينة الحديث، لاسيما في عهد النهضة المباركة مع إنشاء ميناء السلطان قابوس الذي أكسب المدينة أهمية تجارية وسياحية خاصة. ويعود تاريخ هذه المدينة العريقة إلى ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد.
تقع مدينة مطرح في الجزء الشمالي الشرقي من مدينة مسقط عاصمة السلطنة، وتضم ثمان قرى رئيسة تتمثل في مطرح القديمة، ومطرح الكبرى، والوطية، وروي، ووادي عدي، وعينت، والقرم، وميناء الفحل. وكل هذه القرى باتت ذات أهمية استراتيجية واقتصادية في عمان ما بعد النهضة.
ويوجد في مطرح الكثير من المواقع السياحية والتراثية والمتنزهات الجميلة مثل حديقة ريام وحديقة كلبوه والشارع الساحلي (الكورنيش) البديع الذي يعج بالحركة ليل نهار، على جانب سوق مطرح الذي يعد قبلة للسياح الذين يفدون إليه من كل بقاع العالم، وهو يضاهي الكثير من نظيراته من الأسواق التراثية مثل سوق واقف في قطر والبحرين والكويت، والسوق التراثي في تركيا وغيرها. وتجلب لهذا السوق الذي يبلغ عمره أكثر من مائتي عام البضائع من مختف بلدان العالم لاسيما الهند والصين، وأصبح الآن يحتوي على كل البضائع والسلع التي يحتاجها الإنسان، رغم محافظته الواضحة على عمقه الحضاري وطابعه التراثي الأصيل، حيث يعبق بروائح البخور واللبان والعطريات التقليدية المختلفة والتوابل المتنوعة.
إلى جانب ذلك فإن مدينة مطرح عامرة بالمواقع التراثية والمعالم الحضارية كالمتاحف والقلاع الأثرية والأسوار التاريخية. فهي تضم عدة متاحف منها متحف القوات المسلحة، ومتحف غالية للفنون الحديثة، ومتحف بيت البرندة.
كما تضم مطرح ثلاثة عشر قلعة أبرزها قلعة كوت مطرح التي تتميز بموقعها الفريد على الجبل قبالة الشاطئ، ويعود بناء هذه القلعة إلى عام 1587 في عهد الاحتلال البرتغالي لعمان، ثم اتخذها السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي مقرا للحكم. إلى جانب قلعة الروجة، ومطيرح الفناتيق، وجبل كلبوه، ولزم، وحكم، والريح، وسنجوري، والغريفة، وبحوار، وبيت الفلج، والشجيعية.
أما الأسوار فأبرزها سور مطرح القديم، وسور جبروه، وسور اللواتيا الذي يشرق بنوافذه الخشبية التقليدية ومشربياته وواجهته البيضاء المطلة على البحر، وسور روي الذي تتوسطه بوابة تاريخية تعد البوابة الشمالية لمسقط العاصمة، وتهدف إلى تنظيم الحركة من وإلى مسقط. وقد تم ترميم الكثير من هذه المعالم التاريخية في عهد النهضة المباركة لتظل شاهدة على أمجاد هذه المدينة العريقة.
