السياحي
“ورد الجبل” .. كما احمرّتْ من الخجلِ الخدودُ
بقلم وعدسة: عبدالله العبري
أن تجتمع مفردتان لدى السامع في الوهلة الأولى: الجبل وأخضر ذلك شيء مستبعد، لكنها حقيقة ماثلة للعيان في سلطنة عمان حيث يوجد الجبل الأخضر في داخلية عمان وهو يشكل أحد نيابات ولاية نزوى، ويبعد عن محافظة مسقط نحو ١٥٠كيلومتر، ويستغرق الطريق للوصول من مسقط إلى بركة الموز حوالي الساعة والنصف، أما الصعود إلى الجبل الأخضر فيلزمه سيارة دفع رباعي لمدة ساعة من الزمن للوصول إلى بداية العمران فيه.
الجبل الاخضر جزء من سلسلة جبال الجحر، ويأخذ شكلاً أقرب للاستطالة، تتخلله طرق ومسالك وأودية تربط بين قراه، ويطلق عليه أيضا جبل رضوى .
يقول الشيخ السالمي في كتاب تحفة الأعيان : “وفي عمان الجبل الأخضر ويقال له رضوى وهو جبل من عجائب الدنيا مملوء بالفواكه من الرمان والعنب والجوز والخوخ والمشمش والبوت والنمت وغيرها”، وساعد اعتدال الحرارة في إقليم الجبل الأخضر على وجود القرى المحتفظة بموروثها الثقافي، وتقع القرى في مواقع مختلفه من الجبل فتظهر عند الكهوف بسفوحه شديدة الانحدار، وعند مخارج الينابيع، ويبلغ عددها ٤٥ قرية، وتعد قرية سيق مركز الجبل.
من قرى الجبل العلعلنية ومرواح وحيل اليمن والعتن والرهضين وشنون ومصيرة والجواميد وحيل والحدب وسلوت والغليل وكهف الأحمر والروس والعتم وسويجره والمناخر وساب وقاشع والمسمورة والشريقيين وحيل الدار وعقبة البيوت والحليلات والمحيبس وساقة، إضافة إلى تسع قرى هجرها سكانها، ويمارس السكان عددا من المهن والصناعات؛ منها: صناعة ماش الورد وخل البكر، والنسيج ، ورعي الحيوانات والزراعة .
يممت نحو الجبل الأخضر عقب صلاة الفجر في بهلا للحقاق بفترة قطاف الورد، وهو موسم عادة يكون في شهر ابريل ويتميز الجبل الأخضر بكثافة أشجار الورد، وتقوم عليه صناعة ماء الورد الذي بدوره يدخل في كثير من الاستعمالات العمانية سواء للحلوى أو في بعض الاستخدامات الأخرى .
كان الوقت متأخرا للحصول على صور أفضل للسكان وهم يقطفون الورد، لكن التقينا الوالد ناصر بن محمد بن عبدالله العمري الذي شدّه حديث الكاميرا مع الورد فآثر أن يقول لنا ما يحفظه من حديث الشعر عن الورد، زمنه قول ابن المعتز:
أتاكَ الوَردُ مَحبُوباً مَصُوناً، كمَعشوقٍ تكَنّفَهُ الصّدودُ
كأنّ بوَجهِهِ، لمّا تَوافَتْ نجُومٌ في مَطالِعِها سُعُودٌ
بَياضٌ في جَوانِبِهِ احمِرارٌ، كما احمرّتْ من الخجلِ الخدودُ
وأبيات أخرى:
شدني للورد طيبٌ وصفاء
وبه الطهر وعنوان النقاء
يتباهى بأريجٍ وبهــــــاء
ينشر الحب بأنفاس الهواء
وطباع الود طبع النبـــلاء
يكره البخل ونهج البخلاء
وإلى مولاه يشدو بالثناء
لمليك الكون أرضٌ وسماء
لم أكن أعرف أن الموسم لهذا العام بدأ باكرا حيث بدأ في منتصف شهر مارس، كما أوضح الوالد ناصر بن عبدالله بن عيسى العمري الذي شرح لنا كيفية تقطير الورد، يقول: نقطف الورد في الصباح الباكر، ونستقبل بعض الورد من جيراننا ونحسب وزن الورد، ثم أرد نفس الكمية لجاري في القطفة الثانية، لأن الكمية اليومية لا تكفي لعملية تقطيرها منفردة ، ونقوم بوضع الورد في مكان رطب نغطيه بقماش رطب أيضا، ونقوم بتركه إلى اليوم التالي .
يجري التقطير في موقد يُسمى الديهجان، ويتفاوت حجم الديهجان من حيث عدد الأواني حيث تصل في بعض المواقد الى ١٤ اناء فخاريا، ويوضع الورد في إناء فخاري ثم توقد تحته النار لكي يتبخر ماؤه، فيتكثف البخار الصاعد من أزهار الورد من الإناء عن طريق قرص مملوء بالماء البارد موجود على فوهة الإناء، ويتحول البخار إلى سائل يتساقط بقطرات داخل إناء نحاسي يكون موضوعا تحت فوهة الإناء.
وتظل الورود داخل الإناء الفخاري مدة ساعتين ونصف ثم تستبدل بها ورود أخرى جديدة، ويفرغ ما يحصل عليه من ماء ورد في إناء فخاري كبير يسمى الخرس، يغطى بغطاء من الجلد ويربط ربطا محكما حتى لا يدخله أي جسم غريب مده ٤٠ يوما، ويفك الغطاء الجلدي بعدها حيث يقوم المزاراع بتعبئه ماء الورد المصفّى في زجاجات، ويكون شفافا وأحيانا يميل إلى الاحمرار .