العام

في عصر الكورونا .. يوميات  في ظل العزل المنزلي

نجاة الماجد

شاعرة وكاتبة سعودية

خلال فترة العزل المنزلي وحظر التجول الذي تشهده جميع الشعوب في أغلب دول العالم في زمن الكورونا، ومع توقف النشاطات الخارجية العملية والتعليمية والترفيهية، وجدت نفسي أعاني من  فراغ كبير، وبعد مضي يومان من الملل استجمعت قواي وعقدت العزم على تحويل هذه المحنة إلى منحة من خلال الاستفادة قدر الإمكان من وقتي داخل المنزل. 

فمن خلال القراءة سافرت مع الكاتب المصري أنيس منصور حول العالم في مئتي يوم ، وانتقلت معه من أقاصي آسيا إلى أقاصي امريكا وتسلقت سفوح جبال الهمالايا حينا وجبل كلمنجارو حينا آخر. 

كذلك التحقت بدورة تدريبية في لقاء الجماهير من خلال كتاب للدكتور أكرم رضا. كذلك اكتشفت الفن الياباني في الترتيب وإزالة الفوضى من خلال كتاب (سحر الترتيب) لمؤلفته ماري كوندو. 

ولم أكتف بالقراءة وحسب بل تابعت إحدى المحطات الفضائية التراثية ومن خلالها شهدت وقائع حرب البسوس ومعارك الزير سالم في الثأر لأخيه كليب من قاتله جساس، كما شهدت قصة الحب العذري لنمر بن عدوان. ومن خلال أثير الاذاعة تابعت بعض البرامج الدينية والاجتماعية والترفيهية على حد سواء. 

ولكوني شاعرة وكاتبة فقد استقطعت بعضا من الوقت لمراجعة مخطوطاتي الشعرية والنثرية التي لم تنشر بعد. كذلك شاركت في بعض الاستطلاعات والتحقيقات الصحفية. 

 وعن طريق حسابي على الفيس بوك نشرت بعض المقطوعات الشعرية والمواد التوعوية المتماشية مع الحدث. كما تعاونت مع عدد من الإعلاميين العرب في تسجيل  بعض قصائدي وإخراجها عبر اليوتيوب، ومن ثم تفرغت للتعليق والرد على الآراء والملاحظات حيال ما أنشر. 

وعبر منصة تويتر تابعت آخر الأخبار المتعلقة بفيروس كورونا وطرق الوقاية منه. كذلك تابعت بعض الحسابات التي تقدم محتويات هادفة في هذا الوقت العصيب، كحسابات عدد من الأطباء وأخصائيي التغذية وعلماء الطقس وخبراء تطوير الذات للاستفادة قدر الإمكان مما يبثونه وينشرونه.  

وكل ذلك لم يمنعني من التواصل مع أسرتي، فقد أصبحت أقضي معهم وقتا أطول ولله الحمد. كذلك وجدتها فرصة للتواصل مع الصديقات القدامى والسؤال عنهن هاتفيا أو عبر وسائط التواصل الاجتماعي. هذا فضلا عن الاهتمام بترتيب المنزل وإعادة تنسيق بعض قطع الأثاث وجرد الملابس والكتب وإعادة تنظيمها والاستغناء عن التالف منها. 

ولم أكتف بذلك بل توقفت كل ليلة مع ذاتي في لحظات محاسبة للنفس وحديث مع النفس وتساؤلات واستفهامات. ياترى بعد انقضاء أزمة الوباء العالمي هذه، هل ستخرج البشرية منها كما دخلت إليها. ربما نكون قد نسينا الحروب وتقزمت كل دواعيها في أعيننا، فقد عشنا زمنا دون أن يهدد أي منا وجود الآخر.

سنعود بتقديس أكبر للعلم والعمل والحياة وبإدراك أكبر لضحالة وجودنا نحن البشر، نحن الذين بنينا ناطحات السحاب وغزونا الفضاء وتلاعبنا بالجينات وهندسنا الذرات، يأتي كائن مجهري فيهدد وجودنا. وما زال هناك للأسف من يكابر ويعيش في غرور ويسمح لنفسه بتقزيم الذات الإلهية والحديث على لسان الخالق! 

سنكتشف جميعا تلك الحقيقة المعقدة على بساطتها؛ أننا إن نسينا اختلافاتنا وتعايشنا بمصير موحّد فلن تنشق الأرض وتخرّ السماوات هدّا. سيعي الجميع مكانة الطب والأطباء، وتفكر الحكومات ألف مرة قبل صرف مليارات الدولارات على اللاعبين والفنانين والسباق نحو التسلح؛ وسندرك أن الجهل الذي تتخبط فيه بعض الشعوب قد يكون أخطر من الفيروس في حد ذاته. سيرعوي المجرمون والنشالون ويجدوا سبلا أرقى لقطع رحلة الحياة. سنكتشف ذواتنا أكثر بعيدا عن ضجيج العالم، وثمار العزلة ستؤتي أكُلها لا محالة. سنتذكر أننا فانون…فانون…فانون

لا أقول أننا سنقفز قفزة نوعية نحو المدينة الفاضلة  لكن هذا الفيروس منحنا ثورة روحية عظمى يقف فيها كل واحد منا على الأقل وقفة تأمل قبل أن يواصل سعيه المحموم في دوامات الحياة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق