التقني
سلطان العامري: لازلت أرى ضجيج الحياة الذي لم أسمعه يوما!
- نحن البشر أتينا إلى هذه الحياة بقدرات متفاوتة، ونعم لا تتوافق معنا جميعا، فلكل واحد منا نصيبه في العطايا والحظوظ، ولا يوجد من هو متكامل، ولكن سيفوز صاحب النظرة المتفائلة للحياة، الذي يرى كل ما وهبه الله بإيجابية، ولا تثنيه صغائر الأمور عن المضي قدما لتحقيق النجاح. بطل حواري هو سلطان بن ناصر العامري، الشاب الذي لم تثنيه إعاقته السمعية عن مواصلة النجاح والتوفيق، تعلم وتثقف حتى توظف كإداري بوازرة الدفاع، وواصل المسير حتى حقق حلمه بأن يصبح أول مذيع تلفزيوني عربي من فئة ذوي الإعاقة السمعية، وله الكثير من المشاريع الخاصة المبتكرة والمساهمة في تنمية المجتمع.. للتفاصيل، في السطور الآتية..
- حوار: أنوار البلوشية
هي ليست المقابلة الصحفية الأولى التي تُجرى مع سلطان، لذا سعينا من أجل استقاء الجديد الذي لم يبح به من قبل، ففتحنا له المجال حتى يسترسل في الحديث. بداية حدثنا عن مرحلة الطفولة قائلا: ولدت دون حاسة السمع، لم أدرك وأنا طفل، أن الناس من حولي يسمعون، وأن هذه الحياة لها ترددات وأصوات، ولدت في هدوء تام، ولا زلت أرى ضجيج الحياة الذي لم أسمعه يوما، ولكني تأقلمت مع الوضع المختلف، وتميزت باستخدام لغة خاصة تساعدني في التواصل مع المحيطين بي، حتى أصبحت الإشارات كالجسر الذي يمتد بيني وبين العالمين.
لم أسمع خطوات المشي، ولم أسمع صوت المطر، ولا أميز الصوت بين الحدة والشدة، ولكني في الكثير من الأحيان أشعر بأني مميز عن الجميع، وهبني ربي نعمة عظيمة، فقد أبعدني عن الضجيج ومنحني الهدوء والطمأنينة.
العلم سلاح الغد
وأضاف سلطان تفاصيل حول المرحلة الدراسية الأولى في حياته، قائلا: بلغت سن المدرسة، فالتحقت بالمدارس المتوفرة في السلطنة، والمعنية بفئة بالصم، واصلت تعليمي حتى الصف (التاسع) الثالث الإعدادي آنذاك، ثم لم تتوفر لدي خيارات عدة بعد تلك المرحلة، فلا جامعات قد أستطيع الالتحاق بها، ولكن إصرار أبي الذي كان دائما ما يحثنا على تلقي العلم مهما واجهنا من ظروف صعبة، ومهما كانت التحديات، فالعلم سلاح الغد، استطاع والدي تسجيلي في دورات متخصصة في الحاسب الآلي، ربما الله تعالى أخذ مني حاسة السمع، ولكنه عوضني بقدرات مختلفة لا توجد عند الكثير من البشر، وميزني بنعم أنا شاكر عليها ما حييت. عندما أصبحت شابا يافعا بدأت بالالتحاق بالجمعيات، أولها الجمعية العمانية للمعاقين التي تشمل جميع الإعاقات، هنا بدأت أنطلق في مشوار التعلم والاكتشاف، وأصبحت رئيسا للجنة الصم في الجمعية، فتعلمت الكثير من تجارب الحياة التي أوصلتني إلى ما أنا عليه اليوم.
إنجازات تحققت
بحديثه عن الجمعية العمانية لذوي الإعاقة السمعية، تحدث عن بعض التفاصيل والإنجازات التي تحققت من خلال هذه الجمعية، حيث ذكر سلطان قائلا: تأسست الجمعية في عام 2013م، وتوليت رئاسة مجلس إدارتها في عام 2015م، حيث تسعى الجمعية إلى رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية في السلطنة، ورفع وعي المجتمع بقضاياهم ومحاولة دمجهم فيه، من خلال نشر ثقافة تعلم لغة الإشارة، وتعريف الأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية بحقوقهم وواجباتهم، وإطلاق طاقاتهم وقدراتهم، وتمكينهم من القيام بدورهم اتجاه الوطن، وخلال مدة رئاستي للجمعية استطعنا أن نحقق عددا من الإنجازات أهمها : الفوز بجائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي 2015م، وأيضا استطعنا تحقيق افتتاح تخصصات للصم في كليات السلطنة، وإرسال 25 شخصا من ذوي الإعاقة السمعية إلى جامعة جالوديت الأمريكية، وتخريج 27 مترجما في لغة الإشارة، وإرسال 5 أشخاص لأداء مناسك الحج سنويا بدعم من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وتوفير 90 جهازا تعويضيا، إلى جانب توفير 1000سماعة أذن، وافتتاح ورش للصم في هيئة تقنية المعلومات.
أول مذيع أصم
حاز سلطان على لقب أول مذيع أصم في الوطن العربي يقدم برنامج تلفزيوني بلغة الإشارة في تلفزيون سلطنة عمان، حدثنا عن هذه التجربة قائلا: لقب المذيع العربي الأصم الأول ساعد في تغيير الصورة النمطية التي كانت سائدة قديما، والتي كانت تقلل من قدرات الأفراد ذوي الإعاقة السمعية. حصلت على جوائز عدة، أحدثها تكريمي من قبل لجنة المؤتمر العربي الدولي الأول للحقوق الثقافية والرياضية لذوي الإعاقة في تونس، وأيضا تكريمي من قبل رئيس الجمعية العمانية لذوي الإعاقة السمعية. لم أكن أتصور حجم حلمي الذي أصبح واقعا، وصلت إلى ما كنت أريده، أصبحت مذيعا، ولكن ماذا سيحدث بعد ذلك!!
دائما ما كنت أتخيل أن يتحقق هذا الأمر، ولكني لم أدرك أن بوصولي إلى هذا المستوى من النجاح سأفتح أمام الآخرين أملا كبيرا للسعي إلى تحقيق أهدافهم، لأن الأشخاص من ذوي الإعاقة والصم على وجه الخصوص، دائما ما يكونون بحاجة إلى دافع قوي، ومثال قريب من واقعهم، ليمثل لهم القدوة، حتى يؤمنوا بأحلامهم ويدركوا بأنها ستصبح واقعا يوما ما.
وأضاف قائلا: أصبحت مذيعًا في برنامج قهوة الصباح بتلفزيون سلطنة عمان، وحققت النجاح باستضافة أكثر من 135 شخصية، وساهمت في حل قضايا الصم، حيث مثل البرنامج دورا فعالا في تغذية ثقافة المجتمع حول أهم المعلومات المتعلقة بذوي الإعاقة السمعية.
إنشاء معهد التواصل
لسلطان إنجازات حققها على الصعيد الشخصي، ذكر تفاصيل حول مشاريعه، قائلا: قمنا أنا وأخي العزيز، أستاذي سعيد البداعي بإنشاء معهد “التواصل” للتدريب الذي تأسس في منتصف عام 2016م، حيث يهدف إلى خلق وسائل للتواصل تسهم في إدماج المجتمع مع عالم الصم، حيث نقوم بتعليم لغة الإشارة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية والأسوياء أيضا، وتنمية القدرات العلمية والثقافية للأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية، وتطوير مهارات النطق التي تساعد في النمو العقلي والتواصل اللغوي.
وعن مدى مشاركة أبناء المجتمع الأسوياء في تعلم لغة الإشارة، أضاف العامري قائلا: أنا فخور جدا بذوي الصم وأفراد المجتمع الذين يتنافسون لتعلم لغة الإشارة، فبمشاركتهم وسعيهم إلى تعلم الإشارة حققوا أحد أهداف المعهد، ونحن نسعى في المستقبل إلى دعم الراغبين بدورات مجانية تمتد لسنوات لتخريج مترجمين عمانيين.
تأسيس شركة حياة
إضافة إلى تأسيس معهد “التواصل” قام سلطان على إنشاء شركة مختصة بتكنولوجيا المعلومات، ذكر تفاصيل ذلك قائلا: في عام 2019م تبين أن العالم يتجه بشكل قوي نحو العصر التكنولوجي، وأصبح لزاما علينا أن نواكب هذا العصر المختلف الزاهر والمشرق، حيث بدأ كل شيء يتحول من التقليدي إلى الرقمي، وربما رؤية عمان 2040 ألهمتني على أن أتنبأ بحدوث طفرة تكنولوجية عميقة في المستقبل، لاسيما ونحن فئة الصم نعيش في ظل العدل والمساواة مع الآخرين في هذا الوطن الغالي، هنا وردتني فكرة إنشاء شركة “حياة” لتكنولوجيا المعلومات، والمختصرة في تطبيق (sign book)، فهو عبارة عن منصة خاصة لاطلاع ذوي الإعاقة السمعية على الأخبار والمعلومات المحلية والدولية والعالمية تحت سقف واحد، ويحمل خصائص متعددة، يستطيع البرنامج تحويل الباركود إلى تعليمات بلغة الإشارة، وأيضا الاتصال المباشر بمركز الاتصالات بوجود مترجم ٢٤ ساعة على مدار الأسبوع، ويتيح الاتصال المرئي كذلك. في الآونة الأخيرة تم التعاقد من خلال البرنامج مع مركز الاتصالات بوزارة الصحة، حيث جاء التعاون من أجل التصدي لجائحة كورونا، والتي تستوجب تواصل فئة الصم الذين يواجهون أي عوائق في هذا الجانب أن يتصلوا بتطبيق sign book وتم الإعلان عن ذلك عبر تلفزيون سلطنة عمان.
وفي الختام…
ختم سلطان حديثه قائلا: الإعاقة لم تكن حاجزًا بل سلمًا للنجاح، إذ استطعت بمساعدة المحيطين بي على تخطيها، وتثبيت أقدامي نحو مستقبل جديد لي ولفئة الصم في السلطنة والوطن العربي.