السياحي
القصيم واحة النخيل الباسقة، وبريدة تصحو على مذاق «السكري»
تستيقظ بريدة السعودية بعد صلاة الفجر مباشرة على أصوات الدلالين وهم يصيحون بأعلى أصواتهم: «سكري بــ 50 ريالًا»، «سكري بـ 120 ريالًا»، لينتهي البيع بأكثر من 200 ريال سعودي لصندوق كرتوني من تمور السكري الفاخرة لا يزيد وزنه على 4 كيلو جرامات . احتفالية كبيرة تبدأ منذ الساعات الأولى للصباح، مئات السيارات أخذت أماكنها في طابور طويل ضمن 25 خطًا في ساحة مدينة التمور التي تسع لأكثر من 3000 سيارة نقل .
كتب : سعيد بن خلفان النعماني
انطلقنا بعد صلاة الفجر مباشرة إلى مدينة التمور، حيث يرعى صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، حفل تدشين المهرجان، ونلتقي به بعد جولته في معرض التمور. الطريق استغرق نصف الساعة تقريبا لنأخذ أماكننا حيث مئات الإعلاميين والكاميرات التي ملأت المكان بانتظار بدد الحفل والاستماع إلى كلمات المسؤولين عن المهرجان، فيما كان الأمير أول الواصلين إلى الحفل الذي تنوعت فقراته واستعرضت نجاحات السنوات الماضية والعائد الاقتصادي الجيد الذي حظيت به جميع القطاعات والأفراد الذين يعملون في مجال التمور .
وفي لقائه مع الإعلاميين قال سمو الأمير: إن القصيم من المناطق المتميزة في استعراض وتعزيز منتج التمر مشيراً إلى أن مدينة بريدة للتمور تعكس للجميع قوة التنافس والعرض لإبراز هذه المنتج من تمور المنطقة، مؤكدا أن النخلة ومنتجاتها هي إحد الاهتمامات لقيادة المملكة العربية السعودية عبر رؤية 2030، لافتاً أن ذلك يجعل الجميع أمام تحدٍ كبير نحو تنميتها وتعزيزها اقتصادياً.
وقال سموه : إن ثمانية ملايين نخلة وأكثر من 4 آلاف شاب يعمل في المهرجان وأكثر من 63 ألف سيارة تورد الكميات الكبيرة من التمور لمهرجان تمور بريدة ويوضح للجميع أن لدينا قاعدة اقتصادية ضخمة لهذا المنتج الوطني، الذي يجب علينا استغلاله وتنميته.
بث مهرجان «تمور بريدة ٣٩» الحياة في جسد الأرياف الجنوبية للمدينة عندما قام باستثمار إحدى المزارع القديمة التي تجاوز عمرها ٢٠٠ عام وبمساحة إجمالية ٧٠ ألف متر مربع؛ حيث فتح أبوابها لآلاف الزوار بعد أن قام مالكها بتجهيزها، وتأمين ٤٥ عريشًا ومجموعة من الأكواخ المبنيّة من الخشب وجريد النخل، وأكثر من ١٥٠ جلسة مفتوحة.
وقال أحمد الجربوع أحد ورثة مُلاك المزرعة: إن المزرعة يعود عمرها إلى أكثر من ٢٠٠ عام بحسب الصكوك والوثائق، وحفظًا للتراث قام بإبقاء نخيلها المعمّر على حاله، وإعادة ترميم بئرها التي تغذي الجداول داخل المزرعة بمياهها العذبة مرورًا بالأكواخ في لوحة بديعة وآسرة.
وأضاف: «المزرعة تقع في الرويبة وبجوارها مناطق الحشرة، والبوطة التاريخية، وجميعها تابعة لحي الصباخ الذي سكنه عدد من عوائل بريدة عقودًا من الزمن وبات الآن حاضنًا لأكبر أسواق التمور في العالم».
من جهته قال المشرف العام على المهرجان الدكتور خالد النقيدان: إن فعالية ظلال النخيل المصاحبة لمهرجان التمور تحظى بإقبال كبير، خصوصًا أن هذه المزرعة تعتبر من أحدث الأماكن السياحية والتاريخية بالمنطقة، وتأتي ضمن اهتمامات أمير منطقة القصيم الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود وتوجيهاته بزيادة الرقعة الخضراء والمزارع الريفية بالمنطقة، وتوفير الأماكن السياحية والترفيهية للأسرة.
ولفت «النقيدان» إلى أن المزرعة تحتوي على مجموعة من الخدمات الترفيهية، والمطاعم، والمقاهي، والأماكن المطلة على المدينة ومزارع النخيل المجاورة، وشلالات المياه، والأدوات الزراعية القديمة.
منتجات تستهوي التاجر والمستهلك ومنتجي التمور
مع انطلاقة جني محاصيل التمور بمدينة بريدة، وتوافد آلاف المزارعين لعرض تمورهم على المتسوقين في مهرجان تمور بريدة 39، شهدت اسعار التمور اليومية اعتدالا ملموسا للشراء مع ما يشهده السوق من تنوع بأصناف التمور، حيث تصدر السكري قائمة الأعلى مبيعات، إذ وصل سعره مابين 25 و 300 ريال للعبوة ذات 3 كيلو جرامات، كما جاءت الشقراء من 20 إلى 50 ريالا سعوديا، والونانة مابين 25 و 60 ريالا سعوديا، وجاءت الهشيشي مابين 20 و 45 ريالا سعوديا، والسكرية الحمراء من 15 و 35 ريالا سعوديا، وجاء البرحي مابين 10 و 25 ريالا سعوديا، وسجلت نبتة مابين 15 و 25 ريالا سعوديا .
كما سجلت باقي أنواع التمور التي تقدر بأكثر من 45 نوعًا تفاوتًا في الأسعار حسب جودتها وكميتها، في حين ترد للسوق في منتصف أيام المهرجان أنواع أخرى من التمور كالصقعي والخلاص والرشودية والمكتومي وغيرها من الأنواع التي تشتهر بها منطقة القصيم .
بالما .. منتجات راقية .. بأيد ناعمة
تتوزع المهام ضمن خط زراعة وحصاد وتصنيع التمور، لتأتي (بالما) خاتمة للعقد لتنتج التمور بألذ طعم وأجمل شكل بأيد سعودية مدربة وتعي أهمية التمور وقيمتها الاقتصادية والاجتماعية، وما يمكن أن يُضاف لها من قيمة اقتصادية. جولتنا بالقصيم قادتنا إلى منصة بالما بمدينة التمور والتقينا بمديرة المشروع بسمة المرجان وسألناها عن فكرة قيام الشركة وأهم انشطتها، فقالت: تأتي التمور من مزارع المملكة العربية السعودية في القصيم والمدينة المنورة والمناطق الأخرى ويتم بالتعامل الاحترافي مع التمور ذات القيمة الغذائية المتكاملة التي أنعم الله علينا بها وجعل طلعها في أراضينا.
وقالت: تقوم بالما بعمل مدروس على كيفية التعامل مع التمور بعد قطفها (خرافها) من النخيل حيث تَعْبر من خلال منظومة صحية متكاملة ذات جودة عالية وفقاً للمعايير الصحية والممارسات الصحيحة التي تطبقها وزارة الزراعة وهيئة الغذاء والدواء السعودية، وبعد خراف التمور من النخيل ترسل الكميات إلى المصنع المعتمد من هيئة الغذاء والدواء بمواصفاته العالية وتقنياته الحديثة. وهنا عرض مبسط عن الخطوات التي يمر بها التمر قبل وصوله للمستهلك النهائي.
تبدأ القصة بنقل التمور للمصنع بسيارات مبردة ليتم استلامها من قبل لجنة الاستلام التي تقوم بفحصها والتأكد من خلو التمور من الإصابة والشوائب، ثم تنقل إلى صالة الفرز حيث هناك مرحلتان من الفرز(الأولى: فرز الحبات غير الجيدة من التمور، ومن ثم الفرز حسب الصنف (مفتل- رطب..) ثم تنقل إلى مرحلة التدريج والتي تقوم بتقسيم أحجام التمور حتى ٥ درجات بطريقة تقنية حديثة تُستخدم فيها الكاميرات والحساسات، وهنا يتم تلميع التمور والتخلص من الأغبرة العالقة حيث تعطي التمرَ منظرًا جذابا ومختلفًا.
وأضافت بسمة المرجان: تنتقل التمور إلى المرحلة الأخيرة وهي إما التصنيع (تصنيع مسحوب الهواء بآلات حديثة يشرف عليها مهندس الجودة – أو التصنيع الشعبي (الضميد) – أو تنتقل مباشرة إلى منطقة التعبئة والتغليف.
ومن الخطوات الأخرى في خطوط الانتاج تقميع التمر وهو إزالة قمع التمور يدويا وعجن التمور باستخدام أحدث الخطوط لنحصل على عجينة خالية من الشوائب وبدرجة نعومة ورطوبة جيدة، وهنالك التصنيع حسب الطلب حيث نعمل على طلبات خاصة بالعملاء من أفراد وشركات وفنادق مع إمكانية تصميم ووضع شعارات العملاء التجارية، حيث تعتمد خطوات بالما في العناية بالتمور على التصنيع الآلي وعدد من العمال خلال هذه المراحل مابين تشغيل الخطوط ومراقبة الجودة، ولدينا فروع في أمريكا بولاية كاليفورنيا، وكذلك في بريطانيا .
الكليجا .. حلوى القصيم اللذيذة
الكليجا حلوى شعبية قديمة، وتصنع بأشكال مختلفة وموطنها الأصلي منطقة القصيم في السعودية، ويقام لها مهرجان سنوي. وقد أبدعت النساء القصيميات في إعداد الكليجا، وساهمن في انتشار صيت هذا القرص الذهبي الطعم المتميز، وتعتبر من أفضل أنواع المأكولات المصنعة منزليًا بواسطة النساء الكبيرات في السن.
التقيت بعدد من الفتيات بمهرجان التمور ببريدة، وهن يعرضن منتجات مختلفة من التمور ضمن مشروع بالما لتغليف التمور وكذلك لانتاج الكليجا، حيث تعتمد النساء العاملات في هذا المجال على الترويج الالكتروني وإيصال الكليجا بعبوات صفيح (تنك) من خلال شركات التوصيل السريع.
تقول إحدى العاملات: كانت الكليجا وجبة رئيسية في بيوت الميسورين والأثرياء في القصيم، وكانت من أغلى الهدايا التي تقدم للصديق أو الزائر من خارج القصيم، إضافة إلى أنها عنصر أساسي من ضمن الهدايا التي تجهز بها العروس عندما تنتقل إلى بيت زوجها، وهي عادة مازال يتمسك بها البعض إلى يومنا هذا.
طرائف التسمية
بالحديث عن سبب تسمية الكليجا بهذا الاسم، ذكر أحد المواقع الالكترونية أن هناك عدة روايات وأقاويل حول أصل تسمية الكليجا. الرأي الأول، أن أصل كلمة (كليجا) هي تحريف عن كلمة (كليشة) وهي الأداة الخشبية التي تحوي النقوش المطبوعة علی قرص الكليجا.
وأما الرأي الثاني وهو الأكثر غرابة، والذي أثار تساؤلات كبيرة بين المهتمين في مجال التراث الشعبي. وهو أن أصل كلمة كليجا ظهر قديمة من قصة طريفة عن أهل مزارع بخيل، إذ إن هذا المزارع كان يسمح لأهل بيته المكون من زوجته وابنته بتناول وجبتين فقط في اليوم (غداء وعشاء)، حيث كانت البنت تشعر بالجوع في نهار اليوم، لتقوم الأم بصناعة قرص لأبنتها، وتحضره بسرعة لها وتقول له: كوليه جا أبوك كوليه جا أبوك، لكي لا يراها والدها. ومع مرور الوقت اختصرت الكلام وأصبحت تقول: كلي جا، كلي جا، قبل أن يظهر اسم كليجا ولكنه غير معروف صحة هذه الرواية بعد.