الفني
هيلدا الحياري.. تستنطق وجوه الأمهات والمدن ووحشية الحروب
بدأت الفنانة التشكيلية هيلدا الحياري مشوارها مع الفن في منتصف التسعينات من القرن الفائت، بعد تخرجها في الجامعة الأردنية التي تلقّت في مراسمها أول تعليم أكاديمي لها، إذ لم تكن الجامعة قد فتحت في ذلك الوقت كليةً للفنون.
وواصلت الفنانة المولودة في عمّان عام 1969، تلقي الدروس المتخصصة في الفن والعمل على تطوير تجربتها، محاولةً من خلال دراستها علم الاجتماع والعلوم السياسية أن تدمج بين الفن والحياة.
في بداياتها، واظبت الحياري على الرسم في مرسم الفنان التشكيلي إبراهيم الشلبي، ومنه تعلمت استخدام الألوان المائية وغيرها من التقنيات الخاصة بالرسم والتخطيط، كما تعرفت في تلك الفترة على الفنان الرائد رفيق اللحام الذي أخذ بيدها إلى أن أصبحت عضواً في رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، ومنها انطلقت للمشاركة في معارض وبيناليات عربية ودولية.
البيوت والمشردون
وكان أول الأعمال التي أنجزتها الحياري رسومات ولوحات تعبّر عن بيوت مدينة السلط (قرب عمّان) وحاراتها القديمة وشوارعها المميزة بالحجر الأصفر، وبعدها بدأت الفنانة تبحث عميقاً في علم الفن التشكيلي وتكنيك اللوحة، فانتقلت من الطبيعة الصامتة إلى استخدام الرموز القديمة على غرار تلك الموجودة في مدينة البترا الأثرية التي بناها الأنباط.
وفي الوقت نفسه، بدأت الحياري تجرّب استخدام المواد المختلفة والتقنيات الفنية المتنوعة، فأنجزت لوحات تجريدية، ثم استهواها الاشتغال بالفيديوهات الفنية والأعمال التركيبية حيث قدمت مشروعاً يدمج هذين النمطَين أسمته «طرابيش» ونال الجائزة الأولى في إحدى دورات بينالي القاهرة الدولي بعد منافسة مع مشاركين من 77 دولة.
وفي معرضها الذي عنونته ب «2012»، أنجزت الحياري أعمالاً تركيبية من الحديد والنحاس وتركتها ليعلوها الصدأ، ثم عرضتها وكتبت فوق جدران المعرض عبارات تؤكد ما حمله ذلك العام من أوضاع صعبة على العالم العربي. وفي معرضها «شاهدات» خصصت الفنانة لوحاتها لتعبّر عن أوجاع الأمهات اللواتي فقدن أطفالهن خلال الحرب على غزة. أما معرض «وجوه ضد الحرب» فكان عن مخيم الزعتري الذي زارته الفنانة مراراً لتعاين واقع النساء في ظل التشرد والبؤس.
ضفائر شائكة
وغالباً ما تهتم هيلدا الحياري برسم المرأة، فنجد في لوحاتها نساء بحالات متعددة، منهن مَن تفغر فمها صارخة، ومنهن مَن تكتم هذا الصراخ، ومنهن الحامل، ومنهن مَن جدلت شَعرها ضفائر بدت كالأسلاك الشائكة. وبلغ انحياز الفنانة للمرأة وقضاياها أنها رسمت عواصم عربية، كالقدس ودمشق وعمّان، على هيئة نساء.
لم تتوقف الحياري عن التجريب، فخاضت تقنية الرسم بالقهوة، عامدةً إلى مزج حثالة القهوة بالأحبار والألوان المائية والأكريليك على القماش، فبدت الألوان على سطوح اللوحات حيوية وذات تدرجات طبيعية وأبعاد حركية. وقد عمّقت هذه التجربة من حالة القلق التي تسم الشخوص في أعمال الفنانة، كما أبرزت جماليات التنقيط والزخرفة والضربات الرقيقة التي تضعها الحياري داخل الوجوه المحدَّدة لإظهار انفعالاتها وتعبها وهواجسها وما تحمله من أوجاع وعذابات.
الوجوه وأسئلتها
وخلال تجربتها الفنية، قدمت الحياري بعدَين أساسين في أعمالها، يتمثل الأول برسم البورتريهات والوجوه المحددة من الخارج بخطوط واضحة، بينما هي من الداخل عبارة عن خليط من الألوان والأشكال المتكونة من نقاط ودوامات وخطوط زخرفية منوعة، حيث تعبّر هذه الوجوه عن تساؤل حول القادم، في ظل حالة من التشتت والانقسام والتشرذم التي يبدو أن الشخوص تعيشها. أما البعد الثاني، فهو رسم أكثر من شخصية داخل محيط اللوحة الواحدة، وغالباً ما تستخدم الفنانة في هذا الجانب اللون الأزرق وتدرجاته لتبرز حالة من التطواف في الفضاء وعدم الاستقرار على حال.
المصدر: العمانية