الثقافي
الصربية آنا ستيليا: ألّفْتُ كتابا في مسقط ونشرته في مدينتي تجسيدا للصلة بين ثقافتين
تتميز بتنوع اهتماماتها الكتابية، إلى جانب اهتمامها الكبير بالتنوع الثقافي لدى الشعوب. هي ككاتبة مستقلة وصحفية ومترجمة أدبية ومحررة ومشرفة مدونات إلكترونية، وناشطة ثقافية على مستوى واسع. تؤمن أن التواصل الثقافي بين البشر يمكن أن يعزز التفاهم ويعمق لغة الحوار ويذيب الحواجز الوهمية بين الناس، لذا فإنها تسعى جاهدة للنشر وترجمة الآداب المختلفة بغية مد الجسور وردم الهوة بين الثقافات. زارت السلطنة قبل سنوات قريبة، وعشقت مسقط كثيرا، التي ألهمتها كتابة مجموعة قصصية مميزة للأطفال بعنوان (عائشة في أرض الأحلام) نشرتها في بلدها صربيا، بعد مغادرتها السلطنة.
إنها الدكتورة آنا ستيليا التي تحاروها “التكوين” الرقمية، حول زيارتها للسلطنة، وتسرد جانبا من ذكرياتها الحميمية، وتروي قص كتابها الذي ولد في مسقط ونشر في صربيا، ليطون حلقة وصل بين بلدين صديقين.
خاص: التكوين
تروي الدكتورة آنا ستيليا قصة خطواتها الأولى على أرض السلطنة قائلة: جئت إلى سلطنة عمان في سبتمبر 2016م، ولم أكن في السابق أعرف الكثير عن عنها، لذا فقد كنت متلهفًة لمعرفة طبيعة البلد، وكيف سأتكيف، وكيف ستسير أموري. ولكن سرعان ما أدركت أن مسقط أصبحت بيتي، والبقعة التي استحقت المكانة الخاصة في قلبي. وبما أن الفندق الذي أقمت فيه كان بالقرب من كورنيش مسقط فقد كان شاطيء القرم هو المكان الأول الذي زرته فور وصولي إلى مسقط.
صباحٌ أولٌ في مسقط
وتتذكر آنا ستيليا أن صباحها الأول في عمان كان مليئًا ببعض المشاعر المميزة، مضيفة: “كان لدي فضول وتوق عميق لرؤية المناطق المجاورة، لذلك قمت بالمشي من الفندق إلى الكورنيش. وفي الطريق ابتعت بعض الصحف حتى أتمكن من قراءة الأخبار والتعرف على المزيد عن الحياة اليومية. وقد بدا الأمر بالنسبة لي كصحفية وكاتبة طبيعيًا جدًا ونوعًا من العادة اليومية. إن هذا الشاطئ هو المكان الذي سوف أقوم بزيارته بشكل متكرر أثناء إقامتي في مسقط، لاسيما خلال الليل عندما أجلس بجانب البحر واستمتع بصوت الأمواج الرقيق والمريح أو أطعم القطط السائبة. إلا أن هذا مجرد جزء صغير من العاصمة العمانية يستحق الاهتمام. وسرعان ما أدركت أن عُمان بلد متعدد الثقافات يسعى بالفعل للحفاظ على التنوع الثقافي، وهي الفكرة التي أكرس لها اهتمامي بالكامل (كشخص أنشأ جمعية لتعزيز التنوع الثقافي ورئيس تحرير لمجلة “علياء مندي” لتعزيز التنوع الثقافي).
وتضيف الدكتورة آنا ستيليا: لقد تركت العاصمة العمانية أثرا عميقا في نفسي. فقد أحببتها من اليوم الأول، وسرعان ما شعرت بأنها مكان هادئ للعيش، نظرا لعدم وجود الازدحامات الكثيفة التي تتسم بها المدن الكبيرة. الناس ودودون ومهذبون، ودافئون للغاية ومضيافون.
مراقبة الأسر العمانية
وككاتبة مستقلة وصحفية ومترجمة أدبية ومحررة ومشرفة مدونات إلكترونية، كان لدى آنا ستيليا ما يكفي من الوقت لزيارة ومشاهدة جميع المواقع المهمة والمثيرة للاهتمام في مسقط. وفي هذا السياق تقول: “إنني أفكر أنني سأكتب عن تلك التجرية في يوم من الأيام. وأكثر ما أثار إعجابي هو المتاحف. لقد زرت تقريبا جميع المتاحف في مسقط ، الأماكن التي تعلمت فيها الكثير عن الثقافة والتقاليد العمانية. أحببت متحف بيت الزبير ومتحف غالية للفنون، والمتحف الوطني بكل تأكيد. تعلمت الكثير عن تاريخ عمان، والأزياء، والتقاليد، والحياة البدوية.
وقد وجدت آنا ستيليا أن هناك الكثير من الأماكن التي يمكن زيارتها في مسقط، بدءًا من المتاحف إلى منتزه القرم الطبيعي الرائع والمطاعم والمقاهي الجميلة ومهرجان مسقط ومراكز التسوق والكورنيش وسوق مطرح وغيرها الكثير. وتؤكد: “أن الحياة في مسقط، بما فيها من جمال، ألهمتني لإنجاز الكثير من الأشياء. ولكن أكثر الأشياء إثارة للاهتمام، على وجه التحديد، هو أنها ألهمتني كتابة مجموعة قصصية للأطفال. لقد اعتدت خلال ترددي الدائم على البحر، أو في الحدائق العامة ومراكز التسوق، على مراقبة الأسر العمانية. كنت أشاهد الأطفال وهم يضحكون ويلعبون ويستمتعون بطفولتهم الخالية من الهموم.
وتسرد آنا ستيليا قصة تأليف الكتاب قائلة: “ذات يوم بدت لي الفكرة وأتى الإلهام، فبدأت بتأليف كتاب مستوحى بشكل خاص من هؤلاء الأطفال. لقد كان اختبارًا بالنسبة لي، أردت أن أفهم إلى أي مدى كنت أعرف هؤلاء الأطفال وأسلوب حياتهم. وأستطيع القول أنني كتبت الكتاب في نفس واحد، وأسميته “عائشة في أرض الأحلام”. الكتاب يحتوي على سبع قصص، كقصص ما قبل النوم لكل يوم من أيام الأسبوع. بطلة الرواية الرئيسية هي فتاة صغيرة تدعى عائشة، التي كانت فضولية جدا (تماما مثلما كنت في يومي الأول في مسقط)، وقد أحبت قراءة الكتب وكانت مرتبطًة جدًا بأسرتها، والأهم من ذلك أنها تمتلك الجرأة على الحلم.
الجرأة على الحلم
لقد أرادت الدكتورة آنا ستيليا من خلال القصص أن تؤكد على أهمية الأسرة والطفولة السعيدة، وتضيف: “وأردت أيضًا أن أنقل رسالة مفادها أن الأطفال يجب أن يجرؤوا على الحلم ، والسماح لخيالهم بالتحليق، دون أي حدود وقيود. شخصيتي في كتابي “عائشة” ذهبت في رحلة رائعة برفقة صديقها، الصبي علاء الدين الذي أخذها إلى أرض الأحلام على بساط سحري. في هذه الرحلة، زارت أماكن في شبه الجزيرة العربية، والتقت بشخصيات مثل الجمل البارع الأليف، والخيمة البراقة، وشهرزاد الجميلة، التي ساعدتها في العثور على مصباح سحري من أجل مساعدة العالم.
وإضافة إلى تأثرها بالأجواء العمانية لجأت الدكتورة آنا ستيليا لقصص التراث العربي من أجل مزيد من الدهشة والمتعة، فتقول: مما لا شك فيه أنني استلهمت شيئا من قصص كتاب “ألف ليلة وليلة” التي طبعت طفولتي أيضًا. الثقافة العربية التي تعرفت عليها بمرور الوقت كشفت لي عن عمقها وأصالتها وجمالها، وتجسدت في هذا الكتاب. وكم كنت أحلم باليوم الذي أشارك فيه لحظاتي مع هؤلاء الأطفال الجميلين والمبتهجين خلال حفل توقيع الكتاب، ولكن لسوء الحظ انتهت فترة إقامتي في مسقط، بعد انتهائي من الكتاب مباشرة (بعد قرابة عامين من العيش هناك).
قطة وكتاب وذكريات
ورغم أن الكتاب قد كتب في مسقط، إلا أن الكاتبة قامت بنشره في مدينتها، الأمر الذي يمثل تجسيدا للصلة بين دولتين ومدينتين وثقافتين عمانية وصربية، مؤكدة: “سيكون هذا الكتاب من أكبر ذكرياتي في عمان. وبجانب الكتاب، هناك قطتي “ميلي” التي اشتريتها في عمان وأصبحت من أعز ذكرياتي. أدعوها قطتي العمانية إذ أنها ولدت هناك ونشأت قبل أن تصبح جزءًا من عائلتي. لقد قرأت مرة مقالاً في مجلة (Y) حول العدد المتزايد من المغتربين الذين يتركون حيواناتهم الأليفة عندما يقررون مغادرة البلاد. لم يكن هذا خيارًا لي. إنني سعيدة وفخورة جدًا أنني لم أفعل ذلك، لأنني أجده غير إنساني.
وتختتم الدكتورة آنا ستيليا حديثها قائلة: عمان، بشكل عام، بلد جميل يحترم التنوع الثقافي، وهو بلد طيب للغاية، يرحب دائمًا بالزوار والسياح. كانت عمان ملهمة للغاية بالنسبة لي بمناظرها الطبيعية الخلابة. لقد منحتني الكثير من الفرح والذكريات الجميلة التي أتذكرها دائما بشوق.