مقالات
بين جيلين
حمده بنت سعيد الشامسية
يعاني كثير من الأسواق حول العالم من أزمة توظيف، و إن اختلفت أشكال هذه الأزمة من منطقة إلى أخرى، ففي حين تعجز بعض الأقاليم عن خلق فرص وظيفية جديدة للعدد المتزايد من الشباب الباحثين عن عمل، تجد أقاليم أخرى عاجزة عن استقطاب الشباب الماهر والمؤهل لسيل الوظائف التي خلقها الاقتصاد فيها.
لا شك أن الوضع المثالي للشركات والمؤسسات هو في دفق مستمر من الكفاءات الشابة، وتدريبهم وتطويرهم من أجل قيادة المؤسسات مستقبلا، إلا أن المؤسسات – وفقًا لمقال نشر على موقع كورن فيري الشهر المنصرم – تواجه الكثير من التحديات في تطوير وتنمية القدرات القيادية للشاب الجدد، في حين ان الدول الأوروبية تعاني من صعوبة في استقطاب الشباب، نتيجة النقص الحاد في القوى البشرية الشابة في المقام الأول التي تملك التدريب والمهارات الفنية اللازمة، والخبرة العملية المطلوبة، إذ أنه ووفقا لتقارير منظمة التعاون والتنمية، فقد استطاع اقتصاد منطقة اليورو وحده خلق 10 ملايين وظيفة خلال الفترة من عام 2012 و 2018 ذهب 85% منها للفئة العمرية من 55 سنة إلى 74، لأن هذه المهارات والخبرات تتمركز في هذه الفئة، أضف إلى ذلك النقص في الكوادر الشابة على وجه العموم في أوروبا نتيجة انخفاض مستوى المواليد في السنوات الأخيرة، ناهيك عن أن الجيل الحالي يحتاج إلى إعادة تأهيل وتدريب بشكل أكبر من الأجيال السابقة، بسبب تدني مستوى التعليم من جهة، مما يؤدي إلى وجود فجوة كبيرة بين احتياجات سوق العمل ومخرجات التعليم، مما يكلف المؤسسات مبالغ طائلة تستنزفها برامج التدريب و التطوير.
لهذا أصبحت الشركات تلجأ لتعيين الفئات العمرية الكبيرة التي تمتلك خبرات فنية عالية، إضافة إلى مهارات عالية في التعامل مع المستفيدين من الخدمة، والاستقرار، كما أن زيادة الطلب على الفئات العمرية الكبيرة مرتبطة على حد تعبير المقال بالمهنية العالية، وعلى الرغم من أن هذا التوجه من شأنه حل المشكلة الآنية للمؤسسات، ويوفر قدرًا كبيرًا من الانفاق على التدريب، لكنه على المدى البعيد سيكون له تأثير سلبي على سوق العمل والأجيال الشابة، فبدون الوظائف لن يستطيع الشباب اكتساب المهارات المطلوبة للمنافسة في سوق العمل، خاصة وأن الفئة الشابة غير مستعدة لنقل المعرفة من الفئات الأكبر سنا، لاعتقادها بأن هذه الخبرات عقيمة وعفى عليها الزمن، مما يهدد بنقص كبير في المهارات عند تقاعد كبار السن من الموظفين، فقط من خلال فتح أسواق العمل للشباب، الذين سيتمكنون من اكتساب المهارات، قد يبدو الأمر مكلفا للوهلة الأولى، و على المدى القريب، إلا أنه حتما سيكون أكبر كلفة بكثير لو لم يتم استيعاب الشباب.