صدر عن دار لبان للنشر كتاب “صور العفيّة.. ذكريات من عبق الماضي” لمؤلفته مريم بنت علي بن راشد ود فيصل الغيلاني، التي انتقلت إلى رحمة الله قبل عدة سنوات، وتهدي الكتاب إلى أمها “التي لولا حديثها وإيحاءاتها ما استطعت أن أُخرجه إلى النور، وإلى أبي العزيز، الذي سكب لي منذ الصغر عصير تجاربه في كأسٍ من البلّور”، وإلى أفراد أسرتها، ومن ساعدها “بأي جهد أو نصيحة أو معلومة أو إستشارة”.
تتحدث المؤلفة مريم الغيلاني عن كتابها بأنه سطور “سطّرها الزمن، وأُقفِلت بكل ما تحمله من أحداث وتغيرات، لم يبق سوى أريجها الزاكى، تصاحبه إبتسامة خاطفة، أو دمعة عابرة، تُبلور مدى تعلقنا بزمن مضى بكل ما فيه وما حمله بين طياته من أحداث وتغيرات” حيث ترى أن “الحياة وقفات من التأمل، تطوف بنا بين أرجاء الزمان، والمكان؛ والعمر صفحات تطوى، مع كل شروق، وغروب؛ وبين هذه اللحظات وتلك، يمضي قطار العمر، وتغلق كل صفحة منه إلى الأبد؛ وعبرها تُسَجِل مواقف خالدة في الذاكرة، تترك بصماتها في الذات، بأفراحها وأتراحها، منذ عتبات الطفولة، إلى نهاية العمر”، تشير المؤلفة إلى أنه بحكم غربتها من الطفولة كانت تدقق “في تفاصيل حياة آبائي وأجدادي، كنت مشدودة، ومنبهرة، بحديث والدتي ووصفها الشيق الذي لا أمله عن مدينتي. كنت أناقشها وأسالها بإلحاح وأنا أرسم تفاصيل وصور لتلك المدينة المثيرة بالنسبة لي بكل ما تحملهُ الكلمة من معنى”، واصفة مدينة بأنها “تعانق البحر، تنام هادئة هانئة في أحضانه، تصافح السماء الصافية، وتخاطب نجومها المتلألئة بسكينة … هنا سكن أجدادي، هنا صدى ضحكاتهم وأناتهم، عند ذلك الشاطئ جلسوا، وبجانب تلك السفينة تسامروا، أُحاول أن أطلق لخيالي العنان في الدخول إلى ماضيهم، كان يدفعني الفضول، وحب الإستطلاع، وأتمنى لو شاركتهم ذلك الضجيج وتلك الهمسات والحياة الحانية التي عاشوها وصبروا على حلوها ومرها. تمنيت لو شاركتهم مراتع طفولتهم وصباهم، أخطو مع خُطاهم، أضحك لضحكهم وأبكي لبكائهم، أُقاسمهم لحظات السرور والفرح؛ والآه والحزن، أحلامهم البسيطة، وقناعاتهم العظيمة”.
تضيف المؤلفة: “حاولت جاهدة أن أسكب ما يختلج في نفسي على الورق، علّي أستطيع ترجمة هذه الأحاسيس التي تعصف بفكري إلى سُطور، أتمنى أن تخاطب أبناء جيلي، وأن تعطي فكرة بسيطة لأبنائنا الذين يعيشون زمنٌ آخرٌ جميل زاهي بكل ما يحمله، ولكن إسمحوا لي أن أُميز ذلك الزمن بميزة الطيبة والصفاء والمحبة والبساطة التي ندرت في هذا الوقت أو ربما نحن فقدنا الإحساس بها”، وتشير إلى الكتاب بقولها أنه “بمثابة ذكريات طفولية، وأفكار من تجربة شخصية بحتة، لم أتطرق فيه إلى شخصيات بعينها، ولم أُسهب كثيراً في التفاصيل، ولكن تحدثت عن إيقاع الحياة اليومي بشكل عام، معتمدة على ذاكرتي، وروايات بعض المخضرمين من الأقارب، محاولةً نقل صورة توضيحية مختصرة، وبسيطة، عن نمط للحياة كان يُعاش في مدينتي، لم يجربه الأبناء بسبب تغيرات العصر. ومما جعلني جادة في ذكره، تساؤلات أبنائي، وغيرهم من المعارف، إذا خاض أحدٌ منا في مضمونه، وفضولهم للمعرفة عن تلك الفترة، وأخص بحديثي: الحقبة الزمنية من منتصف الستينيات إلى أوآخر السبعينيات”، كما أشارت إلى أسلوبها في هذا الكتاب بأنها “حاولت التحدث باختصار جداً عن الحياة العامة، التى تلامس أكبر شريحة في المجتمع، وهذا لا يعني بكل تأكيد أن بإستطاعتي إعطاء صورة جليّة، بنسبة كبيرة، فهذا مجرد إجتهاد، ولا يمنع من وجود فروق فردية بين البشر في أساليب الحياة بشكل عام، متمنية أن تكون الصورة أقرب للواقع. راجية أن لا أكون قد أهملت جُزءاً من نظام الحياة اليومي، أو خانتني الذاكرة في بعض التفاصيل”.
ولدت مؤلفة الكتاب في صور في عام 1964، وبعد مولدها إرتحلت مع عائلتها لتقيم في مدينة الأحساء في المملكة العربية السعودية حيث نشأت وترعرعت فقد كان والدها يمتلك بقالة صغيرة يعمل فيها. وعندما أصبح عمرها 6 سنوات عادت مع عائلتها إلى صور بعد تولي جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه مقاليد الحكم في البلاد. وقضت قرابه العام في صور، ومع رحلة الحياة، والانتقال بين أكثر من بلاد، توظفت في وزارة التربية والتعليم، حتى تقاعدت عام 2012، بعدها بدأت بكتابة هذه الذكريات لتضع اللمسات الأخيرة عليها قُبيل أيام من رحيلها عن دنيانا إثر حادث سير أليم أودى بحياتها في عام 2015.
الجدير بالذكر أن وصف “العفيّه” صفة مصاحبه لولاية صور، حيث اشتهرت بها منذ القدم، وهي مشتقه من كلمة العافية، ووصفت بها لكثرة الرياح التي تهب عليها، و تنقّي جوّها من الشوائب و الميكروبات، مثل رياح: الكوس، والصوري، والأزيب.