مقالات
واقعٌ، يدقُ ناقوسَ الخطرِ
بقلم: د. رضية بنت سليمان الحبسية
Radhiyaalhabsi@gmail.com
يشير مصطلح وسائط أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام الاجتماعي (Social Media) إلى استخدام تكنولوجيا الإنترنت والتقنيات المتنقلة لتحويل الاتصالات إلى حوار تفاعلي. (ويكبيديا) مما كان له الأثر في تغيير الطريقة التي يتواصل بها الناس مع بعضهم البعض، لتصبح شبكات التواصل الاجتماعي الركيزة الأساسية في العلاقات الاجتماعية التي لا يمكن الاستغناء عنها.
لا ريب أنّ العديدَ من الكتّاب سلّطوا الضوء على وسائل التواصل الاجتماعي من زوايا متباينة، وانقسم المربون بين مؤيد ومعارض؛ لما لها من الآثار الإيجابية أو السلبية على التنشئة الأخلاقية، بل على تماسك النسيج الاجتماعي في المجتمع الواحد. فما بين هؤلاء وهؤلاء فالقضية شائكة، ففي ظل التّطور التكنولوجي والتقني وتغيّر نمط الحياة الأسرية، المجتمعية، والكوكبية أيضا، فإنه ليس من المعقول استقصاء الاستفادة من معطياتها لتحقيق الخير والفائدة للبشرية بما يتواكب والعصر الرقمي الذي يغزو العالم أجمع.
بات المربون في قلقٍ دائمٍ من مساوئ وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي؛ نتيجة الارتباط الوثيق بينها وبين مستخدميها. كما أنّ ذات القلق ينسحب على المراقبين أيضا باختلاف مسؤولياتهم؛ للخطر الوشيك على زعزعة أمن واستقرار العائلات، وخلخلة القيم والعادات والتقاليد التي تنظّم العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد، والتي تُعدّ بمثابة القانون في كثير من الأحيان لتأصلها فكرًا وسلوكًا عبر الأزمنة.
تزايدت عملية نقل وتناقل الملفات الإلكترونية من صور ومقاطع مرئية ومسموعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي كثيرًا ما كانت تمثل إساءة لأصحابها بشكل أو بآخر: سخريةً واستهزاءً، نيلًا وتشهيًرا؛ لأغراضٍ ذاتيةٍ أو مصلحة شخصية لمنشئها. ولا يخلو الأمر من غرابة حينما يتم تناقل تلك الملفات مُرفقةً بتعليق مغاير لأصل الحادثة أو المناسبة الذي حدثت فيه، ألا يمثل ذلك جهلًا متأصلًا، إساءةً بغيضةً، أو مؤامرةً خبيثةً؟! والأمر أكثر وقاحةً وسوءًا أنْ يتم إعادة النشر وتجديد التعليقات بعد سنوات مضت على الموقف، وبما يتناسب والوضع الراهن أو الظرف الحاضر، دون أية قيمة معلوماتية أو خبرية تُذكر. والواقع أقوى إثمًا وافتراءً حينما يكون أصحاب تلك الملفات رميم تحت التراب، أفلا يكون ذلك أمرًا مشينًا؟! فبكل أسًى وتأسفًا، نقول: حتمًا واقع يدق ناقوس الخطر؛ لإثارة البغضاء والكراهية بين البشر.
تقع المسؤولية على كافة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي؛ لمجابهة تلك المخاطر وانعكاساتها على المجتمع، سياسيّا، اقتصاديّا، تربويّا، واجتماعيّا. فإنْ كانت المناشدة بتحسين سُبل التربية الوالدية للأجيال الحالية والقادمة كبيرة، فإنّ الحاجة لمراجعة الوالدين أنفسهم في استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي أعظم؛ كونهم القدوة الأولى لتلك الأجيال. فعلى كل منا تقييم ذاته وسلوكه؛ مساهمةً جادةً وحقيقية في تصحيح مسار استخدامات تلك الوسائل، وتفعيلها بما يرضي الله تعالى ظاهرًا وباطنًا؛ درءًا للفتن ووقاية من الانحدار في مزالق لا تُحمد عُقباها. قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (سورة الشعراء، الآيتان 88- 89).
الخاتمة: إنّ الواقع لاستخدامات وسائل التواصل الاجتماعي بين نعمة الفوائد الإيجابية ونقمة الجوانب السلبية على الفرد، الأسرة، والمجتمع بأسره، والتي أكدّت عليها العديد من الدراسات والبحوث على المستوى المحلي، الإقليمي، والعالمي. لذا ينبغي التحرّر من كافة أشكال التبعية العمياء التي تفكك وتضعف بنيان المجتمعات، أو الانجرار إلى ما فيه من هلاك وفساد للأفراد، وذلك بفحص وتقييم المواقف والمستجدات؛ للحدّ من سوء السلوك وتحقيق المنفعة للأمم والشعوب. ولنتأمل قول الله عزّ وجل في (سورة الحج، الآية: 46): ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ولكن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾.