الثقافي
الزيارة التاريخية للسلطان سعيد بن تيمور إلى مصر وفلسطين عام 1944م
سعى السلطان سعيد بن تيمور(1932 -1970م) بعد توليه مقاليد الحكم في عُمان مطلع عام 1932م إلى تدعيم علاقاته العربية والدولية، فخلال الفترة من 9 نوفمبر 1937م إلى 13 يوليو 1938م قام السلطان بجولة عالمية شملت كلا من الهند واليابان، ثم توجَّه منها إلى الولايات المتحدة الأمريكية كأول حاكم عربي يزور واشنطن، وذهب بعد ذلك إلى المملكة المتحدة، ومنها إلى فرنسا.
عـماد بن جـاسم البحـراني
باحث وكاتب في التاريخ
وفي عام 1944م قرر السلطان سعيد بن تيمور زيارة مصر للمرة الأولى، حيث خاطب السلطان حكومة الهند البريطانية في 18 يناير 1944م، وأبلغها برغبته في القيام بزيارة خاصة لمصر؛ لإجراء فحوصات طبية، والنظر في امكانية دراسة ابنه السيد قابوس في مصر، كما طلب منها التنسيق لكي يلتقي الملك فاروق والسفير البريطاني خلال زيارته القاهرة.
كما زار السلطان القدس الشريف، وهي الزيارة الوحيدة له لفلسطين قبل احتلالها من قبل الصهاينة، وقيام الكيان الاسرائيلي في عام 1948م.
وقد احتـفت الصحف المصرية والفلسطينية الصادرة آنذاك بهذه الزيارة النادرة لسلطان مسقط وعُمان، ونورد في هذا المقال مقتطفات مما عرضته بعض من هذه الصحف.
صحيفة فلسطين في عددها الصادر بتاريخ 14 أبريل 1944م نشرت خبر وصول السلطان إلى مصر ولقائه بمصطفى النحاس باشا في 13 أبريل 1944م، وحمل الخبر عنوان» زيارة عظمة سلطان مسقط لمصر وفلسطين»، ذكرت فيه: «استقبل رفعة النحاس باشا اليوم عظمة سلطان مسقط وبحث معه مشروع الوحدة العربية، وقد صرح السلطان على إثر الزيارة أنه سعيد بزيارة مصر والتّعرف إلى رئيس الوزارة وأعرب عن رجائه بتقوية العلاقات بين سلطنته ومصر وبنجاح الوحدة العربية». واختتمت الصحيفة الخبر بالإشارة إلى أن السلطان سيسافر إلى فلسطين بعد انتهاء زيارته لمصر.
وأجرت مجلة «المصور» المصرية حوارًا مقتضًبا مع السلطان سعيد بن تيمور، نشر في عددها رقم (1019) بتاريخ 21 أبريل 1944م.
في بداية الحوار أوردت «المصور» نبذة موجزة عن السلطان والسلطنة، ذكرت الآتي: «السلطان سعيد بن تيمور، حوالي 40 عامًا، بقامة ووزن متوسطين، وبشرة قمحية، يتحدث العربية جيدًا بلهجة اليمن وساحل العرب. والبلد الذي يحكمه يقع في جنوب شرق ساحل الجزيرة العربية، على المحيط الهندي والخليج، ويسمى عُمان، وعاصمته مسقط، عدد السكان نحو مليون، وتلحق بها جوادر الواقعة على الساحل المقابل وإلى الجنوب الغربي من إيران. وهذه السلطنة مستقلة ولكنها مرتبطة ببريطانيا بمعاهدة تحالف وصداقة».
وعن سبب زيارته لمصر قال السلطان للمصور: « أزور مصر للمرة الأولى، لقد سبق لي أن مررت على مصر مرة واحدة في طريق العودة إلى بلدي من أوروبا، ولكن لم يكن لدي الوقت للمكوث بها. وبما أني قررت القيام بجولة في الدول العربية جئت إلى مصر أولاً حيث سأبقى لمدة أسبوع ثم سأغادر إلى سوريا ولبنان وقد أذهب إلى العراق. وبعد ذلك سأعود إلى مصر».
وعن لقائه برئيس الحكومة المصرية مصطفى النحاس باشا قال السلطان: «لقد سُررتُ باستقباله لي، إنه رجل يستحق تقدير بلده وتقدير العرب لجهوده». كما عبر السلطان عن موقفه من فكرة إنشاء جامعة الدول العربية قائلًا: « فيما يتعلق برأيي في الاتحاد العربي، فهي فكرة عظيمة نرحب بها. ونأمل أن تتحقق قريبًا بين الحكومات العربية وبين الدول الشقيقة التي تجمعها منذ زمن سحيق علاقات اللغة والتاريخ والدين والتقاليد التي لا يمكن قطعها. وأيا كان هذا الاتحاد، فلا شك أنه سيكون عاملًا قويًا في تعزيز التعاون العربي».
كما تناولت صحيفة منبر الشرق المصرية في عددها الصادر بتاريخ 9 يونيو 1944م زيارة السلطان سعيد بن تيمور للقاهرة، حيث قالت عنه: «ينتمي حضرة صاحب العظمة السلطان سعيد بن تيمور الذي يزور مصر الآن.. إلى أسرة آلبوسعيد الأزدية، نسبة إلى أزد اليمن. وقد ولد عظمته في مسقط عاصمة ملكه وملك آبائه وأجداده سنة 1328هجرية (سنة1910 ميلادية). ولما بلغ الحادية عشرة رأى عظمة والده السلطان تيمور بن فيصل إرساله إلى الهند ليتلقى علومه في معاهدها ووقع الاختيار على كلية أجمير.. وهي الكلية الخاصة بالأمراء وأولياء العهود، فالتحق بها سنة 1922، ثم سافر منها إلى بغداد ليواصل الثقافة في معاهدها، وحرصًا منه على اتقان اللغة العربية. وعاد إلى مسقط سنة 1928م. وفي سنة 1929م أسند إليه عظمة والده رئاسة ليتدرب على أساليب الحكم والادارة. وقد أظهر في تلك الفترة بالرغم من حداثة سنه مقدرة فائقة.
وأضافت الصحيفة:» وفي سنة 1932 تنازل عظمة والده عن العرش فوقعت أعباء الحكم على كاهله وهو في هذه السن المبكرة، ولكنه أظهر كفاءة نادرة في الادارة والحكم. وكان أول ما اتجه همه إليه نشر الأمن والسلام في بلاده الواسعة الشاسعة، فشمَّر عن ساعد الجد وواصل العمل حتى قضى على مصادر الفتن وأزال دواعي الشغب، فاستقرت الأحوال وانتشر الأمن وساد السلام».
وبعد انتهاء زيارته لمصر توجه السلطان سعيد بن تيمور إلى فلسطين، وكان السلطان قد عبر عن رأيه فيما تشهده فلسطين من ثورة منذ عام 1936م- في تصريح له لصحيفة الشباب المصرية بتاريخ 15 فبراير 1939م- قائلًا: «إننا لم ندخر جهدًا في هذا السبيل، وأننا مهما بعدت الشقة بيننا فنحن أخوان تجمعنا روابط وثيقة. وأننا قد بحثنا في المسألة الفلسطينية مع الحكومة البريطانية في ظروف مختلفة وقد وعدتنا خيرًا وبتأكيد جعلنا نطمئن عن الحال ولم نشأ أن نعلن عن ذلك بقصد الدعاية عن عمل واجب. وأننا لا نزال نعلن تأييدنا وموافقتنا لكل ما يتفق عليه إخواننا ملوك وأمراء العرب في هذه القضية».
وقد أبرزت صحيفة فلسطين في عددها الصادر في 19 أبريل 1944م زيارة السلطان لفلسطين في صفحتها الأولى تحت عنوان «وصول عظمة سلطان مسقط إلى القدس» جاء فيه: «قدم من مصر عظمة سلطان مسقط السيد سعيد بن تيمور في زيارة خصوصية وحل في فندق الملك داود، وقد حظي بزيارته كثيرون من قناصل الدول الشرقية وكبار الموظفين والأعيان، وقام اليوم بزيارة بيت لحم وبعض الأماكن الأخرى فنرحب بعظمته أجل ترحيب».
وفي اطار نفس الزيارة كتب أنور الخطيب التميمي وهو أستاذ فلسطيني عمل في السلطنة حوالي ٤ سنوات مقالاً بعنوان: «ماذا يجب أن نعرف عن سلطنة مسقط و عمان» نشر في صحيفة الدفاع الفلسطينية بتاريخ 3 مايو 1944م، ذكر في مقدمته «وجه إلي عدد من الإخوان والأصدقاء أسئلة عديدة عن سلطنة مسقط وعمان التي قضيت فيها أربع سنوات، وقد دلت أسئلتهم على عدم معرفة بذلك القطر العربي ذي التاريخ الحافل والماضي المجيد. وشعرت بشوق الكثيرين وتلهفهم للاطلاع على معلومات تاريخية وجغرافية واقتصادية وسياسية، لذا رأيت أن أنشر هذا المقال على صفحات جريدة (الدفاع) الغراء خدمة للحقيقة ولاطلاع الأمة العربية في هذا الوطن العزيز».
وقد وصف التميمي عُمان بأنها مستقلة استقلالًا تامًا في شؤونها الداخلية والخارجية، وأنها البلد العربي الوحيد الذي لم يخضع للسلطة العثمانية التي خضعت لها الدول العربية لمدة تقارب أربعة عقود.. وذكر أن الأمة العُمانية أمة بحرية من الطراز الأول.. وهي الأمة العربية الوحيدة التي لها مستعمرات خارج بلادها مثل جوادر.
كما وصف السلطان سعيد بن تيمور بقوله: «يعد السلطان سعيد بن تيمور من أشد الملوك حرصاً على نهضة بلاده ورقيها.. ومن أرقى ملوك العرب ثقافة وعلماً إذ أتم علومه في كلية أجمير بالهند وهي الكلية الخاصة بالأمراء وتوسع في الثقافة العربية في مدارس بغداد العالية».
وبعد عودته إلى عُمان، أشار السلطان إلى زيارته لكل من مصر وفلسطين في احدى رسائله إلى الشيخ صالح بن عيسى الحارثي، حيث قال: «وقد عدنا من ظفار- من رحلتنا إلى القاهرة بعد أن قضينا معظمها في القدس- ونحن متمتعون بالصحة والعافية والحمد لله حق حمده».