مقالات
سدرة البيت
منى المعولي
على الجذوع نقشت حرف اسمي بخجل..
تسلقتها ربما أكثر مما جلست تحتها.
صنعت من ظلها كوخًا مؤثّثا بالكراتين والصفيح.
كلما تأففت أمي من خريف السدرة المتساقط بالورق شحذ والدي منشاره ليقلمها، فتضحك الشمس من عاليها، وينكشف ستر المكان فأشعر بكآبة الفراغ.
حتى تعود سدرتي بربيعها المتجدد وتستعيد ضلعها المبتور فأعود معها لأمتلأ بالفرح.
كلما نسنست عليها ريح الشمال أو عصفتها رياح الجنوب أو تساقط على أغصانها البرد أو ابتل منها الورق بالمطر حتـى في أشعث حالاتها تنسدل خصلاتها راكعة للأرض، كحسناء تغطي عيناها جذيلتها، شامخة، سامقة صامتة هي تلك الشجرة.
لا علم لي متى نبتت وإلى أي عمر يمتد عرض لحائها ولست أدري نهاية جذورها تحت الأرض إلى أي عمق تضرب وتتشابك.
لكني أذكر تماما لحظة إعدامها.
اللحظة التي استقر القرار على اقتلاعها.
اللحظة التي فرضت فيها خارطة الملحق الخارجي إقصاءها.
اللحظة التي استبدلت وجودها بخرسانات الإسمنت.
يومها…
سمعتها مع صفير الهواء تئن وتتمزق..
سمعتها تُعبر عن سخطها بالصرير،
سمعتها تتحدث.
سمعتها حتى لو لم يكن لها لسان وشفتان.
سمعتها بكامل جوارحي..
سمعتها وهي حتى لم تنطق،
سمعتها من فوق طقطقة الحفار
ومن تحت أنقاض الورق
سمعتها حتى بعد اللاظل منها
وحتى بعد أن تهافتت أركانها
وبعد أن تهاوت قامتها
وبعد أن تواطأت عليها أسنان الحضارة
بقي حبل أرجوحتي القديم منعقدًا فيها، هكذا هي تزيد عذاباتنا كلما ترجلت راحلة عنا أقرب الأشياء..
هنا لعبت
خلفها اختبأت
تحتها بكيت
ومن هنا رحلت
رحلت تماما كما رحل معها اليوم مع الشارع الساحلي أثر البيت.