الفني
جمال الحداء.. فرشاة يمنية تنزف ألمًا في إثيوبيا
عندما كان والده يتاجر بين إثيوبيا واليمن، ولد الفنان اليمني جمال الحداء، في الأراضي الإثيوبية عام 1964، وفيها تلقى قسمًا من تعليمه الأولي، قبل أن يغادر إلى بلده. في الوطن الأم أكمل دراسته الأولية بين مدينة تعز والعاصمة صنعاء، وحين ظهرت موهبته في الرسم أرسلته أسرته إلى مصر، ليصقل موهبته في معهد الفنون التشكيلية. لم يكتف الحداء بما جمعه، بل سافر إلى السعودية، حيث واصل دراسته للفن التشكيلي على أيدي عدد من الفنانين التشكيليين الكبار. بعد رحلة استغرقت عشرات السنين، عاد الحداء إلى إثيوبيا بصفة لاجىء، بعد أن ارتفع صوت البندقية في اليمن، واستحال الفن وسط دموية حرب تتجه إلى إكمال عامها الرابع.
آلام الوطن
متحسرًا على حال بلده، يقول الحداء، في مقابلة له بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إن صنعاء شهدت قبل الحرب «نهضة فنية كبيرة لم أتوقع أن يصل الحال في اليمن إلى هذه الوضعية السيئة والمزرية.. هذا الوضع السيىء هو الذي دفعني للخروج إلى إثيوبيا». ويلخص العلاقة بين الحرب والحرية بقوله: «عندما تلوح البندقية في الأفق يتعطل كل شيء، وعندما تنطق البندقية تنتكس الفرشاة والقلم». غادر الحداء بلده، لكن اليمن لم يغادر قلبه: «عندما تضايقني أعباء آلام بلدي، أبدأ في العمل الفني بفرشاتي وقماشي وأعبّر عن مشاعري». رغم مولده في إثيوبيا، إلا أن الحداء لم يتأقلم فيها سريعًا، إذ يقول: «في بداية عملي بإثيوبيا واجهت صعابا عديدة، منها تباين بعض الثقافات، وإن كان بينها مشتركات عديدة». لكن هذا الوضع لم يستمر، «بعد فترة وجيزة وجدت فرصًا عديدة، خاصة الطبيعة وجمالياتها، ما منحني مساحات كبيرة أتنقل فيها بفرشاتي، وأتنفس من خلالها في ظل آلام شعبي اليمني»، يضيف الفنان المغترب.
ورش ومعارض
خلال رحلته الفنية، لم يقتصر الحداء على الدراسة، إذا شارك في ورش ومعارض، كي يصقل موهبةً ظهرت مطلع 1975. ويقول إن هذه المعارض والورش «أضافت لي الكثير، لاسيما ورش ومعارض شهدتها صنعاء بين عامي 2004 و2008، كانت زاخرة بمشاركات فنانين عالميين من إيطاليا وبريطانيا والدول العربية، وهذا زاد من تجربتنا الفنية الكثير». وشارك في المعرض التشكيلي في «بيت الثقافة»، ضمن فعاليات صنعاء عاصمة للثقافة العربية، عام 2004.
“القدس في أعيننا”
الفنان اليمني يتذكر بداية تجربته الفنية: «بدأت الرسم بأعمال تجريدية ومختصرة في سرد قصص ورسم خطوط عامة لتلك القصص». ويتابع: «إنها عملية فنية يتم من خلالها تجريد الشيء، وهو آخر شيء توصلت إليه من رسومات الطبيعة». ويزيد: «اخترت هذا اللون من فن الرسم، فهو الأنسب في اعتقادي لتوصيل رسالتك إلى الجمهور الذي تستهدفه، ويتيح لك قراءة الأشياء بصورة كبيرة، ولكل فنان طريقته». وللفنان اليمني مشاريع مستقبلية، منها التخطيط لإقامة معرض كامل يستعرض من خلاله معاناة الشعب اليمني؛ جراء الحرب المتواصلة بين القوات الحكومية وقوات جماعة «أنصار الله» (الحوثيين). ويتحدث الحداء بفخر عن بداياته: «أول تجربة ميدانية لي كانت بمشاركتي في عمل جماعي استهدفنا من خلاله مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة – المكفوفين – وبعدها واصلت أعمالًا مشابهة لذلك العمل الإنساني». ويعتبر أن لوحته بعنوان «القدس في أعيننا»، من أفضل اللوحات وأقربها إلى قلبه.
ويتذكر أنه نال بهذه اللوحة الجائزة الأولى بين أكثر من 500 فنان تشكيلي، ضمن أولمبياد آسيا في العاصمة القطرية الدوحة، عام 2006، فضلا عن جوائز عديدة أخرى.
الفن العالمي
الحداء دائم الاطلاع على الفنون والتعمق في الأعمال الفنية، ليستوحي منها ما يضاف إلى تجربته الفنية، كما يقول. ويلفت إلى أنه تأثر كثيرًا بأعمال الفنان الإيطالي، ليوناردو دافنشي (1452- 1519)، وهو من أشهر فناني عصر النهضة الإيطاليين. وتأثر أيضًا بالفنان الإثيوبي، أفورقي تكلي (1932- 2012)، وهو من رواد الفن التشكيلي في إثيوبيا، إضافة إلى فنانين تشكيليين من كل من العراق وسوريا. ويلفت الحداء إلى «التشابة والتقارب بين الثقافتين اليمنية والإثيوبية». ويوضح: «لم أجد صعوبة في معرفة النقوش الأثرية في إثيوبيا وفك طلاسمها، فهي مشابهة للنقوش الموجودة في اليمن وآثاره التاريخية». يعود الحداء إلى الوضع في اليمن بقوله: «ما زالت الرؤية ضبابية.. أتمنى أن تنتهي الحرب في أقرب وقت ممكن. ويناشد الأطراف المتحاربة «الاحتكام إلى العقل والحوار»، مختتمًا بأن «البندقية لم تحسم قضية بين الأخوة، فالحرب يدفع ثمنها الأطفال والنساء والشعب الأعزل».
المصدر: الأناضول