التكوين: أبوظبي
هو أديب بارز يمارس الكتابة في أكثر من مجال، فيكتب في النقد والدراسات والشعر بشقيه الفصيح والشعبي، إلى جانب كتابته السردية في مجال الرواية والقصة القصيرة والمسرح. وهو أحد أعضاء لجنة تحكيم مسابقة شاعر المليون للشعر النبطي منذ موسمها الأول إلى السابع.
إنه الكاتب الإماراتي سلطان العميمي الذي صدر له العديد من الكتب في مجالات مختلفة أبرزها روايتان هما (ص.ب:1003) و(غرفة واحدة لا تكفي)، وأربع مجموعات قصصية هي (الصفحة 79 من مذكراتي) و(تفاحة الدخول إلى الجنة) و(غربان أنيقة) و(إشارة لا تلفت الانتباه). كما صدرت له العديد من الدراسات تركز أغلبها حول الشعارء الشعبيين من دولة الإمارات العربية المتحدة.
“التكوين” التقت سلطان العميمي وكان لها معه هذا الحور الذي طاف عبره حول الكثير من القضايا الثقافية والإبداعية، وتحدث عن همومه وهواجسه ككاتب وإنسان.
من هو سلطان العميمي بالنسبة لك؟
لا أجيد الحديث عن نفسي. ولا أستطيع التعريف بها من خلال أي وصف. أؤمن بأن الإنسان طوال عمره يمضي في رحلة لا تتوقف. على صعيد الفكر والتجربة والعطاء. ولذلك فإن أي رؤية أو تعريف لنفسي سيبقى ناقصا وقابلاً للتغيير بالنقص أو الإضافة مستقبلاً.
كيف كانت البداية، وما الذي حرضها على الخروج؟
بداية ماذا؟ الكتابة؟ التساؤل والفضول والبحث عما خلف الكلمة والمعنى والصورة، كلها أسباب دعتني إلى شد رحالي والإقامة بين أرفف الكتب والمخطوطات وذاكرة الرواة، عشرون عاماً مرت على تلك البداية، وما أزال أرى نفسي في بداية مستمرة لمراحل قادمة ومتجددة من العمل الكتابي والبحثي.
هل ترى أنك حققت أمنية ماركيز في أن تكون الراوي العربي الذي يجلس بين الأسواق يروي القصص، وطبعًا لكل زمان مكان، ويأتي سؤالي هذا إن كنت تفكر بنفس الأمنية في أن تكون الراوي الذي يشد انتباه القارئ ؟
لا أعرف إن كان لماركيز أمنية كهذه. وإن كانت له فعلا فأظن أنها أمنية صغيرة تشكل جزءاً من أمنية أكبر كانت لديه ونجح في تحقيقها بجدارة، ولا شك في أن أي كاتب يسعى بشكل ما إلى الأسلوب الذي يمكن من خلاله أن يشد القارئ منذ الأسطر الأولى لكتاباته. سواء الروائية أو القصصية أو المقال أو غيره. وهي مسألة ترتبط بالموهبة في جزء منها وبتراكم الخبرة الكتابية في جزء آخر منها. وبالنسبة لي فللقارئ الحكم على أسلوبي الكتابي إن كان فيه ما يشد الانتباه.
هل تُصاب بقلق الكتابة؟
أنا مصاب بقلق القراءة في المقام الأول. آلاف الكتب في مكتبتي تنتظر دورها كي أقرأها. وما تبقى من العمر قصير مقارنة بما مضى. ولا أعرف متى سأقرأها جميعها. أمنيتي أن أقرأها كي يستمر محرك الكتابة لدي في عمله. إذ لا بد من تزويده بالوقود. والقراءة هي أهم وقود ومحفز للكتابة. وأهم وقاية من الوقوع في تشابه مع أفكار الآخرين.
هل بإمكان الكتابة الروائية أن تكون هي مصدر دخل أدبي ومالي للكاتب في الخليج؟
ليس ذلك بمستحيل. لكن المسألة تحتاج إلى جهد كبير يجب أن يبذله الكاتب ودار النشر. ولا بد من التعاطي مع مسألة الكتابة بصورة أكثر احترافية. إذ ما نزال نعاني من العشوائية في النشر على صعيد الإصدارات الفردية. ومؤخرا بدأت تبرز في الساحة العربية على السطح ظاهرة تحرير الأعمال. وهي ظاهرة جيدة إن كانت ستؤدي في الأخير إلى ظهور أعمال أكثر نضجا وتماسكا. إن إحدى مشاكل الكاتب العربي تكمن في ظنه أن الأعمال الروائية في الغرب تمر بنفس المراحل التي تمر بها الرواية العربية قبل صدورها. هو لا يعلم أن العمل الروائي يمر عندهم بمراحل من التحرير قبل ظهوره لنا في صورته النهائية.
ما الذي يثير مخاوف سلطان العميمي الكاتب، الشاعر، القاص، الباحث، كاتب السيرة والقارئ الإنسان؟
يثير مخاوفي الوقت. وتحديدا الخوف من ضياعه دون أن أستفيد منه بالقراءة أو الكتابة. لذلك فالكتاب لا يفارقني. سواء في شكله الورقي أو الالكتروني. ومدوناتي الكتابية أحملها معي في جوالي دائما. وهي تحوي دوماً ملفات كتابية لنصوص بعضها مكتمل وبعضها لا.
يقلقني أيضا الشكل النهائي لنصوصي. ولكي أصل إلى ذلك أعيد قراءتها -بعد انتهائي منها- مرات عديدة. وفي كل مرة أجد نفسي أغير شيئاً فيها.
من هو عراب الرواية العربية في رأيك، أم أنك ترى أنه من القسوة أن يكون للرواية عراب؟
صراحة. لا أشغل نفسي بمثل هذا القضية. وكي أعطي إحابة عن هذا السؤال يلزمني قراءة جل النتاج العربي من الرواية. وإن تمكنت من ذلك فستكون إجابتي مجرد رأي مبني في جزء منه على ذائقة شخصية. وعلى الرغم من ذلك يمكنني أن أتحدث عن روائيين عرب يشكلون بالنسبة إلي تجارب مميزة في عالم كتابة الرواية. مثل نجيب محفوظ وغسان كنفاني وعبدالرحمن منيف وأمين معلوف على الرغم من كتابته باللغة الفرنسية.
عودة للخلف، لأيام الدراسة وفترات الشباب الأولى، من مِن الكُتاب خطف أنظار سلطان وقرأ له بشغف؟
لا يوجد كاتب معين في تلك المرحلة. فبالإضافة إلى من ذكرتهم، قرأت لكتاب عرب وغير عرب. منهم ماركيز وكاوباتا وكونديرا وساراماجو وميشيما وغازي القصيبي. ويبقى أكثر اثنين أشعر بقرب كتاباتهما إلي منذ سنين بعيدة هما ساراماجو وكاوباتا.
يُسيطر على الساحة حاليًا ظهور غير طبيعي للإصدارات الخليجية هل ترى أن الأمر صحي؟
هذه الطفرة الكتابية طبيعية. هناك طفرات مشابهة في أغلب دول العالم. بل إن دولة مثل روسيا شهدت منذ سنين طويلة طفرة كهذه. زيادة الإنتاج عموما ليس ضاراً ما دام هناك قراء. ومثلما يوجد كاتب مبتدئ يوجد قارئ مبتدئ يمكن أن يحكم على أي عمل كتابي يقع بين يديه بأنه عمل عظيم ومدهش.
من المهم هنا قبل أن نصدر حكماً في هذا الخصوص أن نتذكر كيف أن أغلبنا مر في بداية حياته القرائية بمثل هذه المرحلة. وأننا مع مرور الوقت غدونا أكثر نضجا وانتقائية في قراءاتنا وتوقفنا عن القراءة لبعض الكتاب ممن كنا نراهم كتابا كبار. وصرنا نقرأ لكتّاب لم نظن يوماً أننا سنبحث عن رواياتهم لنقرأها.
خلاصة الأمر أن الأعمال الجيدة ستكون قابلة لحياة أطول عن غيرها. على الرغم من أن الحكم على جودة عمل ما يبقى نسبياً ورهين الذائقة الشخصية والتراكم المعرفي لدى القارئ.
ما هي الهموم الأدبية و الإنسانية التي تراود سلطان العميمي؟
كثيرة. منها إنقاذ مفردات اللهجات المحلية القديمة في دولة الإمارات من التآكل أو النسيان أو الموت. وكذلك الأمر مع إنقاذ مكونات الثقافة المحلية في الإمارات من أدب ومحتوى شفاهي لم يدون بعد. مثل الشعر النبطي والحكايات الشعبية والمعتقدات.
من الهموم التي أحملها أيضاً إنجاز بعض الأعمال الروائية والدراسات اللغوية في العربية القديمة.
ما الذي يمثل سلطان العميمي أكثر: الرواية، القصص القصيرة ،الشعر أم المسرح؟
علاقتي بالكتابة المسرحية حديثة. أما باقي الأجناس فجميعها تحمل أفكاري ضمن شكل أدبي وجدته الأنسب للتعبير عنها. هناك أجناس وأشكال أدبية أخرى غير التي وردت في سؤالك. منها أبحاثي ودراساتي في اللغة واللهجات والنقد والسيميائيات والثقافات الشعبية. وجميعها أجد نفسي فيها أيضاً وترتبط مع بعضها ارتباطاً وثيقاً لتشكل أفقاً من آفاق السؤال والبحث والتفكير والتحليل في ذاتي.
منذ فترة قرأنا عن تحويل رواية “ص. ب 1003” إلى مسلسل، هل يرى سلطان العميمي أن تحويل الرواية لمسلسل أو ترجمتها للغات عدة تساعد على خدمة العمل وإبرازه في الوسط الثقافي العربي والعالمي؟
السينما والتلفزيون والترجمة جميعها وسائط تخدم الأعمال المرتبطة بها، وتحلق بالرواية إلى آفاق أوسع، شرط أن يتم تنفيذها بصورة جيدة وواعية.
من الملاحظ في قراءة روايات العميمي أنسنة الأشياء مثل ما كان في ص. ب 1003، هل تم ذلك حتى تناسب الرواية جميع الأعمار؟
لا. الأنسنة أسلوب أدبي قديم. بدءا من أقدم رواية بشرية أمكن التوصل إليها “الحمار الذهبي” مرورا بأشعار العرب في الجاهلية و”ألف ليلة وليلة” و”كليلة ودمنة” وغيرهم. وهو في الرواية أسلوب تفرضه في الغالب فكرتها بالتقنيات التي قد يلجأ إليها الكاتب لإيصال ما يريد قوله.
التحولات التي كانت في رواية “غرفة واحدة لا تكفي” جميعها استخدمت فيها أنسنة الأشياء مع تغييب ملامح بطل الرواية، ما هي الرؤية الفنية والقيمية التي تسعى لها عبر ذلك؟
الأنسنة تقنية جميلة للتعبير عن عوالم بعيدة عن ذواتنا البشرية. أما تغييب ملامح البطل أو الشخصيات فهذا جزء من أسلوبي الكتابي في الرواية والقصة. والغرض منه أحيانا إشراك القارئ في صنع ملامحها وتخيلها. وأحيانا يكون غرضي مرتبطا بمفاجأة النهاية.
هل نستطيع أن نقول أن “غرفة واحدة لا تكفي” هي يوميات ومخاوف سلطان العميمي التي بدأها في مجموعته القصصية “غربان أنيقة”؟
ليس بهذه الصورة. القلق الذي عاشه قرواش في “غرفة واحدة لا تكفي” عاشته بعض شخصيات نصوصي القصصية منذ مجموعتي الأولي “الصفحة 79 من مذكراتي”. مرورا بتفاحة الدخول إلى الجنة. ولو قرأتِ مجموعتي القصصية الرابعة “إشارة لا تلفت الانتباه” فستجدين أن هذا القلق ما يزال موجوداً عند شخصياتها.
رسالة يوجهها سلطان العميمي؟
لقد احترق مبنى البريد الذي بسببه كتبت روايتي “ص. ب 1003” ولم يعد بيدي أية رسالة يمكن أن أبعثها إلى أحد. أنا الذي أصبحت في انتظار رسائل الزمن منذ حينها.