مقالات

حُسْنُ الظّنِ إيمانٌ وحُسْنُ خُلق

د. رضية بنت سليمان الحبسية

 

تزايد اهتمام الناس مؤخرًا بتشكيل المجموعات الافتراضية على برامج تفاعلية مختلفة؛ سعيًّا لتحقيق التواصل بينهم. ولعل أبرزها: المجموعات الواتسابية؛ لسهولة الولوج إليها والتعامل مع نوافذها. وفي واقع الأمر: على الرغم من جدوى تلك المنابر؛ لتبادل الخبرات والمعارف بين أعضائها، إلّا أنه في كثير من الأحيان يشوبها من شوائب سوء الظّن، والتسرع في الحكم على ما يتم بثه أو نشره، سواء وجهات نظر تعبّر عن صاحبها، أو تعليقًا مهنيّا، أو مداخلة إثرائية، متغافلين أنه عالما افتراضيّا يفتقر إلى بيان نقاء وروح الشفافية والوضوح في الطرح والتعبير. مما يفقد المجموعة رونقها، وضياع الهدف من إنشائها، فضلًا عن غياب قيم التواصل الإنساني المنشود.

إنّ الإنسان مجلوب على حب الخير وحسن السلوك، مالم يلوث فكره بشعارات الذاتية والأنا. فكثير من ردود الأفعال تجاه المواقف أو الشخوص، هي وساوس شيطانية ظاهرًا وباطنًا، بعيدة عن الفطرة الإنسانية السويّة، ناتجة عن نزعة داخلية متسرعة. وبمرور ردح من الزمن قصر أم طال، يتبيّن للفرد خلاف ما كان من فهم مغلوط أو سوء نيات. لذا يتوجب على الفرد التمهّل والتّأني في استجابته للأحداث من حوله، أكانت موجهة أو غير مباشرة، فغالبًا ما يكون نهاية العجلة ندم وحسرة، ألم وغصة، مما لا تحتملها النفوس ذاتها.

“الإنسان مدني بطبعه” عبارة يدركها الإنسان نفسه، حيث يأنس ويسعد بمخالطة الناس والتفاعل معهم. إلا أنّ العلاقات البشرية قد تأخذ قطبين: الإيجابية منها، والتي تقوّي حسن المعشر، وتحرك شعوره رغبة بالاستمرارية، ومنها نقيض ذلك، مما ينفرّ تواجده فيغادر؛ حفظا لكرامته وإنسانيته، ودرءًا للشقاق وإشكالياته. فعلى المؤمن الكيّس، التروي في إصدار أحكامه، والتجمّل بلطف عباراته؛ لكيلا يفقد أعز أحبابه أو رفاقه. قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾. (سورة آل عمران، الآية: 159):

ختامًا: المواقف اليومية فرص ثمينة؛ لاكتشاف ذواتنا وقدراتنا، وفهم عوالمنا من حولنا، وتقييم واقعنا ومواقفنا. فمع قدر من التّأمل والتّفكر في مجريات حياتنا وتعاملاتنا، نُبصر ما كان مغلفًا بسوء الظّن أو خيال مُسيء.  ولنتأمل قول الله عزّ وجل في (سورة الحجرات، الآية: 12): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق