يحل اليوم الثامن عشر من نوفمبر، لأول مرة، بهكذا مشاعر.. متناقضة بحدّة عصيّة على الفصل، فلا هي بالسعيدة فنمضي معها إلى آخر الشوط، كما يليق بنوفمبر وقد اعتدنا عليه 49 عاما، ولا هي بالحزينة، حيث لا يمكن الحزن أن يزهر في ربيع الوطن.
قبل عام، في هذا الصباح كانت أعيننا معلّقة بالموعد الذي سيقف عليه جلالة السلطان قابوس أمام جنوده يعطيهم إشارة البدء للعرض العسكري، وكانت عمان كلها تتابع الحدث قلبا قلبا، لتطمئن على فرحتها بوجود سيد فرحها وبهجة أرضها على امتداد عقود من النهضة المعاصرة.
ومرّ العام، على آخر إطلالة، وجاء العيد الوطني بدونه، فيما كنّا نمنّي قلوبنا بفرحة استثنائية ومسيرتنا العمانية تكمل عقدها الخمسين، لنحتفل معا باليوبيل الذهبي لأعمارنا جميعا، فقد ولدنا مع هذا الوطن، وكبرنا معه، ورفعنا جباهنا شموخا معه، في لحظة النداء التاريخي للسلطان الشاب وهو يدير عقارب ساعة الوطن لتتجه إلى الأمام، ولا تبقى واقفة خارج حدود الزمن، فينادي مواطنيه واعدا إياهم بفجر جديد سيشرق على بلادهم، وأن أمجاد عمان ستعود، وكان نوفمبر الموعد الدائم لسماع المزيد من مقامه السامي، وكانت فترة السبعينيات مرحلة نهوض حقيقي بعد عقود من التراجع والانطفاء حيث الخطاب السلطاني شعلة ضوء سنوية تحدد مسارات العمل الوطني.
فرح مغلف بحزن، أو حزن يندس في فرح..
هكذا يبدو يوم الثامن عشر من نوفمبر من عام الأحزان 2020.
يأتي في مناخات بالغة التأثير، وأنواء اقتصادية وصحية تضرب بقسوة في العالم كله، وليس في جدراننا التي أثبتت صلابتها للمقاومة، لكن الهزّات المتتالية تحتاج إلى صمود وصبر وحكمة للعبور جميعا نحو بر الأمان، مهما بلغت التحديات.
ولأنه لا يليق بنوفمبر إلا التفاؤل والأمل فإننا نعاود إيقاد شموعهما، لأن مؤسس عمان الحديثة وضع الأمانة في يد آمنّا جميعا بحسن اختياره لمن يكمل المسار بعده في بناء هذا الوطن، وقد أعطاه ما أعطاه من جهد ليكون محل فخر لنا.
يحلّ العيد الوطني الخمسين ونبقى في مواجهة المزيد من التحديات، لكن هناك ما يمكننا التعويل عليه، حكمة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله وهو يمضي بهدوء وثبات لتقليل آثار الجائحتين: كورونا والأوضاع الاقتصادية الصعبة، حيث هناك ما يمكن البناء عليه أملا وتفاؤلا بثمة مستقبل مضيء، بعد تجاوز مرحلة الأزمة هذه.
في اليوم الثامن عشر من نوفمبر لا تترقب أعيننا رؤية مؤسس عمان وهو يقف شامخا رغم كل وضعه الصحي، لكن نمضي جميعنا، بشموخ، لمواجهة كل وضع، فالأمم تختبر المصاعب لتقوى، وما أنجز خلال أقل من عام في العصر الهيثمي يدعو للتفاؤل بأن نهضة متجددة بدأت، وهناك الكثير من العمل لإنطلاقتها بقوة أكبر، وأنها ستؤتي أكلها خلال السنوات القليلة القادمة بكثير من العطاء الذي يستحقه المواطن العماني.
وتبقى المراحل الصعبة تحتاج إلى قرارات صعبة، وجريئة على نحو غير مسبوق.
وفي يوم مثل هذا فإننا نجدّد الوعد والولاء لعمان التي تبقى أولا وأخيرا وراء كل قصد، أرضا وقيادة وشعبا، بروح لا تنهزم مهما كانت المصاعب..
كل نوفمبر وعمان العظيمة بخير..
رحمك الله قابوس العظيم، وأنت الحي في قلوبنا كأنك لم ترحل عن دنيانا، ومع خليفتك، هيثم المعظم، الذي نراك فيه سلطانا محبا، ووفيا للمبادىء الوطنية التي سرت عليها.. وستتواصل عمان بنهضة متجددة كما يليق بها، وبشعبها الوفي.