مقالات
النصائح مجانية
حمدة بنت سعيد الشامسية
كنت دائما ما أسمع جدتي رحمها الله تكرر مثلا جميلا كان يلفت انتباهي طفلة إلا أنني لم أكن أعرف ما يعنيه المثل، حتى كبرت وأصبحت أعيشه بشكل دائم (اربط صبعك وكل بيوصفلك دواء) فقد أصبحنا جميعا موزعين للنصائح المجانية ساعدتنا في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي التي حولتنا إلى حكماء ومرشدين وناصحين على اختلاف مراحلنا العمرية ومستوياتنا الثقافية، تفتح صفحة أحدنا على أحد هذه المواقع فتخال نفسك في حضرة حكيم مخضرم، من كثر الحكم المقصوصة الملصقة على صفحاتنا، غير تلك التي ترسل على الخاص رغم طلبك مرارا وتكرارا من أصدقائك في القائمة بأن لا يرسلوها، لأن وقتك لا يسمح بقراءتها، ولأن حتى حذفها بدون قراءة يستنزف الكثير من الجهد والوقت منك.
قبيل فترة كنت أتهيأ للصعود على المنصة لإلقاء مشاركتي في إحدى الفعاليات الدولية، عندما تقدم مني أحدهم متطوعا لتهدئتي من حالة القلق التي هيء له أنني أعيشها، تقبلت نصيحته (المخلصة) بسعة صدر وطيب خاطر، ومر أمامي عيني شريط من مواقف مماثلة، وجدت فيها من يعتقد موقنا بأن لديه القدرة على قراءة أفكاري وتلمس مشاعري، خوفا وقلقا وحزنا وفرحا، وكثيرا ما ردد البعض عليّ عبارة (أنا أعرفك جيدا، وأعرف ما تفكرين فيه) ولا أملك أمام عبارة كهذه إلا أن أهز رأسي موافقة، نعم أنت تعرفني جيدا.
هذه المعرفة التامة لمن حولنا بنا وبالطريقة التي يجب أن نعيش بها حياتنا، الطريقة المناسبة التي يتوجب أن نتصرف فيها أمام موقف بذاته، والطريقة المثلى لتربية أطفالنا، وأفضل الطرق التي يجب أن نتعامل فيها مع من حولنا، اللباس المناسب لنا، والطعام الأفضل، تصلنا على الدوام على شكل نصائح مجانية لم نطلبها، ومن أناس لا يعرفون عنا سوى النسخة التي تشابههم منا، وانعكاسات صورهم فينا.
ولا أبرئ نفسي من هذا، فكثيرا ما أجد نفسي أتقمص دور الناصحة، لأناس لم يطلبوا نصيحتي، ولم يلجئوا لمشورتي، وكأنها عدوى أصابتنا من ساحر العصر (منصات التواصل) التي جعلت النصيحة المجانية سلعة مغرية وجذابة، لسرعة انتشارها وسرعة وصول ثمنها الذي يرضي الأنا بدواخلنا، من كلمات إطراء وإعجاب، تشعر الواحد منا بأنه اخترع الذرة.