مقالات
الإعلاميون ” الخُدّج”
د. أحمد عبدالملك
أكاديمي وروائي قطري
يحاول “الإعلاميون الخُدّج” هذه الأيام تدمير منظومة الأخلاق الإعلامية، والأعراف التي توافق عليها علماءُ الإعلام بصورة غير مسبوقة، في ظل غياب للمراقبة أو المحاسبة.
ولقد شاهدتُ على شاشة إحدى القنوات الحكومية وجهاً لمُقدمةِ برامج لا يصلح لأن يظهر على الشاشة! ذلك أن للشاشة اعتبارات واضحة، ويتم تدريسها في كليات الإعلام، ولكن هذه المُقدمة – بعد أن سألتُ عنها – وجدت أنها أُميّة ولم تدخل المدرسة، وأنها مُنتمية إلى فرقة شعبية! لن أتحدث عن أدائها خلال تقديم البرنامج، فهي أقل مما يمكن أن يُشار إليه! فإذا اجتمع عدم استواء الوجه مع تواضع الثقافة أو غيابها، فماذا سيكون عليه الأداء؟!
وسمعت مذيعة في محطة (إف. إم.) تقدم برنامجاً مثل (ما يطلبه المستمعون)، وكنت قد تابعت هذه المذيعة لأكثر من عشر سنوات!. لم تتقدم خلالها قيدَ أُنملة، وظلت دون توجيه؛ ودون أن تطوّر نفسَها، حتى استحوذ عليها حبُّ (المايكروفون)، فصار أن بدأت “تتأوه” أمام المايكروفون، وتلوّن صوتَها حسب الكلمة التي تنطقها، في شكل درامي وتمثيلي يبتعد عن أصالة ونبل التقديم الإذاعي. كما أنها تبالغ في مَطّ كلماتها عندما يتصل بها متصل، بل وتُقلّد المراهقات في قلب حرف ( الراء) إلى (الغين)، زيادة في دلعها وغنجها أمام (المايكروفون).
مذيعة أخرى في نفس المحطة، لا تعرف كيف تتكلم أو تتصرف مع الضيف، وكانت كلما أخطأت في كلمة تضحك وتقول ( وي ما أدري شفيني اليوم؟؟) وأيضاً قضت أكثر من عشر سنوات في مكانها!؟
تصوروا مثل هذه الأنماط ” يتَسنّمنَّ” برامج الإذاعات أو الشاشات في ظل غياب المهنية في تدمير لهذه المهنية؛ ولا أحد يوقف هذا السيل الهادر من التهافت على الالتحاق بهيئات الإذاعة والتلفزيون، في هجمة “جاهلة” لدور الإعلام في المجتمع، ولأهمية إرساء أُسسِ المهنية في هذا العمل.
إنه من العبث أن يُسمح لمثل هؤلاء أن يتصدروا قنوات الإعلام في منطقة الخليج، وأن تلعب الواسطة دوراً في توظيف هؤلاء ” الخُدّج” الذين لا يعرفون قيمة الإعلام ودوره في الخطاب السامي للدولة! وبعضهم لم يتجاوز الثانوية، ولم يحاول أن يقرأ عن الإعلام أو عن الوظيفة التي يمارسها!
إننا نُدرّسُ في كليات الإعلام أساسيات العمل الإعلامي، بما في ذلك فن الإلقاء ، والثقافة العامة، وحاسة التنبوء عند المتلقي. ولكن ما نسمعه ونشاهده يتناقض مع كل ذلك، وتستشري الأخطاء والمخالفات ليل نهار، لتكون هي القاعدة، ويكون ما نطالب به هو الاستثناء!.
إن العمل الإعلامي عمل نبيل وله مواصفات وأساسيات لا يُمكن تجاوزها حتى في ظل أدوات التواصل الاجتماعي أو ثورة التكنولوجيا! ولا يجوز نقلُ ما يدور في غرف (الشات) إلى برامج الإذاعة أو الشاشة، مهما حاول هؤلاء “الخُدّج” فرضَ حالةِ عبث على هذه الأدوات، أو التباهي بالتطور أو مراعاة العصر.
إن إجادة اللغة العربية الفصحى من أهم مواصفات المذيع، وكل هؤلاء الذين يروجون للعامية، وهم غير قادرين على اللغة الفصحى، سوف يتساقطون، لأن اللهجات لن تستطيع حفظ الموروث الثقافي والحضاري، كما أن الدول تؤكد في دساتيرها وقوانينها أهمية التخاطب والتراسل والبث باللغة العربية الفصحى؛ فكيف نسمع لهؤلاء “الجُدد” أن يُدمروا اللغة العربية، بل ويفرضوا شخصية “شاذة” على الأثير أو على الشاشة؟
أمرٌ قد يجيب عليه من يوظفون هؤلاء ” الخُدّج” ولا يراقبون أداءَهم!.
نشر هذا المقال في العدد (27) من مجلة التكوين …