مقالات

البشر في الأقفاص.. والعصافير تمارس أعمالها اليومية



أسامة زايد


هل جربت يوماً أن تكون طريح الفراش بسبب المرض؟ هل تخيلت أنك في يوم من الأيام ستكون مسجوناً في قفص المنزل؟ تدّعي أنك تملك كل القدرة على الهرب، وتمتلك السرعة الكافية أن تبتعد عن فيروس ما، جائحة كان أم اعتيادياً بحسب وصف الأطباء.


كيف هو الشعور الذي كان يحمله ذلك الطائر السجين قبيل الفجر، عندما رفض شرب الماء الذي قدمه له سجانه؟ رفض لأنه يعرف تماماً أن ذلك الشراب المقدم ليس إلا بداية صفقة للحبس، على أن يعتاد نفس الطائر أن يشرب من نفس الماء، المقدم من نفس السجان.

دارت رحى المعركة الكونية، وصار الطائر يفرد جناحيه عالياً نحو قدره، وأضحى السجان أسير سجنه الذي بناه من أجل الرجوع، الرجوع من كل الأمكنة إلى المستقر، فيروس صغير قلب الموازين، فصار الإنسان يقلب في صفحات الذاكرة، ينظر إلى النافذة تماماً كما يفعل ذلك الطائر، يرى الحرية على شكل طبيعتها، يرى الطيور تطير على أشكالها ولا تقع، لأن ثمة لا أحد من البشر في البرية يقوم بالفعل الشنيع، فيدرك أن الحرية تكمن في الخروج، وراح يمني نفسه لو أن المصائب تزول، يدعي ربه كما يفعل المتدينون، يشاهد نشرة الأخبار أملاً في أن يبدأ أعداد المرضى بالانخفاض، يقلب برامج التواصل الاجتماعي، راجياً أن يتوصل أحدهم للدواء.


وعلى عكس الطائر، فإن للإنسان مساحة خصبة في التعامل مع سجنه، البيت، فهو يعرف مداخله ومخارجه، ويملك مفتاحة، ويعرف لو أنه إذا ما أراد الخروج سيخرج، ويعرف أيضاً أن الخروج ليس أقل ضرراً من المكوث في السجن. والدخول للمطبخ قد يشعره بالراحة، فيفتح الثلاجة ويغلقها، يفتحها مجدداً ثم يغلقها، ثم يعود مجدداً إلى مضجعه، ليعيد ترتيب روتينه ويقلبه رأساً على عقب، هكذا لن يشعر هو لا يغيره بالملل.


وبالنظر إلى البشر، فإن البشري يسجن نفسه، أو يسجنه بشري آخر، على عكس الطيور تماماً، فهي لا تحبس نفسها، ولا تحبس مثيلاتها من الطيور، بل تشاركها المكان والطبيعة، وتشاركها اقتسام الهواء، وتشاركها الطيران، لكنها تسرق بعضها الطعام من البعض، وإذا جاعت تأكل القويات منها الضعيفات، لا أحد يبقى دون غدر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق