مقالات
الحماية القضائية للاستثمارات الأجنبية (1 ـ 2)
د. خليفة بن محمد بن عبدالله الحضرمي
نائب رئيس المحكمة العليا
مقدمة
قد تقوم فلسفة الاستثمار الأجنبي على عدم قدرة الدولة على استغلال ما لديها من موارد بالشكل الأمثل لقلة الخبرة والتقنية أو انعدامها أو عدم توفر الأموال … لذا كان الإقبال على الاستثمارات الأجنبية كحل تخفف الوطأة . فالاستثمار والتنمية وجهان لعملة واحدة .
فنشأت بذلك قواعد قانونية مختلفة في تشريع واحد ( قانون الاستثمار الأجنبي ) ولما كان الاستثمار يحتل تلك الأهمية فقد تنافست الدول على استقطابه معوّلة على ما تقدمه من ضمانات قانونية متنوعة : أكانت قوانين وطنية أو اتفاقيات دولية ثنائية كما يطلق عليها اتفاقيات تشجيع الاستثمار.
يقال أن مبدأ الحضانة المطلقة للدولة أخذ يتزعزع نتيجة لاتساع دورها وقيامها بأعمال تخرج عن نشاطها التقليدي إذ أصبحت تمارس نوعين من الأعمال فإلى جانب أعمالها التي بطبيعتها تعد من أعمال السيادة تمارس أيضاً عملاً تجارياً وعملاً من أعمال الإدارة العادية وفيها تتنازل عن صفتها كدولة ذات سيادة حيث تنزل منزلة الأفراد العاديين كما هو الشأن في عقود الاستثمار(1) فتحولت من الحصانة المطلقة إلى الحصانة النسبية بمعنى أن المحاكم تنظر في المنازعات التي تكون الدولة طرف فيها كشخص عادي(2) وهو ما أكدته المادة (17) من قانون الاستثمار رغم المصطلح المبطن لذلك في كلمة الغير(3) .
إذن المعوقات والضمانات القانونية تمثل محوراً رئيسياً تدور حوله تشريعات الاستثمار.
فهل كونت تلك الضمانات فاعلية في جذب الاستثمار الأجنبي سيما إذا ما عرفنا أن رأس المال يبحث عن الربح والأمان حالة أن المستثمر يكون قلقاً وحذراً لذا فهو يحتاج إلى طمأنينة مع الأخذ بالاعتبار خطورة رأس المال الأجنبي وهو ما جعل الدولة تضع في اعتبارها اتخاذ الإجراءات قانونية محايدة وفعالة تحمي مصلحتها فما هو مفهوم الاستثمار وما هي أنواعه التي عوّل عليها المشرع العماني ومبررات ذلك ؟
وقد يحدث اختلال التوازن العقدي بسبب يرجع إلى المستثمر عندما يقوم هذا الأخير في الطاقة الكهربائية باستخدام تكنولوجيا أو تقنية أقل في السعر عن المتفق عليه ، فهل يدعو ذلك إلى نقض العقد أم إعادة التفاوض على تعرفة جديدة للطاقة على ضوء التكلفة الفعلية للمشروع(4) .
سنتناول الموضوع وفق المنهجية التالية:
الفصل الأول : الاستثمار الأجنبي ( أنواعه وآثاره )
المبحث 1 مفهوم الاستثمار الأجنبي وأنواعه
مطلب 1 ماهية الاستثمار الأجنبي
مطلب 2 أنواع الاستثمار الأجنبي
المبحث 2 الآثار المختلفة للاستثمار الأجنبي
مطلب 1 الآثار الايجابية
مطلب 2 الآثار السلبية
الفصل الثاني : الحماية القضائية للاستثمار الأجنبي
المبحث 1 عقد الاستثمار ومسؤولية الدولة تجاه التزاماتها التعاقدية
المطلب 1 مسؤولية الدولة في حفظ التوازن العقدي
المطلب 2 مسؤولية الدولة في تحقيق الحماية القانونية والمالية للاستثمار
المبحث 2 الحماية القضائية ( تسوية النزاع )
المطلب 1 الوسائل الغير قضائية لتسوية النزاع
المطلب 2 الوسائل القضائية لتسوية النزاع
الفصل الأول : الاستثمار الأجنبي ( أنواعه وآثاره )
سنتناول الاستثمار تعريفاً وأنواعاً ثم نعرج على آثاره الإيجابية والسلبية في المبحثين التاليين :
مبحث أول : مفهوم الاستثمار الأجنبي وأنواعه
مبحث ثاني : آثـــــار الاستثمـــار
مبحث 1 مفهوم الاستثمار الأجنبي وأنواعه
تتنافس أغلب الدول على جلب الاستثمارات الأجنبية إليها بهدف تسريع عملية التنمية الاقتصادية وإيجاد بدائل لها كتنويع لمصادر الدخل تساهم في الرخاء الاقتصادي لذا فتوضيح مفهوم الاستثمار تعريفاً ومفهوماً أضحى مهماً .
مطلب 1 ماهية الاستثمار الأجنبي :
الاستثمار لغة هو مصدر للفعل ( استثمر ) الدال على الطلب بمعنى طلب الاستثمار وأصله من الثمر(5).
وما يهمنا هنا هو اصطلاح الاستثمار الأجنبي اقتصادياً وقانونياً فقيل بأنه ” الاستثمار الناشئ عبر الحدود ، نتيجة انتقال رؤوس الأموال الاستثمارية وشتى الموارد الاقتصادية بين البلدان المختلفة بهدف جني الأرباح وتعظيم المنافع المحققة من جراء تلك الاستثمارات(6)“
رغم أن الاقتصاديين لم يجمعوا على تعريف محدد للاستثمار الأجنبي وإن اتفقوا على مفهومه الواسع الذي يقوم على ” توظيف الأموال خارج حدود القطر بقصد الربح(7)” .
وبمطالعة قانون الاستثمار العماني 50/2019م ( صادر 1/7/2019م) نجده قد أورد تعريفاً له ” استخدام رأس المال الأجنبي المباشر المستثمر لإنشاء مشروع استثماري أو توسيعه أو تطويره أو تمويله أو إدارته أو تملكه “
والمشروع الاستثماري هو أي نشاط اقتصادي يقيمه المستثمر الأجنبي بمفرده أو بمشاركة أجنبي آخر أو عماني في السلطنة .
وجاء مصطلح المستثمر الأجنبي معرفاً :
بأنه كل شخص طبيعي أو اعتباري غير عماني يدير مشروعاً استثمارياً في السلطنة ويقصد برأس المال الأصلي المباشر : جميع الأصول(8) التي تدخل في المشروع الاستثماري أياً كان نوعها وتكون لها قيمة مادية سواء أكانت قيمة نقدية أم عينية أو معنوية.
مطلب 2 : أنواع الاستثمــــار الأجنبـــي :
جرى العرف على تقسيم الاستثمار الأجنبي إلى نوعين ، الاستثمار المباشر وقد أشار إليه قانون الاستثمار في المادة الأولى وهناك الاستثمار غير المباشر.
( أ ) الاستثمار المباشر FDI
مصطلح الاستثمار المباشر ينسب إلى الفقيه الاقتصادي Herbert في عام 1930(9) وهو أكثر أنواع الاستثمار إثارة للجدل لتعدد مصادره وأشكاله وآثاره فقيل بأنه امتلاك للأصول من قبل المستثمر الأصيل في البلد المضيف مع نية الإدارة أن تملك المستثمر الأجنبي لكامل المشروع أو جزء منه(10) هذا النوع من الاستثمار يحصل من خلال المشروعات المشتركة أو من خلال الشركات متعددة الجنسيات كما يفهم من القانون(11) .
أيضاً يمكن القول أن هذا النوع من الاستثمارات يتمثل في المشروعات التي يقيمها ويملكها ويديرها المستثمر الأجنبي سواء بسبب ملكيته الكاملة لها أو بسبب اشتراكه في رأس مال المشروع كجزء يبرر له حق الإدارة(12).
الاستثمار المباشر يقوم فيه المستثمر بنفسه وبأمواله الخاصة بإنشاء مشروع حديد أو توسعة مشروع قائم لذا فهو هنا يقدم للدولة المضيفة المساهمة المالية والفنية والتكنولوجية .
؞ الاستثمار هذا منتج بطبيعته ويضمن الاستخدام الأمثل للموارد وبناءً على دراسات معمقة عن الجدوى الاقتصادية للمشروع .
وهناك تدرج في التسميات : حركة رأس المال ، قاعدة الذهب، الاستثمار الدولي ثم الاستثمار الأجنبي المباشر ومجاله كما سلف القول : الاستثمارات المشتركة أو الثنائيةJoint Venture والشركات متعددة الجنسيات Multination corpration
( ب ) أما الاستثمار غير المباشر IFI
فهو يمثل الاستثمار الذي يأتي إلى داخل الدولة على شكل قروض من هيئات أجنبية أو في شكل اكتتاب في الصكوك الصادرة عن الدولة أو السندات ذات الفوائد الثابتة(13) .
الاستثمار غير المباشر يقتصر دور المستثمر فيه على مجرد تقديم(14) رأس المال إلى جهة معينة لتقوم بهذا الاستثمار وله صور عدة تتمثل في الآتي :
-
شراء السندات
-
شهادات الإيداع
-
شراء سندات الدين العام
-
شراء القيم المنقولة
-
الإيداع في البنوك المحلية
المبحث الثاني آثـــــار الاستثمـــار :
هناك آثار عدة تتولد عن الاستثمار الأجنبي إيجابية وقد تكون سلبية
مطلب 1 الآثــــار الايجابية :
لا شك أن الاستثمار الأجنبي يساعد في تحقيق التنمية(15) فالاتجاه نحو الاستثمارات الأجنبية منحت الدول الفرصة إلى تحقيق وفرة اقتصادية لأن هذه الاستثمارات تحمل معها رأس المال والتكنولوجيا والمهارات الإدارية مما يحل البطالة ويخلق فرص عمل سيما عند استخدام الكادر الوطني بالمشروع وقد تعمل الشركات الوطنية مع الشركات الأجنبية مما يساهم في رفع مستوى الإنتاجية.
مطلب 2 الآثــــار السلبية :
احتكار التكنولوجيا من قبل القلة في الدول المتقدمة وبالتالي أن استيرادها يعني التكلفة الباهضة فضلاً عن قلة المعرفة والوعي بالتكنولوجيا المطلوبة للتنمية ، هذا يؤدي إلى أيضاً إلى نقل الأرباح الخاصة بهذه الشركات إلى خارج البلد المضيف دون ضريبة مما يشكل عبئاً كبيراً على ميزان المدفوعات لخروج رأس مال أجنبي خارج الدولة .
هناك أيضاً قد يحدث استهلاك للسلع الصادرات أو الواردات وتأثير ذلك على زيادة الجانب المدين في ميزان المدفوعات وقد يحدث عدم ملائمة للتكنولوجيا المستورة للبلد المضيف لأن هدف الشغل كان الربح وليس التنمية ، كما قد يحدث تأثير سلبي على الاقتصاد المحلي المنافس .
الاعفاء الضريبي بالدولة يزيد من الأعباء وهو نقص الإيرادات وقد يحدث تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلد . إذن لا بد من اختيار الاستثمارات المناسبة وممارسة الرقابة المناسبة على نشاطها بما يمكن من المشاركة الأساسية في إدارة المشروع سيما عبر الكادر الوطني.
(1) Bouchez (l.j) the prospects for in termination arbitrahin – disputes between states and private inter prises J.L.A VOL . 8 , 1991 , P 85 .
وكذلك يراجع : د. خليفة الحداد ، الموجز في النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، الطبعة 2003 ، صفحة 33 .
(2) رغم المشاكل المترتبة عن التنفيذ على الأموال العامة حيث لا يجوز التنفيذ عليها جبراً !
(3) المادة 17 من قانون الاستثمار تقول : ” تختص المحاكم العمانية بنظر أي نزاع ينشأ بين المشروع الاستثماري والغير، وتكون لقضايا المشروعات الاستثمارية صفة الاستعجال عند نظرها أمام هذه المحاكم، ويجوز تسوية الخلافات والمنازعات عن طريق التحكيم ” ويبدو أن الغير يقصد به قانون الجهات الحكومية والأشخاص الطبيعيين والأشخاص الطبيعية والاعتبارية العامة والخاصة .
(4) انظر قضية مشابهة إذ لم استطع الحصول على الدعوى المنظورة أمام القضاء بخصوص ذات الموضوع :
Mehmet torat and Thomas Schultz the state aperetual respondent in investmeat arbitration supra note 154 at 592.
(5) ابن منظور ، لسان العرب ، مجلد أول ، دار بيروت للطباعة ، لبنان 1956 صفحة 273
انظر كذلك : المعجم الوسيط (باب الثاء).
علي النجار وآخرين ، معجم اللغة العربية ، دار الدعوة ، تركيا 1989 ، صفحة 100.
(6) طلال محمد مقضي بطانية ، تأثيرات الاستثمارات الأجنبية على التغيرات الهيكلية ، الاقتصاد الأردني خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات ، رسالة دكتوراه ، كلية دارة والاقتصاد ، الجامعة المستنصرية ، بغداد ، 2000 ، صفحة 17،18 .
للمزيد انظر كذلك : الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية ، الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية ، الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية 1982 ، صفحة 16.
(7) د. أحمد فهمي ، العلاقات الاقتصادية الدولية ، مطبعة الرايفه ، بغداد ، 1957 ، صفحة 44.
– عبدالواحد الفار ، الاستثمارات الأجنبية ، دار المعارف ، القاهرة ، 1972 ، صفحة 9.
(8) أورد القانون في المادة 41 ماهية الأصول التي تدخل في المشروع الاستثماري بصفة خاصة.
(9) إدريس رمضان حجي شكاك ، محدودات الاستثمار الأجنبي المباشر في إقليم كردستان العراق ، الطبعة الأولى مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية ، السليمانية ، 2008 ، صفحة 28 .
(10) د. عبدالسلام أبو قحف ، اقتصاديات الأعمال والاستثمار الدولي ، دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية، طبعة 2003 ، صفحة 481 .
(11) للمزيد يراجع : د. طالب يرايم سليمان ، الضمانات التشريعية لحماية الاستثمار الأجنبي ، دار الجامعة الجديدة بالاسكندرية ، طبعة 2016 ، صفحة 44-54.
(12) للمزيد راجع : تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية 2009 صادر عن التوصية العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات عبر الرابط DHAMAN.NET
(13) للمزيد يراجع : إبراهيم محمد يوسف الفار ، دور التمويل الخارجي في تنمية اقتصاديات البلاد النامية، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة عين شمس ، 1984 ، صفجة 255 .
(14) للمزيد يراجع : د. صفوت أحمد عبدالحفيظ ، دور الاستثمار الأجنبي في تطوير أحكام القانون الدولي الخاص ، دار المطبوعات الجامعة ، الإسكندرية ، طبعة 2005 ، صفحة 32.
(15) تعني التنمية : زيادة الدخل القومي الحقيقي للاقتصاد خلال فترة زمنية جراء الجهود التي تبذل.