بينما ألزم فيروس كورونا نحو نصف سكان الكرة الأرضية بالجلوس في منازلهم، كنتُ واحدة من بين آلاف الموظفين الذين بارحوا العمل في مسقط ليلتزموا منازلهم، مدركين بذلك أننا جميعا نعيش كابوسا مشتركا اسمه “كورونا”.
وعلى اختلاف وظائفنا واهتماماتنا اختلفت يومياتنا أيضا، فعادت الأم إلى ترتيب منزلها بشكل أكثر دقة واكتشفت تفاصيل لم تكن منتبهة لها سابقا، وكانت يوميات الطبيب أكثر ألماً وتعباً وهو ينتقل بين أسرة المرضى والمصابين، ويوميات الممرضة التي لا تبارح المريض في لفتةٍ منها لمواساته والتخفيف عنه، ويوميات المعلم الذي يفكر في المنهج التعليمي وطلابه وكيف سيكون التعليم والتحصيل بعد فترة الوباء الكوروني، ويوميات المشاهير الذين يروون يومياتهم بتفاصيل دقيقه يشاركهم متابعيهم يومياً حتى لا يذهب ذكرهم أدراج الرياح، أو ليشعروا بأن النجومية تعيش معهم، رغم أنف “الحجر”.
تشابهت أماكن وظائفنا، أصبح الجميع موظفا في المنزل، فيها نمارس أعمالنا على اختلافها، أصبحت غرف بيوتنا موقع الراحة والعمل والتفكير والتأمل، ومقر الصلاة مع إغلاق المساجد، مما دفعنا للبحث بين جنباتها عن كل شيء، كل شيء بمعنى المرح والتسلية والانشغال إلى جانب ما يلازمنا من واجبات يومية.
(خليني في البيت) أعادت لنا ترتيب أولويات نسيناها وانشغلنا عنها كثيرا، والتفتنا إليها مع مرارة الظروف، حيث يحاول الجميع أن يستغل الموقف لصالحه، فالوقت ليس للهدر ولا اللعب، “كورونا” الكابوس علمنا كيف نستغل الوقت مع أطفالنا في القراءة والتعليم ولا مانع أن يكون هنا متسع للعب أيضاً، أعاد إلينا النظر إلى الكتب التي أهملناها وأجّلنا قراءتها مراراً، ويمكن القول أننا أصبحنا أكثر ترتيباً ربما، ولم لا وقد التفت الكثيرون إلى خزاناتهم الممتلئة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة مع كومة الأشياء فيها.
أصبحنا نقاوم وقت الفراغ بشدة وبلا تردد، أعدنا ترتيب علاقتنا بالأفراد الذين نعيش معهم لنخلق أجواء أسرية أكثر محبة وترابطا، نبحث عن الجديد لكسر الروتين، نتعلم شيئاً جديدا، ربما نكتب رواية جديدة، أو نؤلف شعراً، ويمكن أيضا أن نكون بدأنا بترك عادات سيئة واتباع نظام جديد من الغذاء والرياضة لنعود بعد جلاء الغمّة أشخاصا جددا أكثر حيوية ونشاطا ومحبة للحياة.
الفيروس “كورونا” أعاد لنا الحنين إلى أشياء كنا نعتبرها قبله مملة، وروتينية، وباردة وكأنها أكثر الأشياء خللاً في العالم، ربما تعود الأشياء ونعود نحن لها، لكن هل سنترك كل ما تعلمناه يرحل مع رحيل “كورونا”؟!