الثقافي
مهرجان الشعر العماني .. يحلّق فوق جبال مسندم
احتضنت ولاية خصب بمحافظة مسندم فعاليات مهرجان الشعر العماني في دورته الحادية عشرة لعام 2018م، الذي نظمته وزارة التراث والثقافة، خلال الفترة من 16 إلى 20 ديسمبر الماضي. رعى حفل الافتتاح معالي أحمد بن عبدالله بن محمد الشحي، وزير البلديات الإقليمية وموارد المياه، فيما جاء حفل الاختتام تحت رعاية معالي الدكتور عبدالمنعم بن منصور الحسني، وزير الإعلام. (التكوين) واكبت هذه التظاهرة الشعرية الأبرز على خارطة المناشط الثقافية منذ انطلاقتها في قاعة ولاية خصب.
تمديد فترة المهرجان
وفي هذا السياق التقت (التكوين) السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، مدير عام الفنون بوزارة التراث والثقافة، مدير المهرجان، الذي قال: يعد مهرجان الشعر العماني تجربة راسخة الآن وقد كرس حضوره على مدار عشرين عاما، وأصبح له مكانته المرموقة في خارطة المشهد الثقافي العماني، إذ يعد إحدى العلامات المميزة في الفعاليات الثقافية في السلطنة، نظرا لما يحظى به من اهتمام رسمي على كافة المستويات، كونه يأتي بتوجيهات سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة -حفظه الله-، وهو يستقطب الشعراء من كافة بقاع السلطنة.
وأضاف البوسعيدي: كما جرت العادة يتنقل المهرجان من حاضرة عمانية إلى أخرى، وهو هذا العام يحط رحاله في محافظة مسندم، وتحديدا ولاية خصب، كون هذه المحافظة من المحافظات التي تكتسب أهمية بالغة مثلها مثل باقي محافظات السلطنة تاريخيًّا وحضاريًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا أو سياسيًّا، فهي مكان يجمع الثقافات التي مرت على المنطقة، كونها البوابة لمضيق هرمز وهي الموقع الذي يشكل ملتقى للحضارات المختلفة قديما وحديثا وفي المستقبل بإذن الله، وبالتالي فإن دلالة المكان تمثل تجسيدا لما لهذه المحافظة من أهمية كبرى في الذاكرة والخارطة العمانية.
وأكد السيد سعيد البوسعيدي قائلا: حاولنا استيعاب أكبر قدر من الشعراء وإتاحة الفرصة أمامهم للمشاركة، كما سعينا إلى التنويع في الضيوف من داخل السلطنة وخارجها، بالإضافة إلى التركيز على الجلسات الصباحية، وتمديد فترة المهرجان، إذ كان في دوراته السابقة يمتد إلى أربعة أيام فقط، أما في الدورة الحالية فقد تم تمديده إلى خمسة أيام متتالية.
بالإضافة إلى ذلك استحدثت اللجنة المنظمة فكرة المسابقة اليومية التي تطرح على وسائل التواصل الاجتماعي بغية الاستفادة مما تتيحه هذه المنصات التواصلية للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من داخل السلطنة وخارجها، وفتح النوافذ أمام الجميع للتعرف على المهرجان وعلى جماليات محافظة مسندم.
واختتم مدير المهرجان حديثه قائلا: من الأمور التي نوليها الاهتمام حاليا هو الاستباق التنظيمي بفترة زمنية كافية، فهناك الكثير من العمل على الجانب الإعلامي والإعلاني للمهرجان والذي يتوقع أن يرفع عدد المتابعين والحضور، بهدف تلافي مشكلة تدني الحضور الذي نلاحظه من خلال ما نشاهده، والذي لم يكن بالمستوى المتوقع، ويعزى إلى عدة أسباب. وفي هذا الصدد يتوجب علينا أن نعمل بالتنسيق مع مختلف القطاعات كالمدارس وغيرها لتحفيز الجمهور على الحضور.
إثراء للحركة الثقافية
من جهتها قالت الدكتورة شيخة المنذرية، عضوة لجنة التقييم في مجال الشعر الفصيح: يمثل المهرجان الشعري العماني الحادي عشر الذي تنظمه وزارة التراث والثقافة دورا فاعلا في إثراء الحركة الفكرية والثقافية والأدبية في السلطنة، ويتيح فرصة للقاء للشعراء العمانيين لإبراز الجديد والسير قدما نحو الظهور بالشعر العماني في مصافي الشعر العربي، ليكون هذا المهرجان بؤرة تسلط الضوء على النتاج الشعري العماني، ودعمه للظهور وللمزيد من التألق والتجلي بحلّة الإبداع والتميز والتجديد.
وأضافت المنذرية: يعد مهرجان الشعر العماني، رافدًا من روافد الإبداع، للتعبير عن حركة الشعر العماني، وخطوة فاعلة لدعم المواهب الشعرية، والكشف عنها، فيتيح فرصة للمواهب الناشئة لاكتشاف إبداعاتها، في احتفالية تؤكد السير قدما نحو تحقيق التوجيهات السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم لدعم المواهب الشبابية في كافة المجالات، والارتقاء بهم، وخصوصية الاهتمام بالجانب الشعري العماني.
وأكدت شيخة المنذرية قائلة: تقدم للمشاركة في مهرجان الشعر العماني الحادي عشر في مجال الشعر الفصيح سبعة وخمسون نصًّا شعريًّا، تنوعت بين الشعر العمودي، وقصيدة التفعيلة، وشعر النثر، وقد غلب عليها الشعر العمودي. وتأهل منها للمشاركة في المهرجان خمسة عشر نصًّا شعريًّا، تم اختيارها وفقا لمعايير النقد المعتمدة في النتاج الشعري. وقد عكست النصوص المتأهلة وجود تجارب إبداعية شعرية ناضجة تتجسد بروح شعرائها، اختزلت بين ثناياها مقومات النتاجات الشعرية، وملامح المكان والزمان، لتمتد في روح القصائد بوشاح الشعر الفصيح. وقد شكلت هذه المنافسة للتأهل مساحة للتفاعل بين الشعراء والمتأهلين، في خطوة هادفة لتعزيز ذائقة الشعر، ليبقى الأثر الجميل في وجود المشهد الشعري العماني، يتم من خلاله التأكيد على جمالية الشعر، واهتمام السلطنة بالجانب الشعري، والسعي إلى تحفيز الشعراء على خوض ساحة المشاركة، والإبداع.
محط أنظار الشعراء
ومن بين الشعراء المشاركين التقت (التكوين) بالشاعرة شميسة النعمانية التي قالت: تمثل مشاركتي في مهرجان الشعر العماني الحادي عشر حدثًا مفصليًا في مسيرتي الشعرية؛ ذلك لأنها المشاركة الأولى التي تأتي بعد صدور مجموعتين شعريتين لي وبعد مشاركات خليجية وعربية ودولية في ملتقيات ومهرجانات ووسائل إعلام مختلفة.. فمما لا شك فيه أن مهرجان الشعر العماني استطاع أن يبني اسمه عبر دوراته السابقة حتى أصبح محط أنظار الشعراء العمانيين كل سنتين، بدءًا من تقديم النصوص الأكثر جودة ومرورًا بالوقوف أمام المنصة وإنشاد القصيدة ليس أمام الحاضرين فحسب، بل وعبر الفضائيات التي تبثه لكل العالم، ووصولًا إلى الالتقاء بالأسماء الكبيرة في الشعر العماني وبضيوف المهرجان من الشعراء العرب والأسماء الشعرية المجايلة التي يحتضنها المهرجان جميعها. وهنا أغتنم الفرصة لأعبر عن سعادتي بالعادة السنوية التي سنها المهرجان وهي تكريم شعراء عمانيين من المجالين الفصيح والشعبي؛ إذ إنها لفتة كريمة تبعث على الفخر والاعتزاز وتعبر عن المسؤولية الثقافية التي تتحملها وزارة التراث والثقافة إزاء الكتاب والمبدعين.
وفي ختام حديثها قالت شميسة النعمانية: ومما أضفى على هذا المهرجان سحرًا خاصًا هو إقامته في خصب المدينة التي افتتنت بالبحر والجبال ونامت في ضفافهما، فشكرًا لكل الجهود التي تبذل قصارى طاقتها لتستمر هذه العطاءات الثقافية.
تطور ملحوظ
أما الشاعر حسام الجابري فقد عبر عن رأيه في المشاركة قائلا: لمهرجان الشعر العماني دوره المهم في إثراء الساحة الشعرية العُمانية وخلق مساحة تتلاقى فيها التجارب المختلفة. وأرى أن هذه المساحة التي يخلقها المهرجان قادرة على أن تكون أكثر ثراءً كلما كانت متحررةً من آليات الترشح للمشاركة كما لو أنها مسابقة بين الشعراء تجعل من المهرجان تظاهرةً محصورة وربما تكون معزولة عن التجارب الشعرية الكبيرة والمهمة، فهناك مسابقات عديدة تغطي مبدأ التنافس الذي من الممكن أن يكون من وجهٍ عاملًا في عملية التجويد في الكتابة مثل الملتقى الأدبي وغيره.
ومن خلال متابعتي لنسخ المهرجان لاحظت تطورًا في نسختيه العاشرة والحادية عشرة في آليته بحيث خفف من حدة شعور الشعراء بأنهم منافسون لبعضهم وفتح بابًا للتلاقي بعيدًا عن اعتبار التنافس وهنا تكون تجربة الاحتكاك أجود وأعمق.
وفي ختام حديثه قال حسام الجابري: أتطلع أن يكون المهرجان عُرسًا شعريًا يضم عددًا كبيرًا من الشعراء العمانيين من أجيالٍ مختلفة تكون فيهِ أمسيات شعرية وندوات وقراءات في تجارب المدعوين ومعارض فنية مصاحبة ليتركَ زخمًا فنيًا في وجدان الشعراء أنفسهم. وإذا كان لابد من مبدأ التسابق والتنافس ليكن على هامش المهرجان لا متنه؟؟.
خمسة أيام من الشعر
يشار إلى أن المهرجان تواصل على مدى خمسة أيام وقد اشتمل حفل الافتتاح على عرض مرئي يبرز جوانب من ذاكرة المهرجان، وتقديم الموهبة الشعرية الواعدة في مجال الإلقاء وهو هزاع العبري، بالإضافة إلى قراءات شعرية للشعراء المكرمين وضيوف المهرجان من داخل السلطنة وخارجها.
كما تضمن برنامج المهرجان جلستين صباحيتين، حيث شهدت الجلسة الصباحية ليوم الاثنين الموافق 17 ديسمبر قراءات وشهادات في تجارب الشعراء المكرمين. فيما شهدت الجلسة الصباحية ليوم الثلاثاء 18 ديسمبر أصبوحة شعرية لضيوف المهرجان.
أما الجلسات المسائية لأيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء فاشتملت على قراءات لبعض ضيوف المهرجان إلى جانب الشعراء المشاركين في المهرجان، بواقع خمسة شعراء في المجال الفصيح وخمسة شعراء في المجال الشعبي في كل أمسية.
واختتم المهرجان فعالياته مساء الخميس 20 ديسمبر بكلمة للشعراء المشاركين وتقديم موهبة شعرية واعدة، وعرض فيلم وثائقي عن يوميات المهرجان، إلى جانب تكريم المشاركين.
يشار إلى أن المهرجان في دورته الحادية عشرة، قد كرم في الشعر الفصيح كلٌّ من الشاعر الراحل الشيخ سليمان بن خلف الخروصي، والسيدة تركية بنت سيف البوسعيدية. أما في مجال الشعر الشعبي فكرم كلا من الشاعر الراحل حمد بن عبدالله الخروصي والشاعر أحمد بن محمد مسلط السعدي.