مقالات

الوجه المشرق لجائحة كورونا

محمد بن سليمان الهطالي
msk105175@gmail.com

يقول صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه “إن المستقبل المشرق المحقق للتقدم والنماء والسعادة والرخاء لا يُبنى إلا بالهمم العالية والعزائم الماضية والصبر والإخلاص والمثابرة” (المحرمي، 2017).
استمرارية الحياة وتقدمها لن يتوقف مهما كانت الظروف، فعجلة الزمن لا تؤمن بتقلبات الحياة وظروفها ولن تتوقف لتنتظر تحسن الأحوال، بل تمضي وتتعدى وعلينا السير الحثيث خلفها والتكيف مع الظروف وصُنع البدائل التي تساعدنا على المواكبة.
من المعلوم أن جائحة كورونا قد أثرت على حياة الناس في كافة الأصعدة الاجتماعية والإقتصادية والنفسية والثقافية، وإنّ تحمل صدمتها يعتمد على قوة صمود هذه العوامل، فمع الزمن وزيادة الضغط سرعان ما تتفكك هذه العوامل حسب قدرتها على هذا التحمل.
التباعد الاجتماعي لا شك أن تأثيره كبير على الناس فهناك من لا يتحمل البُعد حيث أن كلمة الناس جاءت من الأُنس مع الغير لذا فهم عليها قائمون، والتباعد تسبب في معاناة الكثيرين من فقدان لقاء ذويهم وخاصة الوالدين، والقدرة الاقتصادية بدأت في الوهن شيئاً فشيئاً لدرجة عدم التحمل ورأينا الكثير من مظاهر التسريح من الوظائف والكثير من الخسائر لدى الشركات، بل وصل الحد لعدم قدرة هذه الشركات منح الرواتب لموظفيها، ولا يقل الأمر سوءاً على مستوى الأعمال الحرة حيث جمود السوق وقلة الحركة الشرائية في الكماليات والخدمات تسبب في جائحة اقتصادية أخرى وقعت على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كذلك.
العوامل النفسية هي الأُخرى لعبت دوراً كبيراً في الأزمة استنهض العاملين في المجال النفسي لبث روح العزيمة وتقوية الذات لدى الأفراد، فتحمل وقع الإصابة بالمرض يعتمد على الحالة النفسية للأفراد فمنهم من يكون وقعها عليه خفيف وليس لديه الكثير من القلق وقوة المواجهة لديه عالية، في المقابل منهم من يستنفر نفسه قلقاً من كل شي حوله قد يكون ناقلاً للفيروس أم لم يكن يتوجس من كل شي إن أُصيب بسعال بسيط ينهار خوفاً ويسلم نفسه للقلق والتفكير.
التأثير ضرب بقوة المؤسسات التربوية لدرجة الاستنفار في البحث عن البدائل التي لم تكن استجابتها جيدة لبعض المؤسسات وخاصة في مرحلة التعليم المدرسي مما أدى إلى توقف التعليم وتصدير النتائج وانهاء الدراسة بحالة الفصل الدراسي الأول، بينما هناك مؤسسات أخرى وخاصة الجامعية منها تمكنت من التعايش ولو بدرجة معقولة لإكمال ما تبقى من العام الدراسي، كل هذه العوامل لها تأثيرات إيجابية وسلبية ساهمت في خوض التجربة التعليمية عن بُعد من جهة، وشكلت الضغط على الطلبة والمعلمين في مواجهة التقنية والخطط التعليمية البديلة من جهة أخرى.
لا يختلف اثنان على تلك التأثيرات والعوامل المُرهقة للكثيرين، والمُريحة للبعض من حيث البقاء في المنزل لفترة لم يسبق لهم أن استمتعوا بذلك مع أُسرهم، والناظر للوهلة الأولى أن السلبيات طغت وأرهقتنا كثيراً بلا شك خاصة مع الخوف من فقدان عزيز لدينا بسبب تلك الجائحة، إلا أنه مع ذلك ليس هناك أزمة إلا ولها وجهٌ مشرق يساهم في بناء العقول وتهذيب النفس والإنابة والتفكير ومراجعة الذات، هذا من الجانب الروحي، وهناك وجهٌ للجانب الحياتي من قبيل تعلم مهارات جديدة في الحياة لم نكن نفكر في تعلمها، وهنا سأسرد بعض المواقف التي تناقلها البعض من جوانب مشرقة ساهمت في تنمية الذات لديهم.
وجد البعض أن مسألة اغلاق المحلات التجارية والصناعية ستساهم في شلل كبير في تسيير حياة الأفراد خاصة مع ملازمتهم المنازل وعدم الخروج إلا للضرورة، فكيف سيتمكنون من حلاقة شعر رأسهم مثلاً، كيف سيتعاملون مع الأعطال المنزلية المستمرة الميكانيكية والكهربائية، كيف ستسير أمور حياتهم الأخرى التي كانت تعتمد على المؤسسات المغلقة.
إلا أنه مع الاستمرار في التشديد على الخروج من المنازل والتشديد في إجراءات غلق المحلات التجارية شيئاً فشيئاً بدأ الناس التفكير في صناعة البدائل تعلموا الحلاقة رغماً عنهم لدرجة أنها أصبحت ممارسة بسيطة يتقنونها ويتفننون فيها وزالت عنهم رهبة التجربة، تعلمت النساء الحياكة فحاكت أجمل الملابس وأزهاها، تعلم الرجال الأعمال الميكانيكية والكهربائية التي لم يمارسونها من قبل، نشطت متابعة الفيديوهات التعليمية والاستفادة منها لدرجة أن عزم البعض على الإستمرار رغم فتح المؤسسات التجارية، طبخت النساء ألذ المأكولات وصنعت الخبز والحلويات، نشطت الأعمال اليدوية المنزلية لصناعة المنحوتات الجميلة والتفنن في الرسم واللوحات الجميلة.
توجه الكثيرين لحدائق منازلهم شاركتهم في ذلك النساء في الاهتمام بزراعة الشتلات والبذور والنباتات الموسمية سعياً للاكتفاء الذاتي من هذه المنتوجات اليومية لضمان نظافتها وخلوها من الملوثات وذهب البعض لأبعد من ذلك في بيع المنتوجات وانفتح لهم باب رزق في ذلك.
جوانب مشرقة أخرى تجلت في وفرة المنتوجات الموسمية المحلية في الأسواق، والكثير من الجوانب الإيجابية التي ظهرت على مستوى الدولة، إلا أننا نركز على الجوانب الفردية لنأتي على النشاط العالي للدورات التدريبية الافتراضية عبر البرامج والتطبيقات المختلفة، فأصبحت هذه الدورات متاحة أكثر من ذي قبل ساهمت في الوعي بالكثير من الجوانب لدى الأفراد ولا تزال ثمارها مستمرة، والاجتماعات التي لم تتطلب عناء السفر لحضورها أصبحت من المنزل وبكل وضوح.
يقول الروائي الفرنسي أناتول فرانس “ابحث انت عن المعرفة، فالمعرفة لا تبحث عن أحد” هذا ما أود قوله في حقيقة الأمر أنه ليس هناك ما يصعُب علينا إلا ما نتوجس تجربته والسعي إليه، فمن أزمة أرهقتنا في البداية تعلمنا منها الكثير أن الحياة لن تتوقف وأن ما نراه مستحيلاً يمكن تعلمه بسهولة مع الإصرار عليه، وأن البحث عن البدائل لا يجب أن يتوقف حتى نواكب ما نطمح إليه.
إن التخطيط المستقبلي يجب أن يتخذ من الماضي والحاضر عِبرةً وعظة يصنع منها أهدافاً مستقبلية لمعيقات قد نتعرض لها، تأتي فكرتها أي الأهداف كبدائل حين تواجهنا أزمة كهذه التي تعرضنا لها دون مؤشرات سابقة لوقوعها، إنما نحن من يجب أن نخطط لظروف متوقعة ونتعلم من الماضي أن الأزمات لا تُنتظر بل نستعد لها في أي وقت وأي زمن.
وفي الختام يقول ألبرت أينشتاين “التعليم هو ما يتبقى للإنسان بعد أن ينسى كل ما تعلمه”، هكذا هو الأثر ما بقي لدينا من الكثير من التعليم وهو أشبه بالأزمات التي نمر بها رغم مرارتها وقسوتها علينا كبشر إلا أن هناك دائماً جوانب مشرقة هي من تبقى آثارها في نفوسنا نتعلمها فتبقى لأنها جاءت عن رغبة شديدة في تعلمها، ولابد أن نتعلم كيف نفكر وليس في ماذا نفكر، فلا نستغرق في التفكير بما حل علينا من أزمة إنما نفكر كيف نخرج منها وكيف نتعلم منها وكيف نحولها إلى جانبٍ مشرق.


المراجع
المحرمي، زكريا بن خليفة (2017). خطابات السلطان. مسقط: مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر والإعلان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق