مقالات
لكن نسيت
حمدة بنت سعيد الشامسية
hamdahus@yahoo.com
كنت أراجع دفتر مذكراتي قبيل أيام – عادة رافقتني طوال حياتي – استوقفتني كثيرا عبارة كنت أكتبها تحت ما كان يمثل لي في تلك الفترة من حياتي (إنجازات خارقة)، كنت أعدها في قائمة المستحيلات، وما أكبرها من قائمة آنذاك، لفتاة بدوية، كان أقصى ما تحلم به هو ركوب سيارة من تلك التي كانت تشاهدها تعبر بلدتها ذهابا وإيابا بين البريمي وعبري مركزي التجارة في المنطقة آنذاك، لكن ما تحقق بعدها، كان مخالفا للتوقعات، وأولها توقعاتي أنا، إنجازات أجدها اليوم (تافهة) لم تستحق كل تلك الاحتفالية، وكل تلك (الربشة) التي رافقتها.
عبارة مثل (إنه يوم تاريخي سيظل محفورا في الذاكرة ما حييت) كشفت لي الأيام أنه كان بيتا رمليا عصفت به السنون سريعا ولم يبق له أثر في ذاكرتي ولولا عادة كتابة اليوميات التي اكتسبتها طفلة ما كان ممكنا أن أعثر على أثر لهذه (الانتصارات) العنترية.
ركوب السيارة لأول مرة في حياتي، كان أول انتصاراتي التي كتبتها في أول تجربة لكتابة قصة حياتي، التي تخيلتها ستكون مثيرة للغاية، ستكون صالحة لأن تتحول إلى فيلم سينمائي من بطولة ممثلي المفضل (رشدي أباظة) كانت لأول المستحيلات التي تحققت، مثلها مثل رؤية البحر على الطبيعة بعد سنوات من أحلام اليقظة التي داعبت أحلامي بأن أطارد أمواجه، كان انتصارا خارقا وضعت تحته ثلاثة خطوط، وكتبته بلون أحمر، حتى أصدق أنه تحقق فعلا، بقائي على مقاعد الدراسة حتى الثانوية العامة، وأنا أرى زميلاتي ينسحبن الواحدة تلو الأخرى إلى عش الزوجية، وأنا أضع يدي على قلبي بانتظار الدور، كان انتصارا سكبت عليه الدموع أنهارا في غير تصديق.
إلا أن ما هالني فعلا هو كم كانت أحلامي صغيرة، وكم كانت خطط الكريم المنان لي كبيرة، فاقت كل توقعاتي، فإكمال الثانوية العامة تحولت إلى بعثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتغيّر حياتي وحياة الكثيرين ممن تشابكت حياتي معهم بشكل مذهل، وظيفة (المذيعة) التي حلمت بها تحوّلت إلى (رئيس وحدة)، وكاتبة عمود تلامس كتاباتي حياة الآلاف من البشر، حلم السيارة تحول إلى طائرة تجولت فيها بين القارات الخمس.
اليوم وأنا أضع هذه العبارة أمام حلم (كبير) تحقق، أتساءل بيني وبين نفسي، ترى ما هي الخطة الأكبر التي رسمها لي الكريم المنان في هذه القصة المثيرة التي تُدعى (حياتي)، إذ إنني ما زلت أكتبها لكن يراودني يقين بأن ما يخبئ لي القدر أكبر بكثير مما حلمت به، أمر جعلني مع مرور السنوات أتجرأ بوضع أحلام كبيرة لنفسي ما كنت أتجرأ مجرد التفكير فيها قبل ذلك، فقد وعيت فعلا معنى تسخير الله جلت قدرته السماوات والأرض وما بينهما لي، وهو يجعلني وبني جنسي خلفاء له على هذا الكوكب، تبارك ربي الكريم المنان.