أخبار اللبان

“سوار زهر” لعهود الزيدي: حكايات ونصوص بملمس الماضي وشغف الإنسان 

لا تبتعد الكاتبة عهود الزيدي عن أجواء نصوصها حينما تضع الإهداء “إلى الزمن.. الذي عبرني، ولم أعبره” فالكاتبة ابنة العشرينيات تمضي بخطو من عاش أكثر من حياة، وهي تلتقط تفاصيل الماضي لتكتبها حكايات تتحدث عن مفردات القرية والقيظ، فيما تكتب في نصوص أخرى عن المدينة، متنقلة في كتابها الأول “سوار زهر” بين أكثر من لون أدبي، منحازة إلى الكلمة ترسم بها ملامح من حياتها، وعلاقتها بالمجودات من حولها.

تقدم الكاتبة كلمة “شكرا” لمن ساندها، ولعائلتها “المُحبة جدا، العميقة جدا”، ولأبيها “موجّها، وناصحا، وحياة”، ولأمها “ترفا، وملجأ، وأمانا”، والكثيرين ممن شكّلوا في حياتها معنى: “‏شكرا لابنتيّ.. أنفاسي، وبلسمي، وزهر عمري. ‏شكرا لكل من مر وغرس رياحينه في طريقي.. ‏شكرا لمن أحكم قبضته.. ‏وأبى أن يفلتها وإن عصفت الرياح. ‏شكرا للداعمين دوما.. ‏المحفّزين.. الناطقين جمالا.. ‏المتحدثين موسيقا..  والعازفين لحنا شجيا. ‏شكرا للمواقف التي صنعتني.. ‏ وبثت بداخلي عظيم الصبر. ‏مساحة شكري، وامتناني لكل من يمر على كتاباتي.. ‏ويُبقي شيئا من حروفه تفوح شذا.. ‏تعطّر الفؤاد، والفكر، والأفكار”.

ويضع الروائي محمد بن سيف الرحبي تقديما للإصدار تحت عنوان: ما كتبته الـ (عين) يشير فيه إلى أن المؤلفة”تكتب عن تفاصيل صغيرة منسية، فتتحول إلى أشجار كبيرة في مخيلتنا، وترسم أخرى نعيشها دون أن نتلفت إليها، فتغدو بحيرة ممتدة، لكنها لا تعرف السكون، كون أن الكاتبة عهود الزيدي قد ألقت في مياهها الراكدة صخرة حركتها دوائر، تبدأ صغيرة، ثم تكبر وتكبر، إلى أن تكون على أقصى نقطة في حواف الماء”.

ويرصد الرحبي في “سوار زهر” البعد التصويري لدى المؤلفة، يقول: “تتحول الكلمة إلى آلة تصوير، لكنها ليست محايدة، ومع الكاتبة عهود الزيدي يكون للصورة وقع آخر، جرىء، يهوي صادما أمام الوجه، هذا الوقع/ الواقع المصاب به البسطاء في حياتهم المعقدة والصعبة، لكنه يتحول مع البعد التصويري للمؤلفة إلى عالم من المتضادات والمتناقضات، هي الصورة التي تنقل إلينا حكايات الطفولة في سلالنا الخوصية بين جبالنا وقرانا، لتلقينا بعدها في مكابدات المدن وحياتها، وانكشافاتها على مسارات بها من الصدمات ما يجعلنا ننضج رغما عنّا، كالثمرة التي تحرقها الشمس، ونحسبها حين تسقط بأنها بلغت مرحلة متقدمة من النضج”.

تنوّع الكاتبة عهود الزيدي، تتنقل من القصة القصيرة إلى القصة القصيرة جدا، ومن النص النثري إلى الآخر المازج بين الحكاية ولغة الشعر، مقتربة حينا من المقال لتعبّر عن نفسها بتلك اللوحات التي ترسمها عبر الكلمات، ففي نص “سوار زهر” تكتب حكاية من تلك الطفولة، حيث تجمع زهرات نبات يكثر في قريتهم، فتصنع منه إسوارة، وعرفت لاحقا أن أوراقه سامّة، وفي نص “صلّوم” ترسم حكاية تلك الفتيات التي كانت إحداهن، حينما يجمعن حبّات النبق فيصنعن من نواتهن الصلبة لعبتهن الخاصة.

ومن النصوص التي اقتربت من قصيدة النثر نقرأ لها:

افتقدك
كطوفان يمدّ أذرعه..

يُغرق شتلاتي الصغيرة..

ويرجعني إلى سيرتي الأولى..

أرضا خصبة!

**

‏‎لا أملك خيارا،

أمام مجرّة حضورك،

قلبي جرم،

لا يدور إلا في فلكك.

وتقارب أحيانا بين القصة والنص الشعري، تكتب في أحد المقاطع:

قال لها: “جئتك ممتلئا”.

لم تُدرك حينها معنى الامتلاء.

ولاحقا وجدت نفسها:

 كـ.. ورقة أسقطها الخريف على رصيف..

رصيف.. ذو حواف حادة!

تركها.. فارغة.

وتقول في نص آخر:

كانت المرة الأولى التي تقطع فيها الشارع دون الإمساك بطرف ثوب أمها.

أكلت الشمس وجهها..

قبل أن تصل إلى وجهتها.

ومن القصص القصيرة جدا نص بعنوان “غصّة”:

تنظر إلى أبيها من الزجاج الخلفي للسيارة التي تقلّها للمدرسة، بعد أن توقفت بمنتصف الطريق نتيجة عمرها الافتراضي الذي انتهى من سنين عدة. ترمقه مشفقة يجفف عرقه، ففاضت عيناها بالدمع، تعلقت غصّة مرة في حنجرتها: “لماذا خلقنا فقراء؟!”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق