الثقافي

بدرية البدري: إننا نكتب لنحيا

تراهن على الكتابة كخيار للحياة في بعدها الجمالي والإنساني العميق. تكتب الرواية بشغف كبير، إذ أصدرت حتى الآن روايتين حظيا باهتمام القراء والنقاد على السواء، وهما (ما وراء الفقد) و(العبور الأخير). كما تكتب الشعر الفصيح، ولها حضور بارز في هذا الميدان، إلى جانب الشعر الشعبي الذي تكتب فيه بإتقان كبير جعلها إحدى أبرز كاتبات الشعر الشعبي في السلطنة. إلى جانب ذلك لها تجربة في الكتابة للأطفال، وكذلك خاضت تجربة الكتابة الدرامية حيث شاركت في كتابة حلقات أحد المسلسلات المحلية. إنها الكاتبة بدرية البدري، التي التقتها (التكوين) في هذا الحوار الذي كشفت فيه جوانب من تجرتبها في الكتابة ورؤاها في الحياة والإبداع بشكل عام.

 

ــ تتنوع تجربتك بين الشعر الفصيح والشعر الشعبي والرواية، وغيرها من المجالات الإبداعية … ما الذي يجعل المبدع يلجأ إلى كل تلك الخيارات الكتابية؟

لا يملك الكاتب أي خيار أمام الكتابة، أينما وجهته توجّه راضياّ مرضيّا، إن تلبّسَهُ الشعر رأيته شاعراً، وإن راوده النثر انصاع له وكأنه لم يكتب الشعر يوماً. هكذا مع كل قصيدةٍ أكتبها أشعر بأني خُلقت شاعرةً فقط، وكلما تعمّقت في كنف الرواية خُيّل إليّ أنني لن أكتب الشعر مجدداً وسأكتفي بهذا العالم الذي يأخذني إليه طواعية.

 

ــ رغم تباين أشكال التعبير لديك إلا أنه بكل تأكيد يظل أحدها أكثر قربا والتصاقا بالروح .. فأيها الأقرب إلى قلب بدرية البدري، الشاعرة أم الروائية؟

الأمر لا يتعدّى كونه حالة شعورية تتلبّس الكاتب فلا تضع أمامه خياراً إلا اتبّاعها، ولو كان الأمر بيدي لكتبت كل ما استطعتُ إليه سبيلاً من الأدب: بدءًا بالشعر إلى الرواية وأدب الطفل، وربما أني تمنيت لو أصبح ناقدة ومعلمة أدب. طموحي الأدبي لا يتوقف عند حد، ونهمي بالأدب يسلبني من كل شيء حولي.

 

ـ ثمة ملمح شعري في لغتك السردية .. إلى أي مدى يمكن أن يتحكم الشاعر في انفلات اللغة ليفصل بين الشعري والسردي؟

لا أظن أن اللغة الشعرية عيب في اللغة السردية الروائية، من منا لم يعشق لغة أحلام مستغانمي الشعرية في رواياتها؟ أتمنى أن أكتب رواية تصل لمستوى القصيدة الشعرية الطويلة في شاعريتها، بحيث لا يمل القارئ من سرد أي تفصيل في لحظة من اللحظات، أعلم أن المسألة ليست سهلة، ولكنني أحاول جاهدة أن أكتب ما لا يُنسى.

 

ـ تدور مضامين عمليك الروائيين بين الفقد والاغتراب .. هل ثمة تأثير خفي أو لاشعوري تمليه الحالة النفسية للمبدع لاختيار الفكرة أو مضمون العمل الروائي؟

نحن نرى الموت في كل لحظة، نرى التشرد والاغتراب يحومان حول البشرية أينما توجّهت، لم يعد بالإمكان الانفصال عن الفقد بشتّى أنواعه وكافة هيئاته.

الألم في واقعنا أصبح من الضخامة بحيث لا يمكن تجاهله وتخطّيه، إنه يقف أمامنا كماردٍ يسد علينا منافذ الحُلم، ولكنني أحاول أن أخلع عنه ثيابه السوداء وألونها بأحلامي وأمنياتي لهذا العالم، أن أخبر الجميع أن للحياة معابر عدة، وأننا وحدنا من نختار المنافذ التي نعبر منها إليها، سواء كان فرحاً أم حزناً، فالحياة لا تتوقف، والأقدار ماضية حسب ما هو مقدر لها، وعلينا ليس تقبل ما يحدث معنا فقط، بل تجاوزه لما نريد ونتمنّى، أقدارنا هي صنيع أيدينا، فليختر كلٌّ منا لحياته ما شاء من أقدار.

 

ـ عودا إلى الشعر .. يلحظ أن هناك تراجعا في التجربة الشعرية النسائية لدينا في السلطنة، حيث تتوقف وتختفي الأصوات الشعرية النسائية دون سابق إنذار .. إلى أي الأسباب تعزين هذه الظاهرة؟

غالباً ما تكون الالتزامات الأسرية هي السبب، وأحياناً تواجه الشاعرة بعض المضايقات في الساحة تجعلها تنسحب، وأحياناً أخرى تكون التجربة غير ناضجة وتتوقف عند مستوى معين لا يمكنها الاستمرار بعده. وربما تصل الشاعرة لقناعة أن لا جدوى مما تكتب وأن الرسائل التي تكتبها لا تصل فتقرر التوقف. الحديث في هذا الجانب لا ينتهي كما أحب، لذلك أفضل الوقوف هنا.

 

ـ أمام هذا الإحباط على المستوى العام وعلى مستوى المشهد الثقافي .. هل يراودك أي تساؤل عن جدوى الكتابة والتضحيات التي يبذلها المبدع؟

نحن نكتب لنحيا، الشعر والكتابة بشكل عام بمثابة طوق نجاة أتشبث به لأظل على قيد الحياة/ الحلم. تواجهني الكثير من الصعوبات، والضغوطات الكثيرة أحياناً خاصة في العمل بحيث لا يُتاح لي المشاركة في الكثير من الفعاليات الأدبية، إلا أنني أظل على قيد الشعر والكتابة أبداً. كل هذه الصعوبات ليست إلا أحجاراً يجب أن لا أتعثّر بها، وإن تعثّرت فسأقف. هكذا علّمتني الحياة.

 

ــ لديك تجربة في كتابة قصص الأطفال، هل تنوين الاتجاه لهذا الأدب؟

أدب الطفل صعب جداً، ثمة شعرة فاصلة تقف دائماً بين ملاءمة القصة للطفل وعدم ملاءمتها له. لا أدري لماذا أحلم بأدب طفلٍ بمستوى لغوي عالٍ، ربما لأنني أجد في أطفالنا الثقافة والوعي أكثر مما كنا عليه في طفولتنا. وربما لأننا نحن من نصنع هذه الثقافة وننميها لدى أطفالنا.

 

ــ (أتخيّل وأكتب) مبادرة بداتِها مع طلابكِ ـ كونكِ معلمة ـ وخرجتِ بها للمجتمع في محاولة لاستكشاف المواهب الأدبية، كيف بدأت هذه المبادرة؟ وكيف تقييمينها الآن؟

ما أحاول فعله هو اكتشاف هذه المواهب، وبالفعل أجدني استطعت توجيه بعض الأطفال لكتابة القصة القصيرة بدءًا من خيالٍ بسيط. طبّقت المبادرة على أطفال في سن التاسعة والعاشرة، وطالبات في سن الخامسة عشر والسادسة عشر، طبعاً الخيال والمستوى القصصي يختلف بين الفئتين العمريتين.

أشجع هؤلاء الموهوبين بالتواصل مع وسائل النشر الصحفي والنشر لهم، ومن ثم شراء المجلات والصحف وتوزيعها عليهم للاحتفاظ بها للذكرى، لعلها تكون حافزاً لاستمرارهم في الكتابة. ربما لم يتخيّل هؤلاء أن يكتبوا ويُنشر لهم يوماً ما، ولكنهم فعلوها، كتبوا ما يستحق النشر.

من يدري؛ لعل خيال اليوم يصنع مبدع الغد. وهنا أقولها لكل ناشئٍ يجد في نفسه القدرة على الكتابة، بقلبي متسعٌ لأحلامكم، وسأكون لكم خير معين، قدر استطاعتي.

 

ــ حدثينا عن تجربتك في كتابة السيناريو، فقد شاركتِ في كتابة سيناريو مسلسل (الفرقة 9) الذي عرض في رمضان 2015؟

كتابة السيناريو تجربة استثنائية جداً، صعبة وممتعة بذات الوقت، في البداية وجدتني أعيد كتابة الحلقة أكثر من مرة، بناء على ملاحظات المخرج، بعدها أصبح الأمر أكثر سهولة.

كتابة السيناريو تفرق كثيراً عن السرد الروائي، يصبح عليك أن تحدد الوقت بدقة، وأن تختلق الأحاديث المسموعة التي تكون أغلبها ذهنية في السرد، أن تصف كل مشهد بتفاصيله الصغيرة جداً، ولكنني استمتعت  جداً وأتمنى لو أكرر التجربة مراراً.

 

ملاحظة: نص الحوار كاملا في عدد شهر يوليو 2017م.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق