غير مصنف

قاضي.. وأين الاستئناف!

يعقوب بن محمد بن غنيم الرحبي 

من الأمور المحرمة قانونيا، إصدار أي حكم غيابي متسرع على أي قرار وتتبعه أصوات بين معارضة ومؤيدة، دون استعراض الملف والاستماع من أصحاب الإختصاص، لذلك نرى اليوم أحكاما تصدر من قبل الكثير من الناس على عدم صحة قرار إلغاء ربط الأجور بالمؤهلات العلمية بالقطاع الخاص..

وهذه الأحكام التى صدرت للأسف الشديد من قبل أشخاص لم يتمكنوا من قراءة القرار بصورة عميقة ودقيقة من كل جوانبه، كي تتضح معرفة مضمونه وما يحمله من سلبيات وإيجابيات، فأنا هنا لست بصدد الدفاع عن القرار، الكل على يقين تام بأن بعض القرارات التى صدرت من وزارة القوى العاملة سابقا، لا تصب في مصلحة القطاع الخاص أو الباحثين عن العمل، وسببت تلك القرارات تراكمات كثيرة وعرقلت سير العمل في أمور مختلفه، لكن مما يجب علينا اليوم ونحن نتناول ونعرض قضية من أهم القضايا التى تؤرق العالم بأكمله، إن لم يكن هناك إدراك من قبل الشباب بأهمية الوطن ومقدراته فهذه القضية بلاشك قنبة موقوتة، هي قضية الباحثين عن العمل.

 يتوجب علينا أن لا نتعجل في إصدار الحكم على أي قرار، بفشله أو نجاحه قبل معرفة محتواه ومنافعه وتطبيقه على المدى القريب أو البعيد، القرار الصادر مؤخرا من وزارة العمل المتعلق بالغاء ربط الأجور بالمؤهلات العلمية للأسف لم يتم تفسيره تفسيرا صحيحا من قبل الكثيرين، كانت النظرة سلبية أكثر ما تكون، مع أن القرار يحمل إيجابيات متعدده، أولها :لاشك بأن الجميع يضع جل أهتمامه ونصب عينيه الباحثين عن العمل، وهذا ايضا من  أولويات الحكومة، ومما لا يعلمه الكثير بأن هناك ربط بين وزارة العمل حاليا والهيئة العامة للتأمينات الإجتماعية والقطاع الخاص، وإثناء إعداد عقد عمل لأي باحث عن عمل، لا يسمح بإعداد هذا العقد  إلا  بالراتب والأجر المقيد في هذا الربط، وإن اتفق الطرفان الباحث عن العمل وصاحب العمل على أجر أقل من المربوط يُرفض العقد تلقائيا، مما يجعل الشركة تَرفض تشغيل هذا المواطن نظرا لعدم وجود عقد رسمي، كما أن الشركة لا توافق بإعداد عقد عمل بأجر أكثر من المتفق عليه، خوفا من أن يتقدم هذا الموظف لاحقا بالمطالبة بفارق الأجر، لذلك هنا تحصل الإشكالية ويُرفض هذا الباحث لأنه لا يمكن إعداد له عقد عمل، ولا يمكن للشركة أن تقبل تشغيله دون عقد عمل، وفي نفس الوقت الشركة ليست لديها الإمكانية أن تعطية منذ الوهلة الأولى الأجر المربوط، حتى يتدرج في وظيفته، الآن هذه الإشكالية تقريبا تم  معالجتها بهذا القرار.

ثانيا: أعطى القرار فرصة كبيرة لتشجيع القطاع الخاص لتوظيف أكبر عدد من العمانيين وبالأخص من أصحاب المؤهلات الجامعية، الذين كانوا عقبة أمام القطاع الخاص من حيث الرواتب و الأجور المقيدة، فالقرار أتاح فرصة التفاوض والإتفاق على الأجر الذي يرضي الطرفان، ولن يكون هناك عذر أمام القطاع الخاص في عدم توظيف القوى العاملة الوطنية، لأنه بجانب هذا ملتزمة الشركة بخطة نسبة تعمين المقررة لكل نشاط  .

ثالثا: القرار لا يعني المساواة في الأجور بين حملة المؤهلات العليا بغيرهم، لكن أتاح مرونة أكثر لقبول عروض التوظيف التى تقدمها الشركات وإن كانت هناك فوارق بعض الشي في الأجور المقررة، إلا أنه شرط أن لا يقل عن أخر مربوط 325 ريال، وهذا  لا شك أفضل للباحث من أن يبقى رهين البيت ينتظر الوظيفة في ظل هذه الظروف الإقتصادية والمتغيرات  الصعبة التى يمر بها العالم، والتى ألقت بثقلها على الإقتصاد العالمي، مما جعل القطاع الخاص يمر بتحديات صعبة، جعلته عاجزا عن الإستمرار في توظيف الأيدي العاملة الوطنية، والحكومة ليس بإمكانها أن تستوعب توظيف أكثر مما هو مقرر، وفي نفس الوقت لا يمكن أن تُحمل القطاع الخاص الجمل بما حمل، وهي تدرك التحديات التى تواجهه، وتعلم بأن القطاع الخاص هو شريان الإقتصاد لكل دولة.

رابعا : ما لا يدع مجالا للشك بأن القطاع الخاص حقيقة قطع شوطا كبيرا وساهم مساهمة كبيرة بالوقوف جنبا إلى جنب مع الحكومة، في خلق فرص عمل  للمواطنين الذين بلغ عددهم ما يقارب من 240 الف في أخر إحصائية صادرة من الهيئة العامة للتأمينات الإجتماعية المقيدين لديها، ولا شك أنه مطالب اليوم بأكثر وفق الإمكانيات، كما أن  الموظفين الجادين والمؤهلين بالقطاع الخاص يتقاضون علاوات متميزة، رغم أن بعضهم ليسوا من حملة الشهادات الجامعية، إلا أنهم يتمتعون بمميزات لا تجدها حتى في القطاع العام، وأهما الأجور والتأمين الصحي لعلاج الموظف وأسرته في أرقى المستشفيات الخاصة، وكذلك بعضهم يتم توفير لهم سيارة مع الوقود، كما أن البعض ممن يعملون في الصحراء يحصلون على أسبوعين عمل مقابل أسبوعين إجازة، ناهيك عن الإمتيازات الأخرى، وهذه لربما ما لم يحصل عليها كبار الموظفين  بالقطاع العام، ولا تجدها في كثير من دول العالم، مطلوب من الموظف العماني اليوم أن تكون لديه ثقافة العمل ويثبت وجوده ويبرز طاقاته .

خامسا: من الأمور التى يجب أن تضع بعين الاعتبار وتعرض للنقاش هي دعم الشباب ومساندتهم في إنشاء مشاريعهم الخاصة وإستغلال الموارد الوطنية بشكل صحيح وبطريقة أفضل، من خلال تذليل العقبات وتسهيل الإجراءات وإعفاء حملة بطاقة ريادة من بعض الرسوم وأن لا تخضع مؤسساتهم كغيرها للضرائب، ونسبة التعمين وضريبة الدخل ومطلوب دعم معنوي ومادي، وعلى الإعلام أن يسلط الضوء ويلعب دورا كبيرا في حث وتشجيع الشباب من خلال إبراز مواهبهم وقدراتهم، وأن تتبنى المؤسسات إبتكاراتهم، هذا الذي يجب أن يكون محل نقاش اليوم في مجلس الشورى وغيره من المجالس والنقابات، كي يستطيع الباحث عن العمل أن  يتحول إلى صاحب عمل ويكون منتجا في المجتمع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق