العام

حمد الراشدي: أسعى إلى تطوير مشروع زراعي متكامل للإنتاج المحلي

الأرض تعطي من خيراتها دون مقابل، وحمد بن حمود الراشدي، صاحب مشتل المربعات الخضراء، يعطي الأرض على قدر عطائها، حيث نشأ وترعرع على حب الأشجار، تولّى الاهتمام بمزرعة والده منذ الصغر، وحوّل منطقته، حيث يسكن في ولاية السيب، إلى جنة خضراء مزدانة بالأشجار.
شاءت الأقدار أن يعمل في وزارة الزراعة والثروة السمكية، بقسم البحوث الزراعية، عمل في هذا المجال لـ 23 عاما، سنوات مكللة بالنجاح وهو ينهل من التجارب والخبرات والمعارف الجديدة حول الزراعة، بعد خروجه للتقاعد أكمل المشوار بامتلاك مشتل خاص به. للتكوين حديث شيّق مع أفكاره وتجاربه وطموحاته العالية، في السطور الآتية.

حوار: أنوار البلوشية 

عملت في وزارة الزراعة والثروة السمكية لسنوات طويلة، ما الاستفادة التي خرجت بها من خلال عملك في قسم البحوث الزراعية؟
قسم البحوث الزراعية تتفرع منه عدة أقسام، حيث كنت أنتقل بين الأقسام على اختلاف تخصصاتها كالنحل والغابات والفاكهة وقسم المشاتل، والآفات الزراعية والوقاية والسميات، وجميع هذه الأقسام استفدت منها كثيرا، بسبب تخصص كل منها في مجال معين، واستفادتي من وجود المهندسين وأصحاب الخبرات في كل قسم. كنا نعمل في تجارب كثيرة، أبرزها في قسم الغابات مع المهندس سعيد العلوي، وبأوامر سامية من حضرة صاحب الجلالة أنشأنا غابة في صحار وأخرى في الكامل، وفي عبري ما زالت موجودة غابة «كبارا». الهدف من فكرة الغابات إيجاد مراعٍ للحيوانات وتلطيف الجو، ولإحياء الأشجار العمانية الآيلة للاندثار، كالغاف والسدر العماني، والشيوع والأثل، وغيرها من الأشجار العمانية التي حاولنا زراعتها وإنتاجها في هذه الغابات تحت مظلة قسم البحوث الزراعية، فهي رائدة في مجال الغابات، وبشكل خاص كان المهندس سعيد العلوي من مؤسسي قسم الغابات في البحوث الزراعية. والبحوث الزراعية الرائدة في إنتاج أنواع جديدة من الخضار، والبذور المختلفة كأنواع الحشيش الذي يتحمل الملوحة وأشجار الفاكهة. كما استطاعت البحوث الزراعية حل مشكلة مرض الرمان الذي ساد في منطقة الجبل الأخضر والقضاء عليها، وكذلك تقوم بإرشاد المزارعين في طرق الري الحديثة والتسميد وغيرها.
من زنجبار وبيمبا
حدثنا عن الأراضي الزراعية في سلطنة عمان والتي تصلح فيها إقامة المزارع وإنتاج النباتات؟
توجد في السلطنة أراضٍ شاسعة وتتنوع فيها التضاريس وتختلف فيها المناخات، فعلى سبيل المثال محافظة ظفار يمكن أن تزرع فيها المحاصيل الاستوائية، فالشتلات المتواجدة في الهند وتايلند يمكن أن نقوم بتجارب مثلها بصلالة. ومنطقة الجبل الأخضر يمكن فيها تجربة زراعة الشاي والورد والتفاح والمشمش والخوخ والزيتون، وبالإمكان إدخال فصائل جديدة من الشتلات في الجبل الأخضر وصلالة. أما في محافظة الباطنة فإنتاج الموز له مردود عالٍ، كما تشتهر الباطنة بزراعة المانجو. فالسلطنة بها أراضٍ شاسعة للزراعة، وهناك قابلية كبيرة لجلب شتلات من الخارج وتجربة زراعتها في السلطنة. حاليا أملك هذا المشتل وأحاول عمل تجارب في الزراعة، هناك مزارعون نجحوا في زراعة «الليتشي» و«اللونجان» و«ستار فروت» وأحاول حاليا إدخال أنواع من «الفنس» ولله الحمد فهي ناجحة، وتوجد أشجار قمت بإدخالها في عمان لأول مرة ولاقت نجاحا كبيرا، وأحاول إدخال شتلات جديدة من زنجبار وبيمبا مثل «الأمبادودو» الذي كان يُزرع في عمان وانقرض. سافرت إلى زنجبار وبيمبا لجلبها وستصل شحنة من الأشجار المزروعة هناك إلى عمان وبإذن الله ستنجح، فشجرة «الامبادودو» كانت تُزرع في عمان واندثرت، والعمانيون هم من أوصلوها إلى زنجبار وسنرجعها إلى عمان مرة أخرى، هي وغيرها من الأشجار كذلك.
بعد سنوات تكللت بالتجارب وكسب الخبرات انتهت فترة عملك في الوزارة، ولكنك واصلت المشوار في هذا المجال بامتلاك مشتل خاص بك، حدثنا عن هذا المشروع؟
العزيمة والاصرار وحبي للزراعة هو ما دفعني للعمل في مشروع المشتل، ولم أفكر بالمخاطر وإنما مضيت قدما لتحقيق ما أرغب فيه، وألقى الإقبال الكبير من قبل الناس الزائرين للمشتل، ويتقبل العماني فكرة أن ابن بلده يعمل في هذا المجال عوضا عن الوافدين والأجانب. بعد التقاعد من وظيفتي أصبحت أجلب الأشجار وأقوم ببيعها مع المشاتل، حاولت الدخول في شراكة مع المشاتل ولكن لم تنل الفكرة استحسان أي من أصحاب المشاتل، فأغلب المشاتل تديرها العمالة الوافدة، لذا اتفقت مع صاحبي عبدالله بن سيف السبتي على فتح مشروع مشتل، وهو متخصص في الأمور الإدارية والمالية وأنا توليت الأمور الزراعية والفنية، وهنا أصبح كل منا يكمل الآخر. توجهنا لشراء الأراضي المخصصة لإقامة المشتل، وهنا واجهتنا بعض التحديات من قبل بلدية السيب في إخراج التصاريح، ولكن لله الحمد استطعنا تخطيها، وفتحنا مشتلا بإدارة عمانية كاملة. وأصبحنا ننتج بكميات كبيرة، ونقوم بتمويل المشاتل الأخرى بأسعار رمزية ومناسبة جدا، إضافة إلى اهتمامي بإنتاج الأشجار العمانية كالغاف والسمر والشيوع العماني والراك، وشجرة اللمبج التي كانت منتشرة كثيرا وأصبحت نادرة جدا، ففي العام الماضي انتجت ما يقارب 10 آلاف شجرة لمبج وعممتها في جميع أنحاء السلطنة، وسدر البحر وصبار البحر، وأنتجت كمية كبيرة من السدر العماني، وقمنا بتوزيع أشجار السمر الاسترالي للمناحل، وتعاونا مع وزارة الزراعة والثروة السمكية لإنتاج الأشجار المرغوبة من قبل المزارعين. كما قمت بإدخال أصناف جديدة من الأشجار بعد جلبها من الهند، كأصناف المانجو المختلفة.
تجارب زراعية فريدة
حدثنا عن تجاربك في زراعة الأشجار النادرة التي لم تتم زراعتها في السلطنة من قبل، والأنشطة الأخرى التي تقوم بها من خلال المشتل؟
بيتي يعد بنكًا وراثيًا للزراعة والتجارب الزراعية، والتجارب قابلة للنجاح والفشل، حيث قمت بتجربة زراعة «الكاجو» عدة مرات باستخدام الشتلات الصغيرة ولم تنجح، ثم قمت بالتجربة مع الشتلات الكبيرة فنجحت، وتجربة شجرة «جوافة استروبيري» نجحت وأثمرت، وأخذ عدة مزارعين منها وأثمرت على أيديهم، و«تفاح جاوا» أدخلت منه عدة أصناف كالعنابي والأحمر، وبإذن الله أحاول نشرها في كافة مناطق السلطنة, وشجرة «الخبز» نجحت في عدة مناطق بعمان، وشجرة «الامبريمبي» التي يعتقد الناس استحالة نجاحها في السلطنة ولكنها نجحت عندي. وهناك أشجار أحاول لأول مرة أن أجربها كالفانيلا، وأيضا زهور «الباشن فروت» الأفريقية والتايلندية والهندية. العائق الذي نواجهه في السلطنة هو الاقتناع بفكرة عدم نجاح الأشجار الجديدة، أنا أرى أن عمان بها تضاريس مختلفة فالأشجار غير الناجحة في السيب بالإمكان أن تنجح في صلالة أو في الباطنة والعكس كذلك، يجب استغلال هذه التضاريس ومحاولة إجراء التجارب. أتمنى أن تكون عمان خضراء وتكسوها الأشجار في كل المناطق، فالمناطق الخضراء تساعد على تلطيف الأجواء وتعديل المناخ. كما أقيم حلقات عمل في المشتل أقدمها لطلبة جامعة السلطان قابوس وطلبة المدارس، ولرياض الأطفال، هناك وعي ورغبة بأهمية الزراعة لدى الجيل الجديد، وأنضم لمجموعات عبر التطبيقات للتواصل مع الخبراء والمهندسين المتخصصين في مجال الزراعة.
وأضاف الراشدي قائلا: نحن نمثل أول مشتل في السلطنة خصص مساحة للزراعة النسيجية لإنتاج أشجار النخيل وأشجار الموز، وحاليا ننتج معظم الأشجار ولا نعتمد على الاستيراد من الخارج، والانتاج يكون عن طريق البذور والعُقل، ونقوم ببيعها للمشاتل الأخرى بأسعار رمزية، وأيضا نقوم بالأعمال الخشبية وأعمال الحديد، وإنتاج البذور الموسمية والدائمة. ومن النباتات النادرة التي كالفانيلا والفلفل الأسود والزنجبيل، والجاك فروت، وكارا فروت، وكرمي، وبرابا فروت والموز الأحمر وعدة أصناف من تفاح جاوا، والباشن فروت، والليتشي، واللونجان، والكاجو، وشجرة «الجاكاندا» التي تحمل زهورا بنفسجية اللون، والجوافة التايلندي، وفلفل امبوزي، وأصناف المانجو المختلفة، وشجرة الخبز، والدوريان والعنب الإيطالي والألماني، والصبار التايلندي، وجامايكا أبل وغيرها من الأشجار، حيث لا أهتم بالثمار وإنما أهتم بالدرجة الأولى بنجاح الأشجار.
مشروع زراعي متكامل
بتعدد الأنشطة والأعمال وتنوع الإنتاج والطرق التي تعمل عليها، حدثنا عن الأقسام المختلفة التي ينقسم إليها المشتل؟
لدينا مساحة مخصصة للدفيئة الزراعية أو (الجرين هاوس) لزراعة الأشجار الداخلية، وهناك قسم الأشجار الخارجية كالفاكهة، وقسم خاص لأشجار الزينة، وقسم لإنتاج الأشجار عن طريق البذور، وقسم الزراعة النسيجية، وقسم الفخاريات يحوي الفخار الصيني والفيتنامي. معظم الأشجار والفخاريات أسافر وأجلبها، حيث تكون الأشجار داخل حاويات مبردة حتى تصل إلى عمان، هي عملية طويلة ومتعبة حيث تتطلب المتابعة لفترات طويلة والحرص والانتظار حتى تصل أرض الوطن سليمة، ولكني تعودت على العمل في هذا المجال وأرى بأنها عملية مسلية وممتعة. لدي فنيون في المشتل منهم المهندس خميس الراشدي الذي يتابع أعمال الزراعة النسيجية، ولدي محاسب يتابع الحسابات، وفنيون متخصصون بالبذور وآخرين في الإنتاج عن طريق العقل، وأنا أقوم بمتابعة تجارب عدة، وأقوم برش المبيدات بشكل منتظم لتجنب الآفات والأمراض باستخدام السماد المخصّب المعقم بدرجات حرارة عالية، ويجب على كل مزارع تجنب المبيدات واستشارة التنمية الزراعية قبل استخدام أي منتج.
طموحات مستقبلية تتمنى تحقيقها في مجال تطوير وتنمية الزراعة في السلطنة؟
أتمنى من الجهات المعنية أن تسلط الاهتمام على المشاريع العمانية ودعمها وتسهيل عملها، وأرجو من الجهات الحكومية منحي قطعة أرض زراعية، ليست للاستجمام وإنما للعمل على مشروع بناء عمان خضراء بإشراف ومتابعة الحكومة، وأنا على استعداد أن أنتج كل الأشجار المطلوبة من قبل كافة الدوائر والجهات، أتمنى إحياء كل الأشجار العمانية المندثرة، وأيضا يمكن تخصيص مساحة لتجربة زراعة الأشجار الاستوائية، على أن تكون العمالة تحت إشرافي ومن مالي الخاص، ولكني بحاجة إلى مساحة أرض مناسبة لعمل هذا المشروع. يجب أن نصل إلى مرحلة الاكتفاء وعدم الاعتماد على الاستيراد، وإنما ليكن إنتاجنا محليا ونقوم نحن بتزويد كل المزارع العمانية والخليجية كذلك، وأيضا نستطيع تعميم الأصناف الجديدة على المزارعين حتى يكون الإنتاج متزايدا. وبالإمكان إدخال الدواجن والمواشي في هذا المشروع للإستفادة بشكل أكبر في إنتاج الحليب والبيض وغيرها من المنتجات. التقدم الذي نعيشه الآن جعلنا نعتمد على جلب هذه الأشياء من الخارج، ولكن بإمكاننا إعادة إحياء إنتاجها داخل السلطنة، ومنها نتجنب الأطعمة المثلجة غير الصحية، فالمنتج العماني أفضل بكثير، حيث يكون تحت إشراف الجهات المحلية، أتمنى الحصول على الدعم لتحقيق هذا المشروع على أرض الواقع.
وفي الختام..
أتمنى من الجهات الحكومية أن تمنحنا أرضًا لزراعة هذه الأشجار، وعمل مزرعة عامة للزوار والطلبة من المدارس والجامعات للاستفادة من هذه التجارب الجديدة، وعمل جولات تعليمية للتعرف على الأشجار الجديدة والقديمة التي اشتهرت بها السلطنة. لدي الرغبة والشغف في تبني هذا المشروع والعمل فيه يدا بيد مع الجهات المعنية بالمجال الزراعي في السلطنة. مع وجود الخبرة والطاقة والعزيمة والاصرار أحقق هدفي في إنتاج أراضٍ خضراء في عمان، لتنتشر الأشجار في كافة ربوع السلطنة، فالاخضرار يريح القلب والنفس ويلطف الروح، حتى أثناء جلوسي على شاطئ البحر تراودني فكرة زراعتها بأشجار النخيل، ولكن هكذا أفكار بحاجة إلى التعاون، يدا بيد نستطيع تحقيق كل الأفكار المبتكرة في مجال الزراعة.
نشكر المسؤولين بوازرة الزراعة على رأسهم معالي وزير الزراعة فؤاد الساجواتي وسعادة الدكتور أحمد البكري وكيل وزارة الزراعة على جهودهم القيمة في مجال الزراعة و النهوض بالثروة الزراعية والسمكية والحيوانية، ونرفع تحياتنا إلى المقام السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السطان قابوس بن سعيد حفظه الله ورعاه باني هذه النهضة المباركة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق