الفني

مسرحية (شباب ولكن) القطرية .. مكامن الخلاف والاختلال لدى الشعوب

تحاصر واقعنا العربي اليوم الكثير من التحديات، ينصب جُلها في قالب الأزمة الاقتصادية، والتي هي نتاج لعوامل كثيرة، منها النظام السياسي المستبد، الذي لا يعطي مجالا للمواطن العربي للتعبير عن واقعه المترهل وقضاياها الحياتية الملحة. تتصدر المشاكل المالية، كالديون قائمة التحديات التي يواجهها الشباب خاصة، والمجتمع عامة.

د.عزة القصابي

قدم في مهرجان آفاق الثامن بكلية التقنية بمسقط في دورته الثامنة، عرض مسرحية «شباب ولكن» لدولة قطر، الذي حصل على المركز الثالث. ناقش المؤلف القطري أحمد مفتاح في هذه المسرحية عددا من المواقف الدرامية بأسلوب كوميدي ساخر عبر لوحات درامية بصرية متتالية، اقتربت من المسرح الملحمي. إذ ظهرت الجوقة (المجموعات) التي كانت تعلق على الاحداث الدرامية وتتفاعل معها. كما كانت تقوم بالتعبير الأدائي والحركي والغنائي الذي يتناغم مع مواقف الشخصيات، بغية التخفيف عن المتفرج المثقل بكم هائل من أوجاع الحياة المعاصرة.
يمكن اعتبار علاقة الحاكم بالسلطة في هذه المسرحية، برلمانا مفتوحا يناقش فيه قضايا الناس «مجموعة الشباب» كمثال للشعب المقموع، الذي يظهر، وهو لا حول ولا قوة له، يتبع أوامر الحاكم، دون أن تتاح لهم فرصة للحديث أو التعبير عن احتياجاتهم الحقيقية، لنستمع لصوت الحاكم:
«الوالي : أيها الشعب الكريم .. لقد قطعت على نفسي عهد إني أنا اللي أحضر لكم. إنسوا الماضي. أنا باعوضكم عن كل شي. بشرط إنكم تعطوني. أصواتكم. ها أيش قلتوا؟.»
ويقدم الحاكم عددا من الخيارات، شريطة الانصياع لأوامره وعدم عصيانه أو مجادلته. كما جاءت «الحكومة « لتؤكد سياسة الحاكم، وتجبر الشعب على التصالح مع واقعه، بعد أن فرضت عليهم استبدال معاني «الحرمان والفقر» بمسميات أخرى مثل «القدر المحتوم، والرزق المقسوم» .
تزدحم المسرحية بكلمات ومعانٍ متضادة: «الموت والحياة، الحق والباطل، المظهر والجوهر، الغني والفقير، العدل والظلم».. وهي كلمات مفتاحية دالة تقودنا للتأكيد على أن مصطلح (الديمقراطية) الذي يروج له السياسيون والبرلمانيون، مجرد شعارات كاذبة ووهمية لا صحة لها. ونجد الكثير من التساؤلات التي تحيط بمعنى الديمقراطية، غرسها المؤلف مفتاح، ليطرح من خلالها تساؤلات كثيرة في ظل تفاقم ازمة الديمقراطية، واختلاط المفاهيم حولها وتضاربها:
«الوالي: لازم تعرفون إن اللي أسويه هو الديمقراطية .. باسم الله.. ديموقراطية..
الوالي: ديمو قراطية.. يعني ديمومة …
الوالي: يالله خلصوني. ترى هذا عيب الديمقراطية. عيب الدلع والحرية، لا تفكرون باللي راح تقولونه.. مابيكم تقولون الا «.
يسترسل النص، ليلقي بظلاله الداكنة على واقع الانتخابات في الوطن العربي، التي في الغالب يصاحبها الكذب والبهتان، وتزوير النتائج من أجل الاستمرارية على مقاعد البرلمانات والحكم. حتى لو تسبب ذلك في هلاك الشعب، في حالة أنهم لو حاولوا التمرد أو العصيان على الحاكم، فإن مصيرهم سيكون الفناء. قدم المؤلف ذلك التصور بلغة كوميدية ساخرة، اقتربت مع روح الكوميديا السوداء في حواره:
« الوالي: إشفيكم .. ليش تصارخون ..
– إنت قلت لنا عطوني أصواتكم ..شلون نعطيك أصواتنا..
الوالي: ااخ يالقهر، انا آخر عمري احكم هالاشكال.. تعطوني اصواتكم، يعني ترشحوني.
وركزت لوحة آخرى في هذه المسرحية على تدهور الحالة الاقتصادية لدى المواطن أو الشاب العربي، وصولا إلى القروض البنكية، وخاصة في ظل العروض المغرية التي تقدمها البنوك التجارية. فهناك قروض إسكانية، وأخرى للسيارات.. وقروض بلا حدود، قدمها المؤلف كخيارات للشعب البائس الذي ضاق عليه الحال، فلم يجد سوى القروض ملاذا.
كما تشير لوحة أخرى إلى موجة الغلاء وارتفاع الأسعار في السوق، دون أن تكون هناك فرصة للشعب للمطالبة بإصلاح الوضع الاقتصادي:
ورغم تردى الوضع الاقتصادي في المجتمع، إلا أن الشباب العربي(الشعب) لم يترددوا في الانخراط في صفوف النضال من أجل الدفاع عن الوطن ومحاربة المعتدين:
ينهي المؤلف احداث المسرحية بالتأكيد على أن العالم اليوم، يعيش حروبا دموية حول مصادر الطاقة. تعد الثروة المائية إحدى الرهانات المحتملة لنشوب الصراع القادم . وطرحت المسرحية تساؤلا مهما، وهو ماذا لو جفت بحيرات العالم والانهار؟ هل سيكتفي الناس بالغاز والنفط ؟ وهناك أكثر من كلمة أكدت ذلك مثل: «ماء الشرب، البحر، المطر، العطش، جفاف، داء نزول الغيث». كما أكد المؤلف في نصه على نضوب المياه:
«ما عليه .. ما في ماي الله يخلي ماي الصحة موجود… من وين بنجيب ماي الصحة والبحر بعد شفطوه .. احنا وين وانتوا وين، يقول لكم خلص الماي مافي ماي نشربه.. ما عندنا غير المطر.. بس وين المطر .. وينه ؟؟».
يقلب المؤلف أحمد مفتاح موازين الاحداث والتوقعات حول الصراع العالمي القادم، ففي الوقت الذي تتنازع الدول على حقول النفط ومصادر الطاقة، إلا أن البشر سيبحثون عن الماء ويحلمون بالعودة إلى الطبيعة.. رغم محاولة الحكومة لتغيير مواقفهم.
لقد جعل المخرج محمد الملا القضية تتجلى في مواقف الشخصيات وابعادها الإنسانية الساخرة، وهي تضحك وتبكي المشاهد في آن واحد، عبر لوحات استعراضية غنائية، تخللتها مشاهد تمثيلية، مع تقمص وتبادل الادوار بين الفينة والأخرى، وتواصل احداث المسرحية دون انقطاع.
سعى (الكورس الشبابي ) لإبراز القضية، وخاصة إنه عمل شبابي، يركز على هموم وقضايا المجموعة، الذي ينطلق من العام «المجتمع» قبل الخاص «الفرد». لذا جاءت البطولة في هذه المسرحية جماعية، محفوفة بلمسات الإضاءة، والموسيقي، وبعض الأغاني التي تلقي الضوء على موضوع المسرحية .
أسدل الستار في مسرحية «شباب ولكن» بترقب والحلم بوضع حلول الأزمتين السياسية والاقتصادية في الوطن العربي، والسعي إلى تحقيق أحلام الشباب ورجالات الأمة، ومحاربة أوهام الديمقراطية. والانتصار للعدالة والحق بوجود انتخابات نزيهه، بما يضمن حياة كريمة لكافة فئات المجتمع، وتحرير الناس من شرك القروض البنكية، وتأمين حياة كريمة لهم.
ونوهت المسرحية إلى أن الصراع العالمي القادم سيكون حول مصادر الطاقة البديلة، منها الماء . رغم أن النفط هو المحرك الأول للاقتصاد العالمي حاليا، إلا أن الصراعات القادمة ستكون حول مصادر الثروة المائية، والتي من المتوقع أنها ستصبح المورد الأول للطاقة، وستتنازع الدول للسيطرة على منابعها ومصادرها حول العالم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق