العام

«الوقاية» خط الدفاع الأول أمام انتشار سرطان الثدي بالسلطنة

كشف تقرير جديد دشنته وزارة الصحة في أواخر أكتوبر الماضي بعنوان « تقرير معـدلات السرطان في السلطنة لعام 2015 « بأن عدد حالات السرطان المكتشفة التي تم تسجيلها حتى عام 2015م وصل إلى ( 1840) حالة ، منها 1615 عُمانيًا ( 749 ذكورا و 866 إناثا) و 185 وافدا ، كما وصل عـدد الحالات المسجلة بين الأطفال الأقل من سن 14 عاما 111 حالة، وأوضحت الإحصائيات أن معدل حدوث مرض السرطان في السلطنة هو 103.8 لكل 100000 من السكان ، ويُعد سرطان الثدي أكثر السرطانات شيوعًا بين الإناث وسرطان البروستات بين الرجال.

وبينت الإحصائيات بأنه تم تسجيل 1723 حالة سرطان بالثدي في السلطنة خلال الفترة من 2003-2015، حيث تم تسجيل 212 حالة جديدة في 2015، و178 حالة جديدة في 2014، و175 حالة جديدة في 2013م. أما الوفيات بسبب أورام الثدي فأوضحت الإحصائيات تسجيل 35 حالة وفاة في 2015م 34 بين النساء وحالة واحدة لرجل.
«التكوين» أخذت الأرقام المتعلقة بسرطان الثدي وسألت عنهما الدكتور عادل بن محمد العجمي استشاري أول جراحة وترميم الثدي بمستشفى جامعة السلطان قابوس ورئيس الرابطة العمانية لسرطان الثدي، وسعاد بنت سليمان الخروصية رئيسة قسم الأورام بالمركز الوطني للأورام بالمستشفى السلطاني ومديرة المركز بالإنابة.
في البداية يؤكد الدكتور عادل بأن هذا النوع من السرطان يتزايد عالميًا لكن نسبته في الشرق المتمثل في أفريقيا وآسيا أقل من نسبته في الغرب المتمثل في أوروبا وأمريكا وأستراليا عمومًا، لأسباب قد تعود إلى الجينات أحيانًا، مدللا بأن النرويج عدد سكانها 5 ملايين، ويتم تسجيل حوالي 5000 حالة جديدة سنوية، بينما يبلغ عدد سكان السلطنة 4 ملايين ونصف ويتم تسجيل حوالي 172 حالة جديدة سنويًا حسب الإحصائيات المعتمدة من وزارة الصحة.
وعلى مستوى دول الخليج يوضح العجمي بأن مملكة البحرين تتصدر القائمة ثم الكويت، فقطر، ثم الإمارات، والسعودية، وتأتي عُمان كأقل دولة خليجية في نسب سرطان الثدي حسب إحصائيات لوزارة الصحة.
ويلفت الدكتور إلى أن «المخيف» في سرطان الثدي في الشرق هو متوسط العمر، وكذلك التشخيص المتأخر، إذ إن 80 % من السرطان في الشرق يُكتشف في مراحل متأخرة ويكون منتشرًا في جسم المريض، بينما 90 % في الغرب يُكتشف في مراحل متقدمة وهو ما يضمن العلاج منه، مؤكدًا بأن سرطان الثدي ليس قاتلا بشرطين هما: التشخيص المبكر، والالتزام بالعلاج ومراحله.
ويشير الدكتور إلى أن الورم عندما يكبر فإن خصائص الأنسجة تكون شرسة، ولذلك يصعب القضاء عليها، مما يجعل أغلب المريضات تموت بسببه، حيث يبلغ متوسط العمر في السلطنة 46- 48 سنة بينما في أوروبا يبلغ المتوسط من 60-65 سنة، ولذلك فإن 20% من المريضات في السلطنة يعشن بعد اكتشاف مرضهن حوالي 5 سنوات بينما البقية تتوفى قبل هذه المدة، لافتًا إلى أن أقل حالة تم اكتشافها لفتاة عمرها 19 سنة وهي غير متزوجة، بينما أكبر حالة هي لمواطنة سودانية تعيش في السلطنة عمرها 90 سنة، كما تم اكتشاف حالة لعُمانية عمرها 85 سنة.
الدكتور العجمي في حديثه يُرجِع أغلب الأسباب إلى قلة الوعي لدى المجتمع بسرطان الثدي، وهو أمر تعمل عليه الرابطة العمانية لسرطان الثدي -جمعية تطوعية مسجلة في وزارة التنمية الاجتماعية عام 2015 وتضم مختصين من جميع المؤسسات الصحية في السلطنة-، حيث أخذت على عاتقها أن يكون سرطان الثدي في عام 2025م 80% اكتشافًا مبكّرًا ،و20% اكتشافًا متأخرًا، قائلا بأنه في سبيل تحقيق هذا الهدف فإن الرابطة بالتعاون مع بقية المؤسسات تقوم بحملات توعوية في كل المحافظات ، وقد بلغ عددها من إنشاء الرابطة في عام 2015م 18 حملة توعوية حتى الآن، كما أنها تستثمر وسائل التواصل الاجتماعي للتوعية البصرية عبر الفيديوهات والتصاميم والقصص المصورة لمريضات انتصرن على سرطان الثدي.
5 طرق للعلاج
ويوضح العجمي بأن سرطان الثدي يُعالج بخمس طرق: أولا الجراحة الجزئية أو الكلية ويجلس المريض في المستشفى ما بين أسبوع إلى يوم بعد العملية، ثانيًا الكيماوي وفيه أنواع مختلفة وقد يصل إلى ثماني جرعات بمعدل جرعة كل 3 أسابيع، وثالثا العلاج بالإشعاع الذي يكون من ثلاثة إلى خمسة أسابيع، ورابعًا العلاج بالهرمونات (الحبوب)، وخامسًا العلاج الموجّه، مؤكدا أن العلاج ليس بمزاج المريض أو الطبيب وإنما يعتمد على مرحلة المرض، والخصائص النسيجية للمرأة، ومدى التزام المريض مع العلاجات، فهناك حالات يتم فيها استئصال الثدي بالكامل، وهناك حالات تحتاج إلى جرح صغير جدا يتم تجميله بعملية بسيطة ولا يبين منه شيء.
أما مراحل التشخيص فيوضح الدكتور بأن 80% من المراكز الصحية في السلطنة بها غرفة خاصة لفحص الثدي، ومن يُشكك بإصابتها بالسرطان تُحوّل إلى المستشفى السلطاني أو مستشفى جامعة السلطان قابوس للتشخيص النهائي والعلاج، لافتًا العجمي إلى أنه يُبنى حاليًا مركز كبير لعلاج السرطان بأنواعه المختلفة بجانب جامعة السلطان قابوس، سيكون مرجعًا بأحدث الأجهزة، قائلا بأنه يتمنى بناء مراكز أخرى للعلاج خارج العاصمة مسقط، مثلا مركز في ولاية صحار ليخدم المناطق الشمالية، وآخر في ظفار ليخدم المناطق الجنوبية، وثالث في نزوى ليخدم المناطق الداخلية.
ويقول أيضا: في المركزين الموجودين حاليًا يوجد لدينا علاجات متطورة، وكادر طبي متميز، بل إننا نستطيع التشخيص خلال ربع يوم؛ فعندنا في المستشفى الجامعي عيادة اسمها عيادة «الوقفة الواحدة» حيث تأتي المريضة ونأخذ بياناتها كاملة، ثم نرسلها إلى إجراء الأشعة، وخلال ساعة يكون التقرير التفصيلي عن حالتها متوفرًا، كما إننا نجتمع كل ثلاثاء بشكل أسبوعي في مجلس اسمه مجلس الأورام نتحدث فيه عن الحالات المكتشفة في ذلك الأسبوع ونقرر حولها.
المرضى لا يثقون
ويأسف الدكتور عادل من عدم تعاون بعض المرضى معهم، وعدم ثقتهم بهم، حيث يفضلون الذهاب إلى الخارج للعلاج رغم توفر العلاج المجاني والحديث -حسب قوله-، يتحدث عن ذلك: لدينا كادر طبي عُماني متخصص وذو كفاءة طبية عالية وعليه رقابة من مؤسسات الحكومة المختلفة، ودراسته تكون في أماكن مرموقة عالميًا، ومع ذلك فإن بعض المرضى يذهبون إلى الخارج ويقعون في فخ العلاجات الرخيصة، فهناك حالات رجعت إلينا واكتشفنا أنها أُعطيت علاجات بالكيماوي قديمة ونحن لا نستخدمها حاليا بل نستخدم أنواعًا متطورة، كما أن هناك حالات بلغت فاتورة علاجها في الخارج حوالي 90 ألف ريال عماني، بينما هنا في السلطنة تتحمل الحكومة علاج كل مريض بسرطان الثدي بمبلغ يزيد عن 30 ألف ريال أحيانا؛ إذ إن الجرعة الواحدة في العلاج الموجّه تُكلّف حوالي 1200 ريال عُماني.
الأسباب غير واضحة
من جهتها تؤكد الدكتورة سعاد بنت سليمان الخروصية رئيسة قسم الأورام بالمركز الوطني للأورام بالمستشفى السلطاني ومديرة المركز بالإنابة بأن أسباب تزايد سرطان الثدي لدى العُمانيات ليست واضحة وتحتاج إلى المزيد من الدراسات والأبحاث، وتقول» قدمنا ورقة بحثية نشرناها في أحد المؤتمرات العالمية لسرطان الثدي في عام 2017م قابلنا من خلالها 300 مريضة بسرطان الثدي، للمقارنة بين أسباب الوقاية من هذا المرض في الغرب وهل هي متحققة لدينا، لأن 50% من المريضات لدينا عمرهن أقل من سن الخمسين، وخلصنا إلى أن أغلب من شملتهن الدراسة مرضعات ولديهن من 3-4 أطفال، لذا لا تنطبق عليهن مسببات السرطان في الغرب، أما بالنسبة للعوامل الجينية فأظهرت النتائج أن 4 حالات تقريبا التي شملتها الدراسة مُصابة بسبب «التوريث المندلي»، أي الانتقال من الأب أو الأم. وللعلم هناك ارتفاع في سرطان الثدي في دول ذات كثافة سكانية عالية كمصر والهند وربما هذا الموضوع له علاقة بالجين الآسيوي».
وأشارت الخروصية إلى أنه لا يمكن الحصول على إجمالي عدد وفيات سرطان الثدي بشكل دقيق لأنه لا توجد لدينا منظومة إحصائية لذلك، فالمريض قد يذهب إلى الخارج ويتوفى هناك، أو قد يتوفى بسبب آخر، مؤكدة بأن نجاح العلاج المقدّم من المركز عالٍ لكنه يعتمد حسب المرحلة التي يكون فيها المريض. موضحة بأن تزايد الأرقام جاء بعد التوعية بالكشف المبكر كردة فعل من الناس على هذه التوعية حيث إن أغلب الحالات التي يتم اكتشافها في المركز هي لحالات متقدمة وليست متأخرة، بالإضافة إلى توفر العلاجات في السلطنة، مما جعل الناس يقللون من الفحص في الخارج.
3000 ريال شهريًا
وتؤكد الدكتورة سعاد أن كل العلاجات المتوفرة في العالم لسرطان الثدي موجودة في مركز الأورام بالمستشفى السلطاني، موضحة بأن التشخيص لا يتعدى يومًا واحدًا في المركز. موضحة بأن علاج مريض السرطان الواحد قد يُكلف الدولة شهريًا 3000 ريال عماني، ورغم ذلك فإن بعض المرضى يتجهون للخارج بسبب شعورهم بالقلق والخوف فور معرفتهم بالإصابة، فيذهبون من أجل التحقق أكثر والبحث عن أمل لهم، لكن البعض منهم سرعان ما يعود عندما يُشخّص بنفس تشخيصه الموجود في السلطنة.
قصة انتصار
الدكتورة عائشة بنت سعيد الغابشية وهي إعلامية عُمانية ومديرة جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب حققت قصة انتصار وتعيش حاليًا بكل هدوء وابتسامة، رغم إصابتها مسبقًا بسرطان الثدي، لكنها بأنها ليست متأكدة هل شُفِيت منه تمامًا أم لا، منذ أن اكتشفته عام ٢٠١٣م في المستشفى السلطاني أثناء مراجعتها للفحص بعد أن اكتشفت ورمًا بالثدي من خلال الفحص الذاتي الذي بدأت بتطبيقه منذ عرفت أهميته؛ حيث لا تزال تتابع حالتها مع مركز الأورام بالمستشفى السلطاني، بعد إجرائها عملية استئصال للثديين في تايلند في نفس العام الذي اكتشفت فيه الإصابة.
الدكتورة عائشة المتزوجة في عمر مبكّر ( 21 عاما) ولديها 5 أطفال وعائلة حكايتها بدأت بالفحص الذاتي، حيث شعرت بأمر غير معتاد، وعندما تم الفحص كانت النتيجة أن الورم خبيث، فتأثرت جدًا بمرضها كما توضح، لكن هناك من كان يحفزها دائما ويقول لها بأنك شجاعة، الأمر الذي جعلها قوية من الداخل، بإيمانها بأن الموت حق وهو شيء مكتوب على الإنسان، وهي ترى بأن عيش الحياة هو خط الدفاع الأول لمرض سرطان الثدي ومقاومته، بينما الجلوس في المنزل والبكاء هو ما يزيد منه، فتقول للمصابات « لا تنعزلي أو تنسحبي، وعيشي عمرك المكتوب لك، فأنتِ بيدك العلاج».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق