السياحي

«طبيب الأسنان» خالد عبدالملك.. عاشق جبال عمان وأوديتها

هو طبيب الأسنان، جاء إلى عمان منذ ما يقارب ربع قرن من الزمان، لكنه لم يدر بخلده أن يعشق المكان، فتصبح الطبيعة ملاذه كلما وجد إلى ذلك دربا، يأخذه إلى الجبال أو الأودية، أو ربما للدخول إلى أحد الكهوف التي يراها تحتاج إلى ترويج أكبر لتكون رافدا سياحيا مهما.
يرى أن أجمل ما في السلطنة إنسانها وطبيعتها، هو الدكتور خالد عبد الملك (جرّاح الأسنان والفك)، الإنسان الهادئ الذي يجذبك إلى حديثه بلهجته اللبنانية وهي تتداخل كثيرا مع الإنجليزية وقليلا مع الفرنسية، ولكن ترى فيه ذلك الإنسان العماني حيث يتحدث عن وطن أحبه بصدق، وبقي فيه مقيما ومغامرا، يدهشك بأنه لا يمكث في مسقط خلال أي إجازة أسبوعية أو رسمية، بل تراه في أحد الأودية أو الجبال، وربما في الصحراء التي لم تجذبه كثيرا رغم كل جمالها، ولذلك جاء كتابه «الأودية في عمان» توثيقا لنحو 12 واديا على امتداد السلطنة.

بدأت بالبحر
هل يعرف عمان أكثر مما نعرفها؟.. يبدو أنها الحقيقة بالنسبة لأغلبنا الذي لا يمتلك ذلك الشغف كما هو لدى طبيب الأسنان خالد عبدالملك، يقول: «من الأساس أنا إنسان قريب من الطبيعة، منذ أن كنت في لبنان كوني من الجبل دائما نتجول وعندي (تلقيح) مع الطبيعة»، مستعيدا حكايتة الأولى مع الطبيعة العمانية، يقول: «حين وصلت إلى السلطنة كنت أذهب إلى البحر كثيرا لعدم معرفتي بتسلق الجبال، وبعدها التقيت بفرنسيين تعلمت على أيديهم مهارات التسلق، وانفتحت أمامي دنيا غير معروفة.. ورهيبة».
ينفي الدكتور خالد عن نفسه صفة المجاملة حينما يتحدث بمحبة عن السلطنة، يرى أن «البلد مختلف، والناس مسالمون، يفتحون بيوتهم للغرباء ويساعدونهم، وخلال أكثر من 24 عاما لم أسمع أحدهم يرفع صوته على الآخر، بالنسبة لي هذا أهم شيء»، ليعود متحدثا عن الطبيعة الممتدة، فيقول «هذا الامتداد هو ما يدهشني» مشيرا إلى بلد مثل فرنسا فإنها كبلد، وغيرها من البلدان أيضا، «لا يوجد فيها واديٍ يمكن مقارنته بحجم الأودية في عمان».
يضيف الدكتور خالد: «كنت محظوظا بالتعرف على أولئك الذين أكسبوني مهارات التعرف على ذلك التنوع الرهيب للطبيعة في عمان، بدأت مع الفرنسيين بالذهاب إلى الشرقية ثم انتقلنا إلى الجبل الأخضر وجبل شمس، ثم إلى جبال محافظة ظفار، زرت كل مناطق عمان عدا محافظة مسندم، وللأسف رغم ما أسمعه»، وفيما يتحدث بمحبة عن الطبيعة فإنه لا ينفي الصعوبات التي يواجهها في رياضة المغامرات هذه، يرى أنها كثيرة، لكن «حينما يعرف المرء ما يريد، خاصة بالنسبة للقدرات الجسدية» يصبح الأمر ممكنا، يضيف: «عليك أن تعرف حدود إمكانياتك قبل الدخول في أي مغامرة، إذا لم تعرف فإن المغامرة لها خطورتها، وما لا يحمد عقباه بعد ذلك»، ويشير إلى مجموعة من المواقف التي حدثت فيها صعوبات دون أن يحسب لها حسابا «لكن الأهم هو كيف تخرج منها؟ هذا أهم درس في حياة المغامرات، كيف تتصرف حينما تصادفك مشكلة كبيرة.. تعتمد على نفسك في الأساس».
يشير إلى أن الأودية تتطلب خبرة كبيرة لدى السائح في التسلق والسباحة ليعرف طريقه، يرى أن هناك تطوراً، ولكن بشكل غير منضبط، يوضح: «بعض الشباب يأخذون السياح إلى هذه الأماكن دون دراسة وبلا خبرة فتقع حوادث، هؤلاء يمكنهم أن يتعلموا من خلال إقامة دورات تخصصية في هذا الجانب المهم، كونه جاذب لسياحة المغامرات ومتعلق بجوانب فنية مهمة، كيف يمكن دخول ممرات الأودية ولنحو عشرين ساعة أحيانا» يعود للقول أنه «الحمد لله لم يحدث لنا حادث، لكن إذا وقع حادث علينا أن نكون مستعدين، وهذا بديهي أن يحدث».
جاهل بالصحراء
«الصحراء جميلة، لكني جاهل، ليس لدي خبرة فيها، لكني أطلع إليها مع الذين يعرفونها» هكذا يصف الدكتور خالد عبدالملك الصحراء وعلاقته معها، يشير إلى رمال آل وهيبة ويصفها بأنها «رائعة» لكنه لم يزر رمال الربع الخالي، ويتحدث عن الكهوف مجلس الجن الذي يعدّه «الوحيد في العالم، بالنسبة لحجمه وخاصيته» ويرى إمكانية «تطويره ولكن ليس بإدخال مصاعد كهربائية بل يبقى الوصول إليه عبر الحبال، لتكون المغامرة حقيقية» كما يشير إلى كهف طيق في محافظة ظفار ويمتد قطر حفرته 1.2 كلم، رغم السحر الذي فيه لكنه موقع غير مستثمر، وهناك موقع «هوية نجم» لكنهم غيروا المعالم الطبيعية فيها، وأنا حزين لذلك.
يشرح «جرّاح الأسنان» جدوله مشيرا إلى أنه يغادر الحضارة المدنية نهاية كل أسبوع، بعيدا عن كل ما له علاقة ببني آدم، لا عمود كهرباء ولا اتصالات ولا سيارات ولا غيرها.. قاصدا الطبيعة وكائناتها، حتى الأفاعي، يقول: «أحب الإنسان لكني أحتاج نهاية الأسبوع. أريد أن أبعد عن هذه العوالم البشرية»، مصطحبا زوجته وولده وابنته، منذ أن كان عمريهما في حدود السادسة، والآن وصل عمر ابنته إلى 30 عاما، يقول: «هما حملا المشعل أيضا ويأخذون أصدقاءهم وضيوفهم إلى الجبال والوديان للتعرف على الطبيعة المدهشة في عمان».
بين «المناخر» و «قاشع»
هل تقرأ عن الأمكنة قبل أن تفكر بالذهاب إليها؟ كان السؤال للدكتور خالد عبدالملك، لكن الإجابة بدت مفاجئة، ينفي فعل القراءة، لكنه يدرس الموقع كثيرا على الصورة المتاحة عبر الأقمار الصناعية مثل «جوجل إيرث»، يرى أن معرفة طول الوادي مهمة، يرى نفسه أنه في حالة انجذاب كبيرة للأودية في عمان، ولذلك جاءت فكرة إصدار كتابين، الأول عام 2008 باللغتين الفرنسية والإنجليزية، والكتاب الآخر عام 2014 عن 12 واديا استكشفها ودخل فيها ودخلنا فيها كأول مغامرين، يفسر اختياره لهذا العدد بالقول: «واخترت ال 12 من بين عدة أودية لأنها على مستويات من الصعوبة، وهي الأجمل حسب رأيي، أصعب وادي هو وادي حلفين في الجبل الأخضر الذي يبدأ من قرية المناخر، ويهبط مرورا بالقرب من إزكي على الطريق السريع (مسقط/ نزوى)، وهناك وادي قاشع، وهو جزء من وادي تنوف، ووادي بني خروص جميل جدا أيضا، ووادي طيوي في الشرقية من أجملها وأصعبها».
يتحدث عن الكتاب بتفاصيل أكثر: «بكل صراحة، في الوقت الحاضر» الكتاوب يعد المرجع الوحيد عن أودية عمان والمشي فيها كرياضة، به تفاصيل لكل الأشياء المطلوبة مثل التقنية، الحبال، والوقت المطلوب، إحداثيات الموقع، الحاجة إلى نوعية خاصة من السيارات، وإمكانية الإقامة ليلا فيه، وتأتيني طلبات كثيرة، وأكثرها عبر النت (بالفيسبوك على سبيل المثال)، للحصول على الكتاب، لكن التسويق بالنسبة لي صعب كفرد».
الترويج ضعيف
هل تشعر بأن الترويج لعمان سياحيا كافيا؟ يجيب الدكتور خالد عبدالملك: إمكانيات البلد السياحية هائلة، ولكني بكل تواضع وصراحة ومنذ أكثر من عشرين عاما عملت على استكشاف المواقع الطبيعية فيها أقول إنها ليست فريدة فحسب بل وحيدة ليس مثلها في الدنيا، ولكني أشعر أنها لا تسوّق بشكل كاف، هذه وجهة نظري المتواضعة جدا، وما يحزنني أن هناك مناطق لا يفترض أن يطالها تغيير وتبقى محميات طبيعية، فإدخال أي تطوير فيها يضيع طبيعتها البكر، يمكن وجود خدمات خارجها، قريبة منها، فمثلا إيفرست لا يمكن الوصول إلى قمته إلا عبر المشي الطويل جدا، ولا يمكنني مطالبة السلطات النيبالية بإيجاد طريق إلى هناك بالسيارة، من أراد المغامرة والتسلق فليقل كلمته، وإلا فليترك المكان إن كان أضعف من أن يبلغ تلك الذروة، ليست أنانية ولكن للحفاظ على الإرث العظيم التي تمثله مثل تلك الأمكنة».
يضع الدكتور خالد المزيد من التفاصيل، يضرب مثالا على الجبل الأخضر، والذي لا يقول عن طبيعته رائعة، «بل أكثر من رائعة»، يشير إلى أن به أودية وليكون منصفا أكثر «من أجمل الأودية في العالم» متحدثا عن خبرة، وكونه يتعامل مع أجانب خاصة الفرنسيين بينهم خبراء في الاودية، كما ينوّه بعمله في استقبال السياح القادمين من فرنسا وتجوالهم في الأودية، يضيف: «أحد الخبراء الفرنسيين حينما زار عمان اشترى الكتاب الذي أصدرته، ورأى وادي قاشع فقال إن هذا من أجمل الأودية في العالم، وهو زار أودية كثيرة في سائر أرجاء الكرة الأرضية».
يشرح الدكتور خالد وجهة نظره بالقول: «ليس ضروريا أن تبني بيوتا واستراحات في الجبل الأخضر مع الأخذ في الحسبان التكلفة الكبيرة للبناء وتوصيل المياه، ولكن يمكن أن يكون البناء في أسفله، ويمكن لزواره الصعود بسيارات سياحية يستفيد منها المواطن»، ويرى أن مسفاة العبريين، التي زارها قبل 24 عاما وزارها قريبا، نموذج جميل جدا في كيفية تطوير البيوت القديمة، ويشير إلى تجربة أحمد العبري الذي طور بيت العائلة القديم، وصار يستقبل الأجانب في هذه القرية الرائعة، والطعام من الأكلات التقليدية العمانية، وهكذا استفادت القرية والأهالي من مشروع قريب منهم.
لغة التواصل في الجبل
يستجمع الدكتور خالد عبدالملك أفكاره للحديث عن معوقات السياحة، والأفكار التي يطرحها للتطوير، يشير إلى حوارية حول طاولة مستديرة دعي للحديث فيها، اقترح أن يقام في الجبل الأخضر معهد صغير لتعليم اللغة الإنجليزية «ليمكّن الشباب وغيرهم، العاملين في الجانب السياحي، من التواصل مع السياح باعتبار أن الإنجليزية عالمية، وهو مشروع يعود بالفائدة على المجتمع المحلي أيضا.. يتعلمون مجانا، ولو المحادثة العادية، بما يمكّنهم من أخذ الزوار إلى الأودية والقرى المهجورة، وتطويرها بتنظيفها وليس بتعميرها، ويمكن إدخال حيوية أخرى بوجود مطاعم أهلية صغيرة في تلك القرى، طبخ عماني أو مشاكيك، بما يحقق عائدا مهما في تلك الأماكن الرائعة، ويكسبها حيوية أكثر».
هل «السياحة تثري» كشعار متحقق؟ يجيب الدكتور خالد بأن ما تم عمله لا يكفي، فالقدرات هائلة، لكن تحتاج إلى سياسة عامة لتطوير الأمكنة كل على حدة بما يحافظ على طابعها الخاص، ويستفيد الأهالي منها كما تستفيد الشركات السياحية.
أفلام وثائقية
وعن جهوده «السياحية» يشير الدكتور خالد عبدالملك إلى أنه تعاون مع وزارة الإعلام لإنتاج فيلم بعنوان «عمان للمغامرة عنوان» عرض في جناح السلطنة المشارك في معرض الكتاب الدولي بباريس في مارس من العام الحالي، يقول: «كان لي شرف أن يعرض ويجد تلك الإشادة وأن أكون ضمن وفد السلطنة» يضيف: «هناك فيلم وثائقي تعاونت فيه مع نجم قناة ال «بي بي سي» ستيف باك شول، الذي زار الكثير من بلدان العالم ويعد واحداً من أهم المغامرين الإنجليز، وكان لديه إعجاب كبير جدا بما رآه عن عمان، وكان شرطه الأساسي لتصوير الفيلم أن يدخلوا واديا جديدا لم يصله أحد حتى أنا، فنزلنا واديا جديدا لم يدخله أحد، وكان ذلك في الجبل الأخضر، وأنتجوا فيلما وثائقيا جميلا عرض على قناة بي بي سي، وغيرها من القنوات الفضائية العالمية».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق