الفني

ستة عروض ترسم فضاء المسرح في «خريف» صلالة

مع زخات  المطر، وتساط الرذاذ، وتشكل الغيوم  الماطرة،  رسمت الطبيعة لوحتها في ظفار، أرض اللبان والجمال، تزامنا مع فعاليات  مهرجان صلالة السياحي2019، لإضفاء ملمح  جمالي يتناغم  مع رونق  الموسم الثقافي  الخريفي.
 قدمت خلال «مهرجان صلالة السياحي»  خلاصة منجزات المجالات الإبداعية بما فيها المناشط الإنسانية والفنية الناطقة بروح المجتمع العماني، والمستوحاة من تراث وتاريخ سلطنة عمان.

عزة القصابي

تتربع مسابقة  المسرح الجماهيري في دورتها الثالثة، الصدارة في  قائمة مناشط مهرجان صلالة الاحتفالي. وشاركت في هذه المسابقة ست فرق مسرحية من داخل المحافظة وخارجها. وفي الأسطر التالية  نقدم قراءة للعروض المشاركة.
مسرحية «الفرضة»
 مسرحية «الفرضة» لفرقة السلطنة، من تأليف وإخراج شامس نصيب عوض، تدور أحداثها حول سكان الفرضة الذين يعيشون قرب مرسى السفن البحري. ودار الصراع بين رجل الأعمال الثري «بو سالم» و أهالي الفرضة .
  وظهر «بو سالم» رغم الغنى والثروة التي يمتلكها، إلا أنه يتصف ببخله وحبه للمال، وعدم مساعدة الآخرين. وكان لزوجة بو سالم الأخيرة أثر في تدهور تجارته، فقد كانت تشجعه على التمرد على أهالي بلدته، وتمنعه عن التعاطف مع الفقراء والمساكين.
وفي المقابل، ظهرت بعض شخصيات أهالي الفرضة الطيبين، مثل شخصية سعيد وهو رجل كريم يحب مساعدة الناس، والوقوف بجانب الضعفاء، ويسعى لمساعدتهم ورعايتهم ويشد أزرهم، كما ظهرت شخصية «الهيل» وهي مرأة تتصف بالنوايا الحسنة، وتقف ضد بو سالم وتفضح بخله واحتكاره لتجارة الفرضة. 
وهكذا انقسم أهالي الفرضة إلى فريقين: سعيد والهيل وأولاد بو سالم يمثلون الخير، والطرف الآخر يمثل الشر حيث بو سالم وزوجته وأعوانه. ورغم وضوح التضاد بين الفريقين، إلا أن الصراع بينهما لم يتبلور بصورة فعلية، وظل مجرد حوار سردي يقوم على التراشق اللفظي الساخر حول سلوكيات وتصرفات الطرفين المتصارعين.
فند الديكور تفاصيل حياة أهل الفرضة على خشبة المسرح، حيث ظهرت عناصر البيئة التقليدية والشعبية. كما عكست ازياء الممثلين تنوع الأماكن التي ينتمي إليها الممثلون .
جاءت خاتمة هذه المسرحية لتضع حدا لتصرفات بو سالم وظلمه لأهل الفرضة، ولينال جزاءه على أفعاله وظلمه للناس، فقد خسر تجارته، واعتقلته قوات الأمن بسبب قيامه بأعمال غير قانونية.
برزت في هذه المسرحية اسماء عديدة للفنانين مثل: سليم العمري وعامر ساير وراسم أمين ونصر سعيد و تونس رجب وأيمن عبدالمعين ومؤيد محمد و جيهان ومها الشاكر ومسلم جعبوب ومحمد مسلم وهيثم البلوشي …
مسرحية «ألف وحجارة»
مسرحية ألف وحجاره «للكاتبين عيسى عجزون وعبدالله جحنون وإخراج عبدالله جحنون الحضري لفرقة صلالة المسرحية.  تتقارب قصة  هذه المسرحية مع كثير الأعمال الدرامية والسينمائية تحديدا، كونها تتحدث عن اشخاص تعرضت سفينتهم للغرق، وانتهي بهم المطاف إلى شواطئ إحدى الجزر النائية، لينتقلوا بذلك من عالم الحضارة  والتطور إلى العصور الغابرة، وهناك يواجهون الكثير من  التحديات .
  تعددت أشكال الصراع في هذه المسرحية؛ فهناك صراع وقع قبل دخول الزمن الفعلي للمسرحية، عندما تعرضت السفينة للغرق بسبب العاصفة، ونجم ذلك تحطمها وغرقها في عرض البحر.
ومع أمواج البحر العاتية ووصول الشخصيتين المحورتين إلى أرض الجزيرة، يتولد صارع آخر عندما يواجه الرجلان آكلي اللحوم الذين يعشون في الجزيرة النائية، ليظهر الفرق بين عالمهما وحياة أهل الجزيرة، وكأن سنوات ضوئية تفصلهم عن الواقع المعاصر.
كما يظهر صراع آخر أيضا عندما تواجه الشخصيات العصرية قوى الطبيعة، حيث يتوسط الجزيرة بركان ثائر يلقي بالحمم البركانية بصورة مرعبة!
ولم يقتف المخرج خُطى النص، إذ قام بتغيير خط سير الاحداث الواردة، وجعل هناك سبب آخر لقدوم الشخصيات الغريبة إلى الجزيرة، عندما حول الغرباء إلى غزاة جاءوا لاحتلال الجزيرة ونهب مواردها وخيراتها.
 ورغم  واقعية الاحداث التي توحي بمأساوية مصير الشخصيات الذين ساقتهم الأمواج إلى هذه الجزيرة المجهولة، إلا أن الحوار قدم باللهجة المحلية بأسلوب كوميدي، يثير الضحك. إذ أن العرض لم يخل من المواقف الكوميدية والمفارقات والمتناقضات حول مواقف الشخصيات.
اعتمدت هذه المسرحية على الاستعراض الحركي والغنائي في معظم مشاهدها، وحدث انزياح للفعل المسرحي، بينما زادت مساحة الحوار السردي والتراشق اللفظي، مع استمرارية الاستعراض حتى نهاية المسرحية عندما استولى الغريب على الجزيرة بصورة سريعة ومبهمة، مع الحفاظ على الديكور الثابت كما تناوبت الشخصيات في أداء الادوار التمثيلية عندما قامت بأكثر من دور.
هذه المسرحية من بطولة عدد من الفنانين: عيسى عجزون ومازن الحميري وايمن عبدالشريف ومعتز بن رجيبيون ووليد شعبان وهيثم بيت زايد وساره وعمر سهيل وطلال بن حيدر ومازن الحميري وامين بو عزام  واخراج عبدالله جحنون الحضري.
    مسرحية «الكاسر والرحماني»
مسرحية «الكاسر والرحماني» من  تأليف مرشد عبدالرحمن وإخراج ممدوح اليافعي لفرقة ظفار. وظفت هذه المسرحية التراث الشعبي المستوحى من الشعر والأهازيج الشعبية والأغاني والخطاب السردي.
ومنذ البدء  احالنا عنوان مسرحية «الكاسر والرحماني» إلى  الألحان والأهازيج الشعبية ذات الصلة بطبلي «الكاسر والرحماني». وتكمن أهمية هذين الطبلين في كونهما يشكلان إيقاعا مشتركا في معظم الفنون العمانية الشعبية.
وتتحدث حكاية مسرحية (الكاسر والرحماني) عن رجل كان يهوى ويمتهن الفنون الشعبية، وقبيل وفاته وصى ولديه بأن يعملا سويا في الفرقة الشعبية. وتتأزم الأحداث بين الأخوين (بشير وربيع) اللذين كانا يعملان معا، إلا أن «بشير» كان أكثر إيمانا بوصية والده، و تبلور ذلك من خلال اهتمامه بالفنون التراثية، في حين أن «ربيع» كانت له توجهات عصرية مختلفة، إذ كان يرغب في تقديم عروض معاصرة تبتعد عن الموروث والألحان التقليدية التي ورثها عن ابيه وأجداده، ويستمر الاثنان في صراعهما حول الأصالة والمعاصرة.
كما تخلل العرض فن «البرعة» وهو من الفنون الشعبية التي تقدم في المناسبات السعيدة كالأفراح والاحتفالات الشعبية، وأكدت مضامين هذه المسرحية أهمية توظيف التراث والحفاظ عليه.
واتصفت الرؤية البصرية في هذا العرض بجماليات انبثقت من خلال السينوغرافيا العامة، والتي ترجمت مضمون النص القائم على التضاد الأزلي بين القديم والحديث مع استخدام العناصر المستوحاة من البيئة المحلية مثل السعف والصندوق وأدوات التنظيف الشعبية والمروحة .
وبشكل عام، فقد ناقشت مسرحية «الكاسر والرحماني» أهمية الحفاظ على الموروث الشعبي العماني، وتوثيقه ومحاولة أحيائه، مع تشرب الاحداث بكثير من المقطوعات والألحان الشعبية لعدد من الفنون الشعبية في محافظة ظفار، والتحامها بالرقصات التقليدية، وجميعها أكدت أن سلطنة عمان توجد بها كنوز من المورثات الشعبية.. لا تنضب!
هذه المسرحية من بطولة كل من: مطران عوض وسمير بوشبك وأيمن فضل وأحمد دليما ومرشد عبدالرحمن وغاليه السيابية وعادل المازون ومي المقبالية ومشعل الشجيبي ومشعل أحمد .
مسرحية «الفزعة»
مسرحية «الفزعة» من تأليف أشرف المشيخي وإخراج عدي الشنفري لفرقة اوبار المسرحية. وهي مسرحية كوميدية ألقت بظلالها على الكثير من القضايا الاجتماعية التي تشغل بال الناس. وسعى أبطال هذه المسرحية إلى البحث عن «ايش على بالك»، لذا كانوا جميعا على موعد مع المواقف المضحكة المبكية في آن واحد.
نطقت شخصيات هذه المسرحية باللهجة المحلية الدارجة  في محاولة للوصول إلى فهم الناس وملامسة الموضوعات التي تشغل الشريحة العظمى منهم. وقدم العرض في قالب مسرحي يتقرب من «المسرح داخل المسرحية»،  حيث ظهرت شخصية الراوي، وهي تقص لهم «ايش على بالك» لتصدم المتفرج بمواقف، وحالات مستوحاة من الحياة بأسلوب لا يخلو من الطرافة. وتبرز في هذه المسرحية شخصية الراوي الذي يتطفل على حياة الشخصيات ليشاركها في بناء الحدث الدرامي. ويمكن ملاحظة ذلك، من خلال تعليقه على المواقف الدرامية، إلا أنه لا يلبث أن يتحول في مشاهد أخرى إلى شخصية فعلية تشارك في الاداء والتمثيل وتستكمل بقية الاحداث الدرامية .
واقترنت اسماء الشخصيات في هذه المسرحية بصفاتها وسلوكياتها، مثل: (المثقف، العصبي، الفليع، متصوع)، الأمر الذي يوحي بتعرية الشخصيات من خصالها ونعتها بها، مما يسهل فرزها ومعرفة توجهاتها الفكرية والاجتماعية.
شارك في هذه المسرحية عدد من الفنانين: عبدالله عبدالجليل ومجد الدين سالم ومحمد نور الدين وعبدالله حيوتي ومحمد سالم ومعمر المشيخي وعبير حسني ومنار عويشه ومنيار عويشه ومحمد دريبي.
مسرحية «لو باقي ليلة»
مسرحية «لو باقي ليلة» تأليف الكاتب البحريني جمال صقر، ومن إخراج عبدالله البوسعيدي، وهي تتحدث عن فتاة وشاب يحلمان بالزواج ويتحقق ذلك بعد خمس سنوات. إلا تلك الفرحة لا تكتمل بسبب تدخل أهل العروس في كل تفاصيل الحياة بينهما.
غلب على المسرحية عدد من المفارقات الكوميدية والتراشق اللفظي بين أسرتي العريسين، وتبيان التناقضات في حياتهما. اتسمت شخصيات المسرحية بالبساطة والتلقائية في محاولة لنقل واقع الشخوص والتدفق اللفظي والعفوية، لذا جاءت أقرب إلى الدراما الاجتماعية الهزلية.
وترجمت السينوغرافيا حكاية المسرحية بشكل عام، مع الاكتفاء بثبات الديكور وتغييره بين الفينة والأخرى بما يتناسب مع مواقف الشخصيات وتفاعلها مع الاحداث والمفارقات.
تخلل هذه المسرحية عددا من الرقصات الاستعراضية والغنائية بصورة تظهر رومانسية الحياة بين الزوجين، واعتمدت هذه المشاهد على تقليد العديد من الأغاني العربية والأجنبية .
وهذه المسرحية من بطولة عدد من الفنانين: نجم الجرادي والفنانة زينب البلوشي، وساندهما في الأداء التمثيلي خلود السويدية وباسم الفارسي وعيسى الصبحي واحمد الشبيبي وعلي البلوشي وشهاب البلوشي.
مسرحية «دهريز في جرزيز»
 تقوم مسرحية «دهريز في جرزيز» على المفارقات والمواقف وذلك من خلال سرد قصة بو ريحانه بصورة كوميدية هزلية، الذي توفيت زوجته منذ سنوات، وفضل العيش بلا زواج، وكرس حياته لرعاية بناته.
 وتظهر في هذه المسرحية «الخطابة» كشخصية لها تأثيرها السحري على بنات بو ريحانة، وصاحب العرض عدد من المفارقات والتراشق اللفظي في التعبير الاجتماعي في محاولة لاستدرار ضحك الجمهور وكسب تفاعله. 
واستمر الحوار المتبادل بين أسرة بو ريحانه والخطابة لسرد تفاصيل العريس بأسلوب كوميدي يعتمد على التراشق اللفظي  والسرد الحواري الساخر. إضافة إلى ذلك، كشف تسلسل الاحداث واقع الأسرة وما تعانيه من مشكلات مادية واجتماعية، حيث ظهر بو ريحانه كرجل مفلس يعتمد على راتب ابنته المدرسة، ولكن بعد زواجها، قام الزوج بطرد الأب من المنزل، وجعل بنت بو ريحانه (زوجته) تغير ملكية «المنزل» ليصبح المنزل بذلك ملكا له، وسرعان ما يتخلص منها ويطلقها، وهكذا تتشرد أسرة بو ريحانه.
حفلت المسرحية بمشاركة مجموعة من الفنانين، مثل: محفوظ باقوير وعبدالله مرعي واشرف المشيخي و مبارك المعشي وابراهيم الرواحي وأمينة جميل ومحمد خير الله وساره محمد فهمي ومنيره السلطي واميره البلوشي.
الخلاصة
ناقشت المسرحيات المشاركة في «مسابقة المسرح الجماهيري» بمهرجان صلالة السياحي في الدورة الثالثة، موضوعات اجتماعية بأسلوب كوميدي، يظهر بعض العادات والسلوكيات السلبية غير المرغوب فيها، وكان لذلك أثر كبير في تفاعل الجمهور مع أبطال العروض المسرحية المقدمة.
كما التزمت بعض «التجارب المسرحية المشاركة» بوهج الكلمة وسحرها بفعل ارتباط المجتمع العماني بالشعر والأهازيج والأغاني الشعبية والخطاب السردي، في محاولة لإرضاء رغبات واهتمامات المتابعين الذين يميلون إلى الاطروحات التراثية. وفي المقابل، وجدت تجارب مسرحية تصالحت مع واقع الحداثة والعالمية .
وبذلك استطاعت العروض المسرحية الجماهيرية في مهرجان صلالة السياحي لهذا العام، أن تتصالح مع الواقع وتقدم عروضا حية ومتنوعة، ساهمت في زيادة إيرادات شباك تذاكر، إذ أقبل الجمهور على مشاهدة العروض والاستمتاع بمشاهدتها كل حسب توجهاته واهتماماته، الأمر الذي من شأنه أن يكرس مفهوم الثقافة المسرحية في المجتمع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق