الثقافي

التسهيلات العسكرية العمانية لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب العالمية الثانية

قبيل اشتعال فتيل الحرب العالمية الثانية طلبت الحكومة البريطانية من السلطان سعيد بن تيمور(1932 -1970م) منحها بعض التسهيلات الضرورية بأراضيه في حال نشوب الحرب، وبعد شهر من بدء الحرب العالمية الثانية أرسلت بريطانيا في 30 نوفمبر 1939م رسالة تعهدات سرية للسلطان تؤكد فيها على حمايتها لجميع أراضيه من أي عدوان خارجي، وقد ردّ السلطان برسالة إلى هيكينبوثام (Hickinbotham) الوكيل السياسي البريطاني في مسقط، تبيِّن شروطه التي بموجبها سيكون مستعدًًا لتقديم التسهيلات اللازمة للحلفاء خلال الحرب، وهي كالتالي:

عماد بن جاسم البحراني
باحث وكاتب في التاريخ

1- أن تكون مسقط طرفًا في أي معاهدة سَلِمْ طالما تطال هذه المعاهدة حدود مسقط ومصالحها.
2- أن تتوقف الخدمات والتسهيلات الممنوحة في زمن الحرب عند السلم في ما عدا تلك المقدمة بإذن خاص من السلطان.
3- أن يستشار السلطان في كافة المسائل السياسية التي تتعلق بالسلطنة، وأن يحصل على إذنه قبل التعامل مباشرة مع زعماء القبائل العُمانية.
4- أن لا تقوم حكومة الهند بأي حظر على تصدير المواد الغذائية من الهند إلى مسقط.
5- الحصول على مساعدات مالية بواقع 20 ألف روبية شهريًا، وفي حالة قيام البحرية البريطانية بتقديم المساعدات اللازمة للسلطان لمنع أي اعتداءات عليه أو حدوث قلاقل داخلية من شأنها أن تزعزع استقرار السلطنة، فإن الدعم سيقلص إلى مبلغ 16 ألف روبية شهريًا. كما طلب دعم شهرين مقدمًا وقرضًا عاجلًا بمبلغ 50 ألف روبية لترميم وتشييد الحصون والسماح له بالحصول على قرض زنجبار مقدمًا.
وقد وافقت بريطانيا على شروط السلطان الثلاثة الأولى، وتقديم وعد للسلطان من حكومة الهند يضمن استمرار تدفق المواد الغذائية إلى مسقط كما جاء في الشرط الرابع. أما الشرط الخامس المتعلق بالدعم المالي فتذكر الوثائق أن السلطات البريطانية تتفق مع وجهات نظر المقيم السياسي في أن زمن المساومات قد ولى، وأنها يجب أن تمنح السلطان المساعدات حتى لو أنها بدت كبيرة نسبيًا.
كما أبدت بريطانيا كامل استعدادها لحماية أملاك السلطان من العدوان الخارجي – بما فيها جوادر- خلال فترة الحرب، بالإضافة إلى مد السلطان بالمعدات الحربية التي حددها مجانًا إضافة إلى أو بدلًا من منحة الأسلحة المجانية التي منحت له أصلًا. وقد عقب الوكيل السياسي البريطاني على تلك المساعدات – في تقرير بعثه لحكومته- بأن عمان حصلت من قبل بريطانيا على امتيازات أكثر من أي دولة عربية أخرى.
في الأول من سبتمبر عام 1939 انطلقت شرارة الحرب العالمية الثانية، وقد تسربت أخبار الحرب ومجرياتها إلى عُمان، وبدأ الخوف من استغلال إيران لانشغال الدول الكبرى في الحرب ومحاولة احتلالها لعمان.
وقد تلقى السلطان سعيد بن تيمور خلال الأشهر الأخيرة من عام 1940م ثلاثة خطابات بهذا الشأن من كلٍ من:
الشيخ عيسى بن صالح الحارثي يعرض عليه خدماته وتأييده له في اتخاذ إجراءات ما لصد أي هجوم محتمل من إيران على عُمان.
مستشار الشيخ سليمان بن حمير يقترح فيه أن يستقبله السلطان لمناقشة الأوضاع المستجدة حاليًا في العالم ومسقط وعُمان.
عبيد بن سالم وهو قاضٍ مشهور ومحل ثقة الإمام يقترح فيه أن يحضر إلى مسقط مبعوثًا وممثلًا رسميا للإمام للاجتماع مع السلطان ومناقشة الأوضاع في عمان والعالم.
ناقش السلطان سعيد بن تيمور فحوى هذه الخطابات الثلاثة مع القنصل البريطاني في مسقط، الذي أقترح شكر عيسى بن صالح على عرضه وإبلاغه بأنه ليس لدى مسقط أي قلق أو مخاوف من إمكانية أن تقوم إيران بعمل ما تجاه مسقط وعمان. وبخصوص سليمان بن حمير وعبيد بن سالم فيجب إبلاغهما أن زيارتهما إلى مسقط مرحب بها من قبل السلطان.
لقد رحب السلطان بهذه المقترحات، ووضح للقنصل أنه شخصيا لا يتوقع قيام إيران بشن أي هجوم على مسقط وعُمان، ولكنه يود أن يعلن تأكيد بريطانيا بأن انشغالها في الحرب لن يمنعها من تقديم الحماية والدعم اللازم لمسقط في حال فكرت إيران في القيام بأي عدوان تجاهها، وبأنه سوف يكتب لهؤلاء الثلاثة بهذا المعنى.
كما قلق العُمانيون من احتمال قيام الاتحاد السوفييتي بهجوم جوي على عُمان خلال فترة الحرب، وتصف التقارير البريطانية بأن هذه المخاوف قد قربت الشقة جدًا بين السلطان وبين زعماء ومشايخ عُمان، ولكن هذا الرابط – كما يذكر القنصل البريطاني- يمكن أن ينفرط في أي لحظة وبخاصة إذا زادت هذه المخاوف عن حدودها الطبيعية وحتى السلطان نفسه قلق جدًا ولكن إلى أي حد فهذا – والقول للقنصل- ما لم أدركه لأنه – أي السلطان- ماهر جدًا في إخفاء مشاعره.
ويضيف القنصل البريطاني: «بدا لي أنه مدرك وبصورة جيدة أنه لا يزال هناك كثير من السفن والبوارج الحربية البريطانية تجوب سواحل الخليج بعيدًا عن سواحل مسقط وربما كان هذا هو السبب الذي سبب صداعًا وقلقًا لزعماء عمان وبالتالي فإن زيارتهم إلى مسقط أصبحت مهمة لتبديد هذه المخاوف».
أما على الجانب الأمريكي، فقد كانت الولايات المتحدة عند قيام الحرب العالمية الثانية تلتزم مبدأ الحياد تجاه الحرب، إلا أن قيام اليابان بالهجوم على ميناء بيرل هاربر(Peart Harber) في شهر ديسمبر 1941م، وتعرض السفن التجارية الأمريكية للاعتداءات من قبل الغواصات الألمانية الرافضة لمبدأ الحياد، دفع الولايات المتحدة الأمريكية للدخول في الحرب إلى جانب دول الحلفاء. وكنتيجة لذلك أدركت الولايات المتحدة أنه لا بد لها من الحصول على تسهيلات جوية لمرور الطائرات الأمريكية في أجواء منطقة الخليج العربي، والحصول على قواعد فيها، لذلك قامت الحكومة الأمريكية بالتفاوض مع كل من السعودية، وعُمان وبمشاركة الحكومة البريطانية وذلك في عام 1942م من أجل هذا الغرض.
وتم عقد مفاوضات في هذا الشأن بين الولايات المتحدة وحكومة مسقط عن طريق حكومة الهند البريطانية خلال الفترة من يونيو إلى نوفمبر 1942م، قادها الوزير المفوض الأمريكي في نيودلهي ميريل (Merrell) وسكرتير حكومة الهند للشؤون الخارجية وييتمان (Weightman). وعلى إثر تلك المحادثات قام الوزير الأمريكي بالهند بإرسال رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي أبلغه فيها بأن حكومة الهند تفضل أن تقوم الحكومة الأمريكية باتصالات دبلوماسية مباشرة مع سلطان مسقط بهدف الحصول على تلك التسهيلات من السلطنة لصالح القيادة الجوية الأمريكية. وفي الوقت ذاته قام الوزير الأمريكي ميريل بإرسال مذكرة إلى سكرتير حكومة الهند في 8 يوليو 1942م طالبًا منه الحصول على موافقة السلطان لمنح التسهيلات لجيش الولايات المتحدة أسوة بالتسهيلات الممنوحة لبريطانيا، وتشمل هذه التسهيلات على الآتي:
استخدام المطارات في أراضي سلطنة مسقط بواسطة الطائرات العاملة ضمن خدمات جيش الولايات المتحدة.
الإذن بإنشاء مبانٍ في «صلالة» و «مصيرة» و «رأس الحد» وعلى محطات نزول لأسراب الطائرات في تلك الأماكن.
منح الإذن بنزول أقل عدد ممكن من الأشخاص اللازمين لتشغيل وصيانة هذه الطائرات وإنشاء وتشغيل محطات لاسلكي وأرصاد جوية ضرورية لسلاح الجو التابع للولايات المتحدة لتدعيم مثل هذه الخدمات القائمة بموافقة سلاح الجو الملكي البريطاني (Royal Air Force).
وذكر ميريل أنه تسلم مذكرة من حكومة الهند تفيد بأنه تمت اتصالات ما بين القنصل البريطاني في مسقط والسلطان سعيد بن تيمور جاءت نتيجتها موافقة السلطان على منح التسهيلات التي تطلبها الولايات المتحدة، ولكن السلطان ربط تحقيق هذه التسهيلات بالعديد من المطالب والاشتراطات.
وقد قبلت الحكومة الأمريكية بشروط السلطان حول منح التسهيلات الجوية في أراضي السلطنة للطائرات الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، ففي برقية بعث بها وزير الخارجية كوردل هل (Cordell Hull) في الرابع من نوفمبر 1942م إلى الوزير ميريل، جاء فيها: «لقد أبلغت وزارة الحربية وزارة الخارجية موافقتها على معظم ما جاء من نقاط في شروط السلطان».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق