مقالات

إحصاءات الثقافة وغياب المثقف

كتب: حسن المطروشي

تمثل الإحصاءات الدقيقة والموثقة أهمية استراتيجية بالغة لمعرفة التحولات والمستجدات والمؤشرات في أي بلد، وتظهر البيانات والمعلومات المطلوبة لدى المخططين وجهات القرار من أجل صياغة السياسات ووضع البرامج التنموية في مختلف القطاعات الحيوية.

ويضطلع المركز الوطني للإحصاءات في السلطنة، الذس أنشيء بموجب المرسوم السلطاني 31/2012، بدور بالغ الهمية في “لتلبية احتياجات ومتطلبات الدولة من الإحصاءات الرسمية والمعلومات الموثقة لاستخدامها في وضع السياسات والبرامج على المستوى الوطني والإقليمي والدولي في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، كما يهدف إلى تلبية متطلبات كافة الجهات في الحصول على المعلومات في المجالات التنموية”، وذلك وفقا لما جاء في مهام المركز.

ويقدم المركز بياناته النهائية في إصدرا سنوي مطبوع، يتيحه إلكترونيا في صيغة بي دي إف. كما يقدم مجموعة من النشرات الإحصائية التخصصية في قطاعات مختلفة، وهي أيضا متاحة إلكترونيا. وقد اطلعت على الكتاب الإحصائي السنوي السابع والأربعين، الصادر عام 2019م، وعلى نشرة إحصاءات الثقافة “الإصدار الخامس”، الصادرة عام 2019م. وكلا الإصدارين يتضمنان بيانات عام 2018م.

لا نعلم ما هي المعايير المتخذة في جمع الإحصاءات الثقافية أو التعريفات المعتمدة لدى الجهات المعنية بإعداد هذه الإحصاءات، ولكن من الواضح عند مطالعة الإحصاءات الثقافية غياب أي ذكر للكاتب والباحث والمثقف والصروح والمناشط الثقافية، في حين تقدم النشرة الإحصائية بيانات مفصلة عن إجمالي سكان كل محافظة من محافظات السلطنة، وعدد أماكن العبادة فيها مثل المساجد والجوامع ومصليات العيد. إلى جانب عدد الحجاج ومدارس القرآن الكريم، بما في ذلك عدد الطلبة والمعلمين فيها. بالإضافة إلى عدد الأئمة والخطباء والوعاظ والموجهين والمرشدين الدينيين من الذكور والإناث. وعدد القلاع والحصون ذات الطابع السياحي، وعدد زوارها، إلى جانب عدد الحرفيين.  

وفي صفحتها الأخيرة تقدم النشرة إحصاءات ثقافية عامة لعام 2018م، تبدأ بالمحميات الطبيعية وعدد زوارها والعاملين فيها من الذكور والإناث. يلي ذلك المسارح وعدد العروض المسرحية والحضور، ثم عدد اللوحات والرسومات المعروضة وعدد الفنانين المشاركين من العمانيين والوافدين وعدد زوار المعارض الفنية. إلى جانب عدد الكتب المنشورة وعدد المناحف وزوارها. كما تقدم النشرة مقارنة بعض البيانات بعام 2017م. أما كتاب الإحصاء السنوي فقد جمع الإعلام والثقافة في قسم واحد، ولم تخرج تقسميات البيانات الثقافية عن ما ورد في النشرة الإحصائية.  

رغم الخلط الواضح هنا بين ما هو ثقافي وما هو سياحي مثل المحميات والقلاع والحصون، فأننا لا نشك بأن بعض المفردات الواردة في الإحصائيات تعد مفردات ثقافية، وبعضها من صميم ثقافة المجتمع مثل الجوامع والمساجد ومصليات العيد، ومن يعمل فيها من الوعاظ والمرشدين والإئمة. ولكننا لا نفهم الغياب التام للشاعر والروائي والقاص والناقد والموسيقي والمغني والباحث والملحن.

فلئن كان الواعظ والخطيب من المثقفين فإن الباحث والناقد والأديب، شاعرا كان أم ساردا أم مسرحيا أم موسيقيا، يصنف كذلك ضمن عداد المثقفين. ولئن كانت دور أماكن العبادة تصنف منشآت ثقافية “بموجب الإحصاءات”، فإن المراكز الثقافية والجمعيات والنوادي والصالونات الأدبية تعد مؤسات ثقافية أيضا، خاصة بعد أن أصبحت الجمعيات والمبادرات والصالونات الأهلية تحت إشراف وزارة التراث والثقافة. 

ثمة غياب تام للمثقف في هذه الإحصاءات، إلى جانب غياب أبرز الفعاليات من المهرجانات والندوات ومعارض الكتب، بالإضافة إلى الإنجازات الثقافية المتحققة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وغيره. وأننا لنأمل أن تعيد الجهات المعنية بالثقافة والإحصاءات النظر في هذا الشأن، كي لا نبخس ثقافتنا حقها ونقدم صورة مبتورة وناقصة عن مشهدنا الثقافي الذي يضم مبدعين في كافة أطياف الثقافة، برزوا في ميادنها، ورفعوا راية وطنهم في المحافل العربية والعالمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق