مقالات

يا ست الدنيا.. يا فيروز

محمد بن سيف الرحبي

وحدها فيروز، في عالمنا العربي، ما نتفق عليه، حينما يشار إلى الفن الأصيل، والإنساني، والوطني، وما عداها من مفردات نؤمن أنها هابطة من السماء، لم تلوّثها مصانع الغش والتقليد والتزييف والطائفية وتفاهات السياسة وحماقات السياسيين.

لأن فيروز “جارة القمر”، وجارة كل جمال في حياتنا، حيث موسيقاها حلم وكلماتها نجوم، وصوتها كتلاوين فجر ينشق ليقول لنا أن الحياة ما زالت ممكنة.. رغم كل جرح، وبؤس، وخراب، يجتاح أمنياتنا أكثر من مدننا.

وكانت لبنان على موعد مع حدثين على طرفين هائلي البعد من النقيض، تناولت خبريهما وسائل الإعلام، حديثها وقديمها، وكل نواقل الأخبار والصور، حدث تفجير مرساها (قلبها الاقتصادي) والآخر زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى فنانة الجمال فيروز لتكريمها بوسام هي من تضيف إليه أكثر مما يضيف إليها. 

نقول شكرا لماكرون لأننا رأينا فيروز أخيرا، يكفي أن نراها لنشعر أن الجمال بخير، وأن الصوت الذي يرافقنا دائما، كشأن مئات الملايين حول العالم، مازالت حنجرته التي سكبت ذهبه وألماسه بخير، وأن ابتسامة المرأة التي لا تبتسم حضرت رغم أنف الجائحة الصحية، ودموع بيروت وعشاقها على ما حدث فيها من زلزال (وبالمناسبة فإن بيروت لا تكف عن مفاجآتها لعشاقها.. كثيرها سلبا وقليلها إيجابا)..

شكرا لأنك ذكرتنا بملامح صاحبة الصوت، مع أننا نعرف الصوت على مسافة أبعد من أن تقدّر بمقاييس السياسيين والتجّار، ففيروز، قد تكون الوحيدة، التي يغني صوتها عن ألف مؤثر آخر كما يحدث مع مغنيات الألفية الجديدة، هي الصناعة الأصيلة التي لا تعتمد على “تنفيخ السليكون وأشباهه”، ولا على تقنيات الاستوديو، ولا تبحث عن الشهرة أو طرق الوصول إلى مستمعيها ومعجبيها، ففيروز أصبحت “ست الدنيا” وليس بيروت، كما وصفها عاشقها الراحل “نزار قباني”، رغم أنه وصفها وهي تحترق، وقد أخذت منه “بلقيســ” ــه! فمعذرة يا نزار، فلقد باعوا أساورها المشغولة بالياقوت، وبالتفجير الأخير أحرقوا حتى ماء البحر.. لم يسمموه فقط!

يكفي أن تحلم فيروز ببساطة “ببيت صغير في كندا” لتشعرنا أننا جميعا يفترض بنا أن نحلم بهذا البيت الصغير في كندا، فمنذ أن عرفناها “كتبنا وما كتبنا ويا خسارة ما كتبنا” رغم أننا وصّينا “مرسال المراسيل” أن يعرفنا على الضيعة القريبة، بجوار “الطاحونة” حيث تلتقي العيون الجارحة، ونوصد “الأبواب” بانتظار الأحباب المغادرين إلى منافيهم ومهاجرهم، تدعو قلوبهم “ردّني إلى بلادي”، وكل طفل يترقب وفي يده ورق وخيطان يغني معها “طيري يا طيارة طيري”، لكن تمزق الحلم، و”ضاع شادي”.. وتبعه ألف شادي.

.. وحتى إذا صاحت ب “يا قدس يا مدينة السلام” أسقط في أيدينا، عجزا ورعبا، أن المجرم نتنياهو أصبح صانع سلام!! 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق