الصحة

البحرين بيئة خصبة للتجارب السريرية

 

تحقيق: زهراء غريب

 

 

“التجارب السريرية” مصطلحٌ تكرر كثيرًا في وسائل الإعلام العالمية والمحلية، وأصبح شغلًا شاغلًا للمواطنين في المملكة وميدانًا للتسابق والتطوع لتجربة لقاح يُحصن من الفيروس التاجي. لكن التجارب السريرية لم تكن جديدة على البحرين فقد شاركت المملكة في عام 2015 – قبل تفشي كوفيد – 19 بأربع سنوات – في دراسات إكلينيكية حول عقار “سيفوبرين” لمعالجة مرضى السكلر والذي اعتمدته هيئة الدواء والغذاء الأمريكية FDA.

 

البحرين استثمرت خبرتها الصحية في هذا الحقل للدخول سريعًا في ميدان الاختبارات السريرية لتجربة لقاح فيروس كوفيد – 19 التي أعلنت وزارة الصحة انتهاء مرحلتها الثالثة في أكتوبر الماضي، فيما يؤمل أن تنتهي مخرجاتها بلقاح فاعل يقضي على الوباء الذي يُكافح رسمياً وشعبياً بجهود رائدة لفريق البحرين الوطني الطبي للتصدي لفايروس كورونا، بقيادة سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.

 

بدايات صعبة:

مرّت الأبحاث الإكلينيكية في البحرين بمراحل عديدة أولها قبل عام 2015 واختصت بالتحضير للتجارب السريرية على مرض ” السكلر”، وتلتها مرحلة التنفيذ للمشروع الذي لقي دعماً قويًا من جامعة الخليج العربي، وبشراكة وثيقة مع كل من المجلس الأعلى للصحة ووزارة الصحة، والهيئة الوطنية لتنظيم قطاع المهن والخدمات الصحية  (NHRA) التي فوضت بموجب البند الرابع لقانون رقم (28) لسنة 2009 بمنح الموافقات لإجراء التجارب السريرية.  وتشهد في الوقت الراهن المرحلة الثالثة وهي تجارب اللقاح لفايروس كورونا كوفيد – 19 .

 

مدير مركز الأبحاث السريرية بجامعة الخليج العربي، د.عادل مذكور، أشار إلى أن الأبحاث كانت تواجه بعدم القبول رغم الجهود المكثفة التي قامت بها الجامعة لإقناع مرضى فقر الدم المنجلي وعائلاتهم بالمشاركة في الأبحاث السريرية. وأوضح: “وجد فريق البحث في بداية المرحلة التحضيرية بعض الصعوبات المرتبطة بإيجاد العدد المناسب للمتطوعين”. وواصل: “غير أن الجامعة باشرت بتطوير أول لائحة تنظيمية للأبحاث السريرية تحت إشراف الرئيس التنفيذي للهيئة الوطنية لتنظيم قطاع المهن الصحية، فشملت المعايير والاشتراطات المعمول بها دولياً والمختصة بأخلاقيات الدراسات الإكلينيكية وحماية حقوق المتطوعين فيها والحفاظ على سلامتهم.”

 

وبشأن الإجراءات التحضيرية التي أنجزت للدراسة على مرض فقر الدم المنجلي، أوضح:” كثفت جامعة الخليج العربي الدورات التدريبية وحملات التوعية للمواطنين في مختلف وسائل الإعلام المحلية والخليجية، وفي إطار التعاون الدولي مع الجامعات ومعاهد الأبحاث العالمية حضّرت الجامعة لدراسة على مرض السكلر شاركت فيها تسع دول منها مملكة البحرين عبر فريق وزارة الصحة المختص بهذا المرض”. وأضاف: “تميزت هذه المرحلة التحضيرية بالجهود المكثفة لتدريب فريق البحث على الإجراءات البحثية السليمة إلى جانب تعريف أعضاء جمعية السكلر بمشروع التجارب السريرية، وترسيخ ثقافة الأبحاث الإكلينيكية السريرية في المجتمع البحريني”.

 

“سيفوبرين” والصناعة الدوائية الواعدة:

أثمرت الدراسات الإكلينيكية التي قادتها جامعة الخليج العربي والمرتبطة بمرض فقر الدم المنجلي عن تجربة ناجحة لدواء”  سيفوبرين” الذي أظهر نتائج إيجابية في تخفيف نوبات الألم وتحسين واقع الحالات الصحية؛ مما حدا بهيئة الدواء والغذاء الأمريكية باعتماده. وهو عقار أعاقت ظروف فيروس “كورونا” وصوله، لكنه سجل في البحرين بعد اجتيازه كل المراحل المطلوبة. ومن المتوقع أن يعالج مشاكل مرضى السكلر الذين يشغلون 50 % من أسرة العناية المركزة في مجمع السلمانية الطبي حسبما أفادت وزارة الصحة البحرينية في معرض ردها على سؤال صحيفة محلية حول فاعلية الدواء.

 

وفي هذا السياق، يلفت رئيس جمعية رعاية مرضى السكلر البحرينية، زكريا الكاظم، إلى أن هذه التجارب أثبتت فعاليتها لما يفوق الــ 80 % من حيث تقليل أيام المكوث في المستشفى، وعززت ثقة المريض بحرص البحرين على سلامته باتباعها أسلوبًا صارمًا في تطوير الأدوية وبشّر بنتائج واعدة في المستوى الثالث قائلًا: “هو عبارة عن حقنة تحت الجلد تؤخذ فور شعور المريض بتوعك وتمنع أو تخفض نسبة حصول النوبة التي رغم ما قد يطرأ إثرها من أعراض جانبية هامشية تماثل بقية الأدوية كالصداع؛ فإنها تضمن للمريض استمرار تحقيق النجاح والعيش حياة طبيعية “.

 

وعبر الكاظم عن ثقته الكبيرة في المستقبل الذي فتحه باب الدراسة في مجال الصناعات الدوائية التي تركت مساحتها لفترة طويلة دون تطوير لغياب الحافز وفقًا لقوله، وأوضح: “الدعم الرسمي من قبل سيدي صاحب السمو رئيس الوزراء الموقر خليفة بن سلمان آل خليفة شجّع صناع الدواء وحفزهم على تطوير هذه الصناعة، وقال: كفى شراء للأدوية الجاهزة، نريد أدوية تناسب الأمراض التي يواجهها أبناء شعبي”.

 

واستطرد:” التوجه الجديد شجع الشركات على إعادة تموضعها مجدداً في السوق ومغازلة محفظة الميزانيات الضخمة في برنامج الشراء الموحد الخليجي، وذلك عبر تطوير مجموعة من الأدوية التي لطالما أهمل تطويرها “.

 

من جانبه، يعتبر الدكتور د.عادل مذكور أن نجاح تجربة الدراسة الأولى بقيادة جامعة الخليج العربي على مرض فقر الدم المنجلي، وريادة مملكة البحرين في التصدي لجائحة كورونا بجهود مستدامة رفعت وعي وإدراك المواطنين بأهمية المشاركة الفاعلة في إنجاح الأبحاث السريرية؛ مما جعل من البحرين واحدة من أنسب البيئات الطبية الخصبة والجاذبة لاحتضان تجارب تطوير الصناعات الدوائية والطبية خصوصاً مع التوجه لتدشين مصانع للأدوية تعود بالإيرادات المالية الضخمة كعوائد على اقتصاد مملكة البحرين.

 

لقاح “كورونا” والخريطة الجينية:

السباق يزداد سرعةً بين الدول لتطوير لقاحات واعدة ضد فايروس كورونا عبر مختبراتها الطبية وشركات الأدوية في سعيها الحثيث لإنهاء تبعات الجائحة صحياً واقتصادياً، غير أن مفعول هذه اللقاحات قد يتفاوت سلباً أو إيجاباً باختلاف التركيب الجيني والأصول العرقية للمرضى؛ مما يعزز دور الطب الشخصي القائم على العلاج طبقاً للجينات، في تصميم الأدوية وفقا للخرائط الوراثية والجينية للأفراد، وذلك بالاعتماد على الأبحاث السريرية باعتبارها الأداة الأكثر أهمية في تقييم صلاحية وأمان أي لقاح يكتشف.

 

ويؤكد الدكتور الصيدلي، سيد محمود القلاف، عدم إمكانية الجزم بملائمة لقاحات كورونا المكتشفة في الغرب على الأفراد في الشرق الأوسط إلا بعد تجربتها سريرياً، مبيناً أن فئات المجتمع الغربي نفسه  من ذوي البشرة السمراء والأقليات العرقية الأخرى ليس من المعلوم أن تشهد هي الأخرى تلائماً جيداً لوجود اختلافات جينية بينها، واستدرك “لكن هذه الاحتمالية ضئيلة جداً؛ لأن تاريخ الطب ليس به العديد من الأمثلة التي تظهر تباين كبير في الاستجابة للأدوية وتلائمها”.

 

ويضيف:” لربما يكون هناك تباين في الاستجابة للقاحات بين الشعوب والمناطق الجغرافية لوجود أكثر من فصيلة لفيروس كورونا. العلماء يذكرون أن اختلاف الفصائل لن يؤثر على فعالية اللقاح، ولكن ذلك يحتاج للتأكيد عن طريق إجراء الأبحاث السريرية في مناطق جغرافية مختلفة وعلى فئات عرقية مختلفة”.

 

ويشير القلاف إلى أن تأكيد وجود علاقة بين الجينات والاستجابة للأدوية يتطلب تطبيق الأبحاث السريرية بكامل اشتراطاتها من تصميم وتنفيذ وتحليل النتائج، موضحاً أن ” العديد من الدراسات الإكلينيكية التي تُجرى حالياً على الأدوية تقوم بجمع الحمض النووي من المرضى لبحث وجود أي علاقة سواء كانت حول تحقيق الفعالية المرجوة أو حدوث أي آثار جانبية للأدوية قد تكون خطيرة”.

 

إنجاز ريادي للتجارب:

وعلى الأرض سجلت البحرين إنجازاً كبيراً بإنهاءها المرحلة الثالثة من التجارب السريرية سعياً لاختبار المناعة المكتسبة من اللقاح المعطل (الآمن) المطور على يد شركة سينوفارم الصينية من أجل علاج فيروس كورونا، إذ أعلنت وزارة الصحة البحرينية عن تخطي أعداد المتطوعين لتلقي اللقاح الحد المطلوب البالغ 6 آلاف خلال ستة أسابيع، منذ استئناف التجارب في أغسطس الماضي بالتعاون مع دولة الإمارات عبر شركة G42 للرعاية الصحية، حيث شارك فيها 7700 من المواطنين والمقيمين من جنسيات وأعراق متعددة. وترجمت القيادة العليا الرسمية حماسها تجاه الأبحاث الطبية بمشاركة كبار المسؤولين في تجربة هذا اللقاح، كصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، مع إقبال لافت من مختلف فئات المجتمع البحريني.

وخضع المتطوعون الذين حقنوا بجرعتي اللقاح لمعاينات طبية؛ بغية رصد الأعراض الجانبية التي طرأت عليهم خلال 49 يوماً، فيما سيستمر الفريق الطبي في متابعتهم صحياً عبر فحوصات دورية لمدة 12 شهراً.

وتعبّر الممرضة والمخترعة زينب بوسهيل (26 عاما) عن ثقتها بالتطور العلمي والطبي الذي دفعها للانخراط في تجربة اللقاح المضاد لكورونا دون خوف قائلة “واثقة أن اللقاح لن يقدم شيئًا مضرًا للبشرية، خاصة أن التجارب بلغت المرحلة الثالثة، أما بخصوص الإشاعات فكل ما هو جديد معرض لها كالتطعيم ذاته”.

وأضافت:” لم تطرأ أي تأثيرات حقيقية على صحتي بعد حقني بجرعتي اللقاح، وأشعر بالفخر كوني جزءاً من هذه التجربة الجديدة والمشوقة لأن هذا اللقاح يعتمد على نتائج المجربين وأنا منهم”.

أما رائد الأعمال وصانع المحتوى، خليل القاهري (34 عاماً)، فيؤكد أن المخاوف لم تراوده قبل تجربة اللقاح خصوصًا أنه لم يتعرض لأي عارض صحي، وقال” شعرتُ بالمسؤولية لأداء واجبي الإنساني والوطني؛ فلم تتملكني الخشية لتسليمي بمشيئة الرب وقدره، وثقتي بفريق البحرين وأن اللقاح الذي اختير اختباره هو الأفضل من بين اللقاحات الأخرى”.

ووصف القاهري عمل الكوادر الطبية في متابعة التطورات الصحية للمتطوعين بالـ ” الجبار والممتاز؛ فمن ناحية المعاملة والثقافة والاهتمام كانوا على قدر الحدث. لكن كان ينقصهم التنظيم الأكبر خاصة أن وقت الانتظار كان طويلاً جداً”.

الممثل المسرحي، صادق العلوي (36 عاماً) تجاوز التجربة بدون تبعات صحية هو الآخر بعد تجريب اللقاح  وقال: ” رغم إني كنت في البداية خائفاً من الأعراض التي يمكن أن يسببها اللقاح خصوصًا أننا لأول مرة في البحرين نخوض تجربة من هذا النوع؛ لكن بالرجوع للمختصين كالدكتور مناف القحطاني تبددت هذه المخاوف بشكل كبير”.

وتابع:” أشعر بفخر كبير لأنني كنت جزءاً من هذه التجربة المميزة جدًا، واستطعتُ أن أخدم بلدي ولو بالشيء القليل. وأشيد بالكادر الطبي الذي عاملني بمهنية عالية واحترافية كبيرة جداً منذ دخولي للتطوع وحتى مرحلة متابعة ما بعد حقن الجرعات”.

فيما تروي الإعلامية فاطمة الماجد (25 عاماً)، تجربتها للقاح بالقول:” شعرتُ بالقليل من الخوف قبل الخضوع لاختبار اللقاح؛ لأني كنت من أوائل الأشخاص الذين تطوعوا لتجربته عند الإعلان عنه فلم أكن أعرف تأثيراته على من سبقوني بالتطوع، لكني كنت متيقنة أن الأضرار لن تكون كبيرة خاصة في ظل وجود متابعة مستمرة من وزارة الصحة”.

وتابعت:” وفعلاً أصبت بأعراض جانبية بسيطة لأيام معدودة من قبيل الغثيان والألم في الجسم واليد، رغم ذلك فإني أتشرف بأني كنت جزءاً من تجربة جميلة وإنسانية تستحق الوقت والجهد وستبقى في ذاكرتي”.

وتشير سيدة الأعمال، صفية القارئ (46 عاماً) إلى أن ما أشيع عن خطورة اللقاح جعل المخاوف تراودها قبل الخضوع لتجربته” لكني سعيدة جداً بالتجربة؛ فلم تصيبني أية تأثيرات وأعراض جانبية تذكر، ناهيك أن عمل الكادر الطبي كان باعثًا على الطمأنينة وممتازًا من حيث المتابعة والاهتمام”.

أنجزت التحقيق لصالح مجلة “الطبي” التابعة لشركة daily public relations للعلاقات العامة والإعلام في البحرين، وبإشراف محمد المغني.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق