مقالات

رسائل إلى صديقي السري

مروة يعقوب

صديقي العزيز..
أحيانا، وقد تكون كثيرة ومتتالية بفترة ما، يكون عليك الكشف عن أمر يخصك، خاص بالمعنى الذي يتعلق بك لوحدك، وفي تلك الحالات فإنني لا أكشف عن خطة تتعلق بحياتي الخاصة إلا وقد وضعت لها بديلا. ببساطة، لا أثق بالكلمة بعد أن تُنطق!
وفي كل تلك الحالات، حتى أولئك الذين كانوا معي في خطتي الأولى يصبح من الصعب علي اطلاعهم على البديل، لأن كلمة منهم أثارها شعورهم بالغضب أو الغبطة قد تضطرني للتخلي عن البديل أيضا!

إشارة:
عدت عودة التائب للاستماع لموسيقى الروك آند رول (Rock & Roll)، في غمرة هذه «الفوضى» التي تجتاحني منذ أشهر عدة.
كل التحية
نفسك

٨
كيف أبدأ رسالتي هذه؟
بالسلام أم برجاء الحياة الطويلة لك يا صديقي؟
منذ تجاوزي الخامسة والعشرين عاما وهاجس الخوف من الفقد يلازمني، لذلك فعلاقاتي المتينة محدودة، لأنني يا صديقي يتعبني شعور الشوق فكيف إن كان بسبب الفقد.
توفي جدي قبل أسابيع. لو تعرف كم احتجت إليك، وإن كان حضورك مقتصرا على الجلوس بجانبي صامتا، لا تحرك ساكنا، ولا تمسك بيدي حتى. احتجت إليك لتخلصني من أسئلتي الكثيرة وتحرر قلبي من حرقته ووجعه. لأنك الوحيد الذي يستطيع تفسير كلماتي دون تشويه للمعنى، وتفهم صوتي، وأشكال سكوتي، وتفهم حجم الشعور من قبضة يدي وحركتها.
ولأنك لم تحضر، سددت غيابك بأعذار صففتها لك، كما اعتدنا أن نفعل.

عموما..
دعني أخبرك عن أيام العزاء. دروس كثيرة تعلمتها، أولها أن لا أحد مخلوق لينتزع حزنك ويرمي به بعيدا أو يغرزه في قلبه. حين يكون الحزن موكلاً إليك فخذ به حتى ينقضي، فهو مخلوق مثلك، له ما خلق لأجله، فلا تمنع عابدا عن عبادته.
صديقي العزيز..
لأيام متتالية زارتنا أقدام منتفخة، وبطون غائرة، وألسنة عطشى، وأيدٍ عارية من الخطوط في باطنها. كنت أشعر بثقل الأقدام حين تعبر عتبة الممر الذي يقذفها ناحيتنا، خطواتها الثقيلة القلقة لم تكن لتسمح لي بالتمييز بين قدم وأخرى، فأولئك هم «الموجبون»، أشخاص اعتادوا على أداء الواجب كيفما كان شكله، غالبا يؤدون أكثر من واجب اجتماعي واحد في نفس اليوم. وقتهم محدود مثل المساحة التي يجلسون عليها، ولهم صوت نكاد لا نسمع منه إلا الحفيف!
الأقدام كانت تجلس بجانب بعضها، لكن البطون والألسنة لم أرها إلا متحلقة مع بعضها بعضا حيثما تواجدت، كانت كثيرة الضحك، وحين تنقطع ضحكاتها تكون مشغولة بهرش جلدها، وشعرت في أوقات متفرقة بأنها كانت السبب في انقطاع الهواء عن المكان حتى همست بقلقي لعمتي: «الأكسجين بيخلص!»، أجابتني بوجه متعجب ثم قامت من مجلسها وفتحت النافذة، لكنني مع ذلك كنت أشعر بالاختناق فقررت ترك المكان إلى غرفة خالية لأتنفس هواء أنقى من ذلك الملوث بالأحاديث غير اللائقة مع شكل وجوهنا الذابلة.
والأخيرة يا صديقي، تلك الأيدي، وتعرفني جيدا كم تشدني الأيدي!
غيمات برد حطت على كفي وصولا إلى قلبي، شدت قبضتها الناعمة وقبلتني إحداها على رأسي حتى تمنيت لو تبقى معي حتى المساء. كان عددها قليلا ولا تشبه بقية المعزين، فلا خطوط تعرفني باسمها، ولا صوت يخبرني كم تبلغ إنسانيتها عمرا، لكنها كانت أيدي بالمعن الحقيقي.

صديقي العزيز..
درسٌ أخيرٌ تعلمته:
الوداع نعمة فلا تتنكر لها وتتركها حين تأتيك في حوادث كالموت وما يعادله وجعا.
إلى لقاء قريب
نفسك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق