السياحي

«خَبّةُ الجعدان».. للـتـخـيـيـم أكثـر مـن مـتـعـة

«الرّمْلة» و«الفنجان» أو «الفنجال» و«السمبوسة» و«الهضبة» و«التل» و«العرق» وغيرها، مُسمّيات وألقاب تعارف عليها الشباب والشيَاب؛ إما لِيستدلوا على مكانها تحديدا أو يصفوها لغيرهم فيلحق بهم، في أعلاها المبيت والتخييم وأسفلها تحديدات الرمال وما يعرف باسم (الرّونات)؛ فذلك جزءٌ من ممارسةِ رياضةٍ وهوايةٍ سنوية لاسيما بعد طلوع (سهيل) ودخوله في إحدى منازله الأربعة.

سامي بن خلفان البحري

نجم سهيل الذي يُبشّر بموسم الأمطار واخضرار الأرض والأشجار وانصراف الحر والاستعداد لرحلات البَّر، هو الآخر من علامات تدشين موسم المسابقات والتحديات على الكثبان الرملية في «خبة الجعدان» بولاية نخل بمحافظة جنوب الباطنة حيث تلتقي الرمال الذهبية بالجبال والأودية، وغيرها من الرمال الناعمة التي تشتهر بها عدة ولايات بالسلطنة كرمال ولاية بوشر ورمال آل وهيبة.
نعم فلهيبُ الصحراءِ في أشهر الصيف الحارقة كفيلٌ بأنْ تأخذَ السيارةُ المُزوّدةُ استراحةَ محارب، وأنْ يلتقطَ المُنافسُ أنفاسَهُ ليُعيدَ تجميعَ القوى وشحذَ الهمم مطلع سبتمبر ووصْلاً بأكتوبر وما بعده حتى نهاية مارس الخصيب.
ومن أراد الراحة والهدوء والهواء العليل، أو إشعال النار والسهر، أو التخييم والمبيت، فعليه بخبة الجعدان؛ لتبدأ رحلة جديدة مع خيوط الشمس وهي تسدلها على تلكم الرمال الناعمة بعد أن رسم عليها النسيم أروع القصص وعزفت الرياح فنّاً بلحنٍ آخر.
خبة الجعدان
تتوسط ولايات نخل والرستاق وبركاء والمصنعة بمحافظة جنوب الباطنة وتقع (رملة خبة الجعدان) بمقربة من قرية الأبيض بولاية نخل. رمالها تحاذي وتلتصق بالقرى الشرقية لولاية الرستاق كقرية جماء والمنصور، ومن الشرق تتناثر رمالها بالقرب من ولاية بركاء، ومن شمالها ولاية المصنعة؛ حيث يمر وادي الأبيض الشهير برمال خبة الجعدان من شرقها فيتركها وراءه حتى يلتقيه السد فينشر خلفه واحات من الأشجار والأزهار والأثمار البرية التي تقتات عليها الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات، ويسعد بها ملاك ومربو الهجن والماشية في تلك البقعة السهلية خصوصا في الشتاء أو عند نزول الأمطار وجريان الأودية. ومن جهة أخرى تحاذي الرمال وتغذيها أودية وشعاب قرى الغيل والحصين وغيرها.
تتميز الرمال في تلك البقعة بعدة مميزات وصفات جعلتها مقصدا للسياح والزوار من عدة ولايات، منها موقعها الفريد في وسط محافظة جنوب الباطنة وقربها من الطريق السريع، كذلك المساحات الشاسعة للرمال التي تمتد في عدة جهات؛ مما يتيح الفرصة للجميع بالاستمتاع والتنزه إما بالسيارات أو بممارسة المشي لا سيما أنها عبارة عن هضاب وتلال بعضها عالي الارتفاع وبعضها متوسطة، كما توجد بعض أشجار الغاف والسمر في الجهة الغربية والجنوبية على حدودها مع مكان مرور الأودية والشعاب. وتلتقي الرمال بالجبال في الجهة الجنوبية.
تتضح لنا مميزاتها وموقعها الفريد والقريب من الشارع السريع الجديد ذي الحارات الأربع والإنارة والتصميم وفق أحدث المواصفات والمقاييس والذي نفذتها وزارة النقل والاتصالات ممتدا من محافظة مسقط حتى أقصى محافظة شمال الباطنة. ويقسم الشارع السريع الرمال إلى نصفين شمالي وجنوبي، ويمكن الوصول لرملة خبة الجعدان من ولاية بركاء باتجاه الغرب لمسافة عشرين كيلومترا، ومن ولاية الرستاق باتجاه الشرق لمسافة خمسة وعشرين كيلو مترا تقريبا، كذلك من ولاية نخل وولاية وادي المعاول بالاتجاه غربا إلى قرية الأبيض ثم التوجه شمالا إلى قرية (طوي الجني) ومنها إلى الشارع السريع في الجسر المؤدي إلى الرملة مباشرة.
كما يوجد بخبة الجعدان أحد المنتجعات السياحية الذي يضم أجنحة فندقية وخياما ودورات مياه وغيرها. ويفتح الشارع السريع آفاقا رحبة لمشاريع سياحية قادمة في المرحلة المقبلة.
تنتشر الحياة البرية في الرمال الناعمة وعلى أطرافها؛ نظرا للأودية والشعاب التي تحيط بها وتجري من تحتها، وتنبت العديد من النباتات والأشجار البرية في هذه الرمال وعلى أطرافها في مجاري الأودية والشعاب؛ مما يشكل مراعي لكثير من الحيوانات البرية والمستأنسة، كذلك الحشرات والزواحف وعدد من الطيور المهاجرة والمستوطنة. ويعمد كثير من ملاك ومربي الهجن إلى استحداث (عزبة) مؤقتة في إحدى تلك التلال الرملية أو على ضفاف الأودية القريبة منها؛ لتتمكن إبلهم وأغنامهم من الرعي والرجوع إليها.
التخييم
يهفو الشبابُ إلى أن يتدثّروا بنجومِ السماءِ الصافية وتأنّسُ نفوسُهم النائمة على الرمال الناعمة مع دفء حَطَبِ السَّمْر وجلسات السَّمَر، وقد يُراوح القمرُ – ضوءَه – بين الشروق والغروب يبددُ عتمةَ الليلِ البهيم بينما يتخلل السحاب الخِفاف والثقال. هُنا (أنامُ مِلء جفوني عن شواردها…)، بعيدا عن صخب المدن لتبدأ الحياة لمن أراد السهر أو السمر أو خطَّ الخبر بين الشِّعر والنثر.
هُنا تُشعل النارُ لتُرى من بعيد كأنها زجاجة اختزلت شمعة، وقد تسمع ما يطرب الآذان وتلذ له المسامع من جلسات السمر كأن الهواء العليل بخفته يحمله إليك بين هضابها وتلالها لحنا سرمدياً، ومنهم من يتبادل أطراف الحديث ويروي القصص وقد يسردها كمِثْلِ (المستطرف في كل فن مستظرف). وربما يستسلمون ويغطّون في نوم عميق غير ملومين.
أما من حمل على عاتقه تخليد صورةٍ بألْفِ كلمةٍ؛ فظلمة الليل وتلألأ النجوم واكتمال البدر حِيناٍ، وخيوط الفجر معلنةً «متّعْ ناظريك فإنني * أرسمُ الحياةَ ولا ألمْ». فحكاية الغروب والشروق لها من يترصدها لا سيما عندما تنثرها بين حباتٍ ناعمة تُداعبها نسائم البَرّ العليل، وتظل الصورةُ كفيلةً باختزال الصفحات وإيجاز المقالات.
في رمال خبة الجعدان نرى أنواعا من الكاميرات الاحترافية والعدسات المتنوعة كذلك الطائرات المسيرة والتي تُعرف بـ (الدرون) بأحجامها وأشكالها وأنواعها المتعددة حاملا الكاميرات لتحظى بأجمل الصور الجوية من ارتفاعات مختلفة.
وللعائلات نصيبٌ مما أرادوا؛ فلهم في عُمان الأمن والأمان والراحة والاطمئنان في عهد جلالة السلطان باني نهضة الأوطان. تحتضن رملة (خبة الجعدان) الشباب والعائلات والسياح من كل مكان؛ فمن يسير ليلا بالشارع السريع بين ولايتي بركاء والرستاق تتبادى له شموع قد زُرعتْ على جانبي الطريق يمينا ويسارا أو من بعيد وما هي إلا (سنارة) تضيء المكان وقد وُصِلَتْ ببطارية السيارة التي لا يستغني عنها محبو الرحلات والتخييم والمبيت في الفضاءات الواسعة. فنسمع هتافات الأطفال وهم يمرحون ويلعبون وآباؤهم للطعام يُجهّزون، ومن الشباب من يتبادل أطراف الحديث وآخرون للورقة مجتمعون، ومنهم للسمر من يقول: لقد حان. وغيرهم جاء بـ (الشارة) لتحلو وتعلو همم الشباب في مسابقات تحدي الكثبان الرملية (الرّونات) إما ليلا أو نهارا.
فوائد الرمال
تختلف الرمال من مكان إلى آخر بين الشواطئ والصحاري في لونها ونعومتها واستخداماتها؛ فمنها اللون الأحمر والأسود والبني والرمادي والرمال الذهبية والصفراء وغيرها، وتتكون من فتات الصخور نتيجة عوامل التعرية المختلفة.
أما عن فوائدها فهناك الكثير من الدراسات والمقالات الطبية والوصفات الشعبية حول فوائد الرمال وطرق استعمالها والاستفادة منها، ويؤكد الأطباء أهمية العلاج بالرمال لأنها تحتوي على نسبة من المعادن الطينية ودرجة حرارتها؛ منهم من يفضل المشي حافيا وآخرون يدفنون أنفسهم في الرمال الساخنة. ويعتبر الكثيرون أن الرمال علاج طبيعي للعديد من الآلام المزمنة مثل أمراض العضلات والأعصاب وآلام الظهر والروماتيزم والأمراض الجلدية والتهاب المفاصل. كما أنه يساعد على تنشيط الدورة الدموية والتنفس وزيادة المناعة والتخلص من الخلايا الجلدية الميتة، إضافة لعلاج الغدد وضغط الدم والدوالي والجراثيم والبكتيريا والفطريات الجلدية، كما يعمل على علاج التشققات في القدمين وشد الجسم والتخلص من الترهلات، كذلك حرق السعرات الحرارية، ومقاومة حالات التوتر والقلق وغيرها.
وما يميز الرمال والصحراء كذلك أنّ بها من النباتات البرية والأعشاب والأشجار الطبيعية التي تستخدم في تحضير الأدوية والزيوت الطبية وقد اعتمدت عليها أجيال سابقة واهتمت بها الأجيال اللاحقة، كما أن الصحراء توفر الكثير من المراعي للحيوانات والطيور والحشرات والزواحف، وأيضا تعد مخازن كبيرة للمياه الجوفية النقية والصافية إضافة لكون الصحراء مكانا سياحيا وراحة نفسية للكثيرين ومتنفسا طبيعيا، ناهيك عن الفوائد التجارية الاقتصادية، كذلك يدخل الرمل في العديد من الصناعات كالبناء وصناعة الزجاج، بالإضافة إلى استخدامه في زراعة بعض أنواع النباتات.
تحدي الرمال
تلك مسابقات فردية وجماعية يُشدّ لها الرحال من عدة ولايات بالسلطنة بل من خارجها في بعض الأحيان، يتنافس فيها أصحاب سيارات الدفع الرباعي والدراجات ذات محركات بفئات متنوعة ومختلفة يتم في بعضها إضافة قطع وأجهزة وبرمجة إلكترونية تسمى (التزويد) بغية صعود أعلى الكثبان الرملية بقوة وسرعة ووقت قياسي حتى يحظى صاحبها بالمراكز الأولى. هذه السيارات – غالبا – لا تستطيع السير في شوارع وطرقات السلطنة؛ نظرا للقوانين واللوائح المنظمة لذلك من جهات الاختصاص، فيعمد أصحابها إلى حملها في رافعات حتى ميدان المنافسة بين جنبات الرمال.
من جهة أخرى تقوم بعض الجهات والشركات الخاصة أو الأفراد أنفسهم بتبني وتنظيم وإعداد تلك المسابقات ورصد الجوائز الرمزية لها ونشر الإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من ذلك ما تقوم بها بعض شركات توريد السيارات بالتعاون والتنسيق مع بعض الجهات الداعمة وجهود الشباب المتطوعين. ويحضر في اليوم المنتظر مئات المشاهدين من المؤيدين ومحبي تلك الرياضة إما للمشاركة أو التشجيع أو المشاهدة وقضاء أجمل اللحظات منهم من يحمل الكاميرات وآخرون يتناولون القهوة العمانية ومنهم من يجهز لـ (الشاوية) وغيرهم للمبيت والتخييم.
لجان للإعداد وأخرى للتنظيم وثالثة إعلامية للتوثيق والنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، هكذا هي همم الشباب العالية وبجهود ذاتية وبتكاتف وتعاون مع بعض الجهات والمؤسسات سواء الحكومية أو الخاصة أو مؤسسات المجتمع المحلي. يتم خلال هذه المسابقات التحدي بعدة طرق منها الصعود إلى أعلى قمة في الرمال، أو أسرع سيارة تستطيع انتزاع التوقيت، ومنهم من يعمد إلى ما يعرف بـ(القص) بطريقة أفقية في الرمال، ومما لا شك فيه أنها تحتاج إلى مهارة وتعلم ومعرفة، وذلك إما في المكان الذي يعرف بـ (السمبوسة) أو من الجهة الشرقية للرمال على مشارف الوادي أو في أماكن أخرى ضمن نطاق خبة الجعدان. كما يقوم كثيرون وبشكل يومي بالتنافس في صعود الرمال بدون مسابقات تذكر، وآخرون يمارسون رياضة المشي على الرمال، ومنهم من يحضر الدراجات النارية، كذلك يمارس الأطفال اللعب واستخدام الطائرات الورقية وغيرها، ويمارس بعض الهواة رياضة الطيران الشراعي بين فترة وأخرى. وادي الأبيض بمياهه الغيلية يستقبل عددا من السياح والزوار؛ حيث يعد وجهة سياحية أخرى بمياهه وظلاله وجباله، وذلك بالدخول إلى قرية الأبيض ثم جنوبا إلى مدخل الوادي بسيارات الدفع الرباعي (وقد تطرقت مجلة التكوين له في عددها 35 الصادر في سبتمبر 2018م).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق