العام

خالد المعمري: أحرص في المقام الأول على جمع الطوابع العمانية واقتنائها

هو باحث دؤوب في مجال التاريخ البريدي، وهاوٍ محترف لجمع الطوابع. بدأ لديه عشق هذه الهواية مبكرا حتى أصبح الآن أحد الأسماء البارزة نظرا لمشاركاته الخارجية وما يملك من رصيد معرفي وإرشيف ثري من الطوابع والعملات النادرة وما يقدمه من أبحاث ودراسات غنية في هذا المجال.
إنه الباحث الدؤوب والهاوي المثابر خالد المعمري .. عصامي مؤمن بهوايته وعاشق لها. يسافر من بلد لآخر، ومن فعالية إلى أخرى، يمد جسور التواصل ويعمق علاقاته بالمعنيين أفرادا ومؤسسات، بحثا عن معلومة أو الحصول على لقية نادرة يضيفها إلى رصيده الغني. مثَّلَ خالد المعمري السلطنة في عدة محافل وفعاليات ومعارض خارجية، أحرز فيها مراكز متقدمة عن أبحاثه النوعية التي حظيت بتقدير لجان التحكيم. وهو يستعد حاليا لمشاركته القادمة في إمارة الشارقة، بدولة الإمارات العربية المتحدة، خلال شهر نوفمبر الجاري، بمناسبة عام التسامح 2019م.
في الحوار التالي نتعرف على خالد المعمري ومشواره الطويل ومشاركاته وأهم التحديات التي واجهها، إلى جانب تطلعاته وأمانيه التي يسعى لتحقيقها …

حوار: التكوين

قصاصة صغيرة مسافرة
في مستهل حديثنا معه سألناه عن بداية الهواية فأجاب قائلا: كانت البداية في مرحلة الدراسة الابتدائية عن طريق المراسلة وتبادل الطوابع. حينها لم نكن نعطي أي أهمية للطابع البريدي من حيث الندرة والمحافظة أوندرك قيمته أو ماذا يمثل للبلد، لأنه لم توجد لدينا وقتها ثقافة أو إلمام عميق بما يمثله الطابع البريدي، هذه القصاصة الصغيرة التى تسافر وتلف العالم بدون أي قيود. لم نكن نعرف ماذا يمثل الطابع غير المستخدم أو الطابع المختوم أو الرسالة المسافرة، لأننا كنا نفتقر للوسائل المتوفرة حاليا وأيضا للأندية أو الجمعيات المختصة.
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي سهلت المهمة بشكل أفضل، وتوفرت مراجع وكتالوجات خاصة نعتمد عليها لتحليل وفهم الطابع البريدي،
وبدأت هواية الطوابع بالانتشار أكثر حول العالم. والآن تقام المعارض والمزادات التى تهتم بهواية الطوابع البريدية، مع العلم أن الهواية كانت محصورة فقط على بعض الدول الأوروبية ووصلت متأخرة إلى الدول العربية، وأصبحت اليوم تقام في أغلب الدول العربية معارض على أعلى المستويات، ويتنافس فيها هواة الطوابع العرب.
لا تقتصر هواية الطوابع على جمع الطوابع فقط وإنما توجد مجالات أخرى.. هل لك أن توضح لنا ذلك؟
تعد هواية الطوابع هي ثقافه عامة، ويجب على الجامع أو الهاوي معرفة أهمية الطابع وما يمثله للبلد، لأن كل طابع صدر بمناسبة معينة. ومن هنا يتجه جامع الطوابع لاختيار نوع التخصص، وأقصد أن أشهر الهواة العالميين يجمعون بالمقام الأول كل الطوابع التى أصدرتها دولهم، وثانيا يتميز بجمع موضوع معين كطوابع الحيوانات أو السيارات أو الطائرات أو الزعماء أو المناسبات الرياضية، وهنا يسمى تخصصا، وهذا ما يميزه عن الهواة الآخرين.
وماذا بشأن اهتمامك أنت كباحث في التاريخ البريدي وجامع للطوابع؟
أنا أحرص على جمع واقتناء الطوابع العمانية بالمقام الأول، إلى جانب الطوابع المشتركة، وهي الإصدارات الموحدة عند أغلب الدول. فاتجهت إلى جمع البطاقات البريدية المصورة (post card) والمغلفات المسافرة وتعني الرسائل المرسلة والمختومة.
وهذا التخصص أعتبره مميزا، لأني أقوم بجمع البطاقات البريدية من كل دول العالم، شرط أن تكون عليها طوابع الدولة المرسل منها البطاقة وعليها ختم تلك الدولة.
وهنا أشير إلى أن أقدم بطاقة بريدية خليجية أرسلت من سلطنة عمان، كما كان أول ظهور للبطاقات البريدية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1861م.
بطاقات من الفضاء
وما الذي حققته في هذا التخصص وأسفرت عنه جهودك حتى الآن؟
قطعت شوطا كبيرا بامتلاك بطاقات من أغلب الدول بما فيها بعض الدول الصعبة والنادرة والمستعمرات والتى لا يوجد فيها هواة أو جمعيات أو وسائل تواصل كأفغانستان وكوريا الشمالية. وتتوفر لدي أيضا بطاقات من دول لم تنل اعترافا كليا من الأمم المتحدة أو غير معترف بها نهائيا لكنها تصدر طوابع للمراسلات الداخلية، وأحصل عليها عن طريق بعض الأصدقاء الذين يوفرونها بطريقتهم الخاصة من هناك. وهناك بطاقة أرسلت لي من القارة القطبية الجنوبية (انتارتيكا). ويعد هذا تحديا كبيرا حيث يسكن هناك 135 شخصا فقط ولا يوجد لديهم مكتب بريد، ولكنها سترسل من محطة الأبحاث وقد يستغرق وصولها حوالي سنة، وأيضا هناك محاولات بيننا كهواة جمع البطاقات البريدية، نظرا لكوني عضوا في مجموعات عالمية، مع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا لمساعداتنا بإرسال بطاقات من الفضاء من المحطة الدولية. وبطبيعة الحال يعد هذا شيئا غريبا ولكن الشرط أن تختم البطاقات في الفضاء.
إذن المسألة ليست بتلك السهولة وإنما هي صعبة وفي غاية التعقيد أحيانا؟
نعم .. ومن الصعوبات التى تواجهنا كهواة جمع البطاقات من الدول المتنازع عليها التى تقوم بحاميتها قوة الأمم المتحدة «اليونفيل» لأنه يصعب الحصول على الختم. هذا بالنسبة للبطاقات البريدية، ولكن توجد أيضا بطاقات أخرى تسمى عالميا
(Flags of the World) وتختصر FOTW وهذه تصدرها شركة خاصة في رومانيا لهواة جمع البطاقات، وتعد التحدي الأصعب في الهواية، إذ يتعين عليك أن تجمع السلسلة كاملة مختومة بطوابعها.
كما نواجه صعوبات بالغة في الدول الأفريقية التى تفتقر إلى وجود مكاتب بريد سوى مكتب أو مكتبين وعدم وجود أشخاص متعاونين في إرسال الطوابع. ويعود السبب في هذا إلى الحروب الدائرة هناك. ورغم ذلك قطعت شوطا كبيرا في الحصول على طوابع أغلب الدول الصعبة، التي تسمى لدى الهواة «الدول النادرة» لقلة الهواة فيها.
وما هي الثقافة والمعارف الإضافية التي تحصل عليها من خلال هوايتك هذه؟
من خلال هذه الهواية تعرفت على بعض الدول لم تكن معروفة لدي، كما عرفت تاريخ وجغرافيا بعض الدول. وعل سبيل المثال بعد تفكك الاتحاد السوفييتي إلى دول ما زالت هناك دول تحاول الاستقلال، وانا بدوري أبحث عن بطاقات أو مغلفات أجمعها من تلك الدول، ومن ضمن هذه الدول أو الدويلات (أنغوشيا، وجمهورية ساخا، ومقاطعة يامالو نينيتس المتمتعة بالحكم الذاتي، وأبخازيا، وشبه جزيرة القرم، وداغستان، وكل هذه الدول موجودة تحت السيادة الروسية).
وماذا عن المغلفات التي تسميها «مسافرة».. ما هي صعوبات الحصول عليها؟
المغلفات المسافرة أو المغلفات المرسلة لي من دول العالم تقريبا اعتبرها حلما وأمنية أسعى إلى تحقيقها، لأجمع مغلفات من كل دول العالم الرسمية والتابعة للأمم المتحدة والدول التابعة والدول غير معترف بها، وخاصة الدول الأفريقية كاملة والمستعمرات. وقد اكتملت لدي أغلب القارات بما فيها آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية وأوقيانوسيا، فيما تبقى الجزء البسيط فقط. وحتى المغلفات التى أجمعها تحمل شعار الدول واعلامها، وبعضها مغلفات ذات تصميم خاص يحتوى على معلم تراثي أو شيء يرمز لتلك الدولة.
وكانت الصعوبة في الحصول على مغلف وبطاقة من دولة الفاتيكان، ولكن ولله الحمد حصلت على مغلف من هناك، وما زالت المحاولة جارية للحصول على عدة مغلفات مختومة من مقر البابا في الفاتيكا. وأيضا هناك معارض للطوابع عالمية وقارية وإقليمية، تصدر خلالها مغلفات وبطاقات خاصة للهواة، وأحرص دائما على اقتنائها، من خلال الأصدقاء الموجودين هناك، أو من خلال المشاركة بالمعارض.
طابع الملكة فكتوريا
وما رأيك في هواية الطوابع في الوطن العربي عامة وعمان خاصة؟
أرى ان هواية الطوابع والعملات بالوطن العربي أخذت منحى جديدا وأصبحت لها جمعيات وأندية خاصة تضم كافة الخبرات، ولكن في الفترة الأخيرة رجحت كفة العملات في الانتشار، وأصبح الهواة أكثر إقبالا على جمع واقتناء العملات عن «هواية الملوك» هواية جمع الطوابع التى بدأت مع إصدار أول طابع بالعالم في بريطانيا عام 1840، وحمل صورة الملكة فكتوريا ويسمى Penny black، ومع إصدار عدة طوابع بدات تظهر الهواية على الملأ وكثر عدد الهواة حتى وصلت إلى العالم العربي والخليج، ولكن في الفترة الأخيرة أخذت هواية جمع الطوابع في التراجع في أغلب الدول العربية. ونستطيع القول إن السبب في تراجع هواية الطوابع يعود إلى أن الرسائل باتت إلكترونية مثل الواتساب والفيس بوك ما أثر سلبا على هذه الهواية وقل استخدام الطوابع على المراسلات. وقد يكون السبب أيضا في تحول أغلب الإدارات البريدية من قطاع حكومي إلى شركات للقطاع الخاص وأصبحنا نفتقر إلى التصاميم السابقة والمرسومة باليد والمعبرة عن المناسبة التى صدر لها الطابع. اليوم نرى صورا عادية توضع كطوابع وتكون بعيدة كل البعد عن المناسبة ولا تحفز الهواة على اقتنائها. ومن الأسباب الرئيسة أيضا ارتفاع أسعار الطوابع المبالغ فيه كثيرا. قيمة إصدار واحد الآن كنا نشتري به إصدارات عام كامل.
ورغم انخفاض عدد الهواة لدنا إلا أنه يتزايد في الغرب. ففي أمريكا وحدها بلغ حسب آخر إحصائية ثلاثة ملايين هاوٍ، وفي بريطانيا مليون هاو، بينما لدينا يعدون على الأصابع. ما هو السبب، وهل ستستمر الهواية مع ارتفاع أسعار الطوابع وضعف التصاميم؟ هذا ما سيجيب عليه الجيل القادم لأنه هو من سيتحمل عبء المحافظة على تراث البلد فيما يتعلق باقتناء الطابع الذي أصبح الآن رمزا لكل بلد.
يتضج جليا أنكم تواجهون الكثير من الصعوبات والتحديات في سبيل هذه الهواية .. هل لك أن تحدثنا عن جانب منها؟
تتمثل المعاناة الحقيقة لكل هاو في قلة الدعم سواء كان ماديا أو حتى تشجيعا معنويا، لأن هذا الدعم يعطينا دافعا للاستمرار والعطاء. نحن نضحي بوقتنا الخاص وبمالنا للارتقاء بالهواية. والهواة يحتاجون إلى من يمد لهم يد العون ويحتضن طاقتهم ويحفزهم على الدعم والتشجيع. ولا بد من الاعتراف بقيمة الإبداع الذي يقومون به، وتكريمهم باعتبار ما يقومون به ثروة تضاف إلى إنجازات بلدانهم. وإننا نأمل عدم تجاهل دورنا في المجتمع كهواة، لأنا نؤدي رسالة هادفة من خلال الطابع البريدي الذي يعد سفيرا للبلد ورمزاً من رموزها.
لك مشاركات بارزة في المعارض الخارجية .. ماذا قدمت لك؟ وما هي المشاركة القادمة؟
أنا أحرص دائما على المشاركة في المعارض وخاصة الخليجية، لأنها فتحت لي بابا واسعا للانتشار، وتعرفت على كبار هواة الخليج والهواة المحترفين الذين سبقونا في الهواية وهم اليوم مراجع لنا، لأني أصبحت أستشيرهم في كل خطوة أقوم به. كما أننا من خلال الحلقات والمحاضرات ضمن الفعاليات المصاحبة للمعارض تعرفنا أكثر على الخطوات والاشتراطات المطلوبة للمشاركة، وفتحت لنا آفاقاً جديدة للمعرفة واكتساب الخبرات.
وقد تشرفت بأن مثلت السلطنة في عدة معارض خارجية، وهذا كله لم أكن لأعرفه لو لم أكن حاضرا في المعارض كزائر في بداية الأمر، إلى أن أصبحت مشاركا في أغلب المعارض خارج عمان، التي حققت فيها نتائج إيجابية. ومن الأشياء المشرفة لي أيضا كانت المشاركة في اجتماع اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لهواة الطوابع FIP وانتخابات الاتحاد لاختيار رئيس ومساعدي الرئيس في المعرض الدولي في بانكوك 2018، كوننا أعضاء في الاتحادين الآسيوي والدولي. وهذه واحدة من فوائد المشاركات في المعارض لأنها بوابة الانطلاق ورفع اسم عمان في المحافل الدولية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق