العام

الاحتراق الوظيفي .. الوقاية والعلاج

تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن تعريف الضغوطات النفسية ودور العوامل الداخلية والخارجية في حدوثها. كما ذكرنا الأعراض المختلفة التي يشعر بها الفرد عند التعرض للضغوطات وتأثير هذه الأعراض على صحة الفرد الجسدية والنفسية بل وعلاقاته الاجتماعية أيضا. في هذا المقال سنتطرق إلى الوقاية من الضغوطات النفسية والتعامل معها عند حدوثها.

د. حمد بن ناصر السناوي
استشاري أول بقسم الطب السلوكي

تعتبر معالجة الضغوطات النفسية والاحتراق الوظيفي مسؤولية الفرد والجهة التي يعمل بها. فكما يعاني الموظف تأثير الضغط النفسي على صحته الجسدية والنفسية فكذلك جهة العمل تتأثر بسبب الغياب المتكرر وقلة الإنتاجية وأحيانا التقاعد المبكر الذي قد يلجأ إليه الفرد للتخلص من ضغوطات العمل مما يؤدي إلى فقدان الخبرات والكوادر المنتجة.
يصف الباحثون النفسيون وخبراء الموارد البشرية بعض المهارات التي يمكن أن يتعلمها الفرد ليتمكن من التعامل مع الضغوطات وتشمل المهارات العامة مثل تعلم مهارات التواصل الفعّال وإدارة الوقت والتعامل مع الأزمات بالإضافة إلى اتباع أنماط الحياة الصحية مثل ممارسة الرياضة والأكل الصحي وتنظيم ساعات النوم. كما ينبه الأخصائيون النفسيون إلى اهمية المهارات الشخصية مثل المرونة النفسية والحضور الذهني وممارسة تمارين الاسترخاء.

ما هي المرونة النفسية؟
المرونة النفسية هي قدرة الفرد علي التركيز في ما يحدث له في الوقت الحاضر واتخاذ الحلول المناسبة التي تتوافق مع مبادئه وأهدافه ليتمكن من التأقلم مع مصاعب الحياة المختلفة مثل المشكلات الأسرية أو العاطفية أو الأزمات الصحية أو الاقتصادية. والمرونة النفسية لا تعني أن الفرد لا يعاني من المشاعر السلبية، بل لديه القدرة علي التعرف على مشاعره السلبية وموازنتها بأخرى إيجابي.

ما هو الحضور الذهني؟
يحدث الحضور الذهني عندما يكون الشخص واعيًا بما حوله من الأشياء والأفعال والمشاعر. ولا يعني الحضور الذهني أن تكون منتبهًا فحسب، بل يتطلب الاهتمام بأدق تفاصيل ما يدور من حولك. يمكن لكل منا أن يقوم بتدريب نفسه على أن يصبح حاضرًا ذهنيًا ويستشعر التأثير الإيجابي لذلك على حياته الشخصية والمهنية.

وهذه بعض الخطوات التي يمكنك اتباعها من أجل الوصول إلى الحضور الذهني :
١ـ مارس الحضور الذهني خلال أعمالك الروتينية. انتبه مثلًا لكل خطوة تقوم بها وأنت تُعدّ قهوتك الصباحية، ثم انتبه لحواسك وهي تتفاعل مع مذاق القهوة ورائحتها ودفء الكوب بين يديك، وحاول كل يوم أن تنتبه لجزء إضافي جديد من روتينك اليومي.
٢ـ مارس التأمل فهو مفيد جدًا للدماغ لأنه يساعده على الحضور الذهني دون أدنى مجهود منك، كما أنه يجعل من الحضور الذهني الحالة التلقائية للدماغ. لذا اقرأ عن التأمل وابحث عن طريقة تناسبك منه. ابحث عن مكان هادئ حتى تبدأ، ثم أغمض عينيك واجلس حسبما تريد. يمكنك التركيز على ترديد جملة أو صوت معين سواء بصوت مسموع أو في سرك، يمكنك أن تردد مثلًا «أنا بخير» .
٣ـ أنصت جيدًا عند الاستماع لما يقوله الشخص الآخر، غالبًا ما يكون الصوت الذي بداخلنا نشطًا بينما نستمع لشخص آخر يتحدث إلينا، فأحيانًا نستمع ونحن مشتتون بالتفكير في شيء آخر. فالحضور الذهني يعني أن ننصت جيدًا لما يقوله الشخص الآخر وننتبه له بكل حواسنا.
٤ـ انتبه لمشاعرك، فقد تصاب بالتوتر خلال اليوم دون حتى أن تشعر بذلك. اجعل ذهنك حاضرًا وانتبه لإشارات التوتر، تتوقف إذا شعرت بتسارع دقات قلبك أو بشدّ في عضلات كتفيك وابتعد عن الموقف المسبب للتوتر حتى تهدأ.
أما المعايير الإدارية فيمكن تلخيصها في الأسئلة السـتة التاليـة:
1 ـ المتطلبات: هل الموظفون قادرون على أداء المتطلبات الموكلة إليهم؟
2 ـ التحكم: هــل يتمتــع الموظفــون بمســتوى للتحكــم فيمــا يؤدونــه مــن مهــام ويتــم الاســتماع لآرائهــم فــي هــذا الشــأن؟
3 ـ الدعم: هل يحصل الموظفون على الدعم المطلوب من الإدارة و/أو الزملاء؟
4 ـ العلاقات هـل يتعامـل الموظفـون الآخـرون معهـم بأنصـاف واحتـرام مثـل خلـو مـكان العمـل مـن أشـكال التسـلط المضايقـات؟
5 ـ المهام: هل يستوعب الموظفون مهامهم ومسؤولياتهم بالكامل؟
6 ـ التغيير: إذا كانت المؤسسة تمر بتغييرات فهل يتم التشاور مع الموظفين وأحاطتهم علما بأخر المستجدات؟
بعد الإجابة على الأسئلة أعلاه يمكن للمؤسسة أن توفر منهجا يساعد الموظف على التعامل مع ضغوطات العمل.
وفي الختام، وكما أسلفنا، فإن مواجهة ضغوطات العمل مسؤولية مشتركة يساهم فيها الأفراد جنبا إلى جنب ليحصل كل منا على البيئة المناسبة ليبدع في مجال عمله ويستمر في العطاء.
وفق الله الجميع إلى ما فيه الخير والصلاح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق