الفني

«الكاراكوز».. في تونس: فن العروسة المسطحة المهدد بالنسيان

ما أن يتجول الزائر في أروقة المدينة العتيقة بالعاصمة تونس، إلّا وتعترضه في المحال التجارية دمىً معروضة على واجهات التحف التقليدية، تتمثل أغلبها في شكل جندي حاملاً درعه وسيفه استعدادًا للنزول إلى حلبة القتال. الجمِيع هنا يُطلق على هذه الدّمى ذات الأحجام المختلفة، اسم «الكاراكوز»، وتعني اصطلاحًا «مسرح خيال الظل».

يقول المختص بفن العرائس في المركز الوطني لفن العرائس محمد البشير جلاد، إنّ «هذا الفن يسمّى بفن العروسة المسطحة، عقب يوم منهك وشاق، كان الباعة والعمال في حي الحلفاوين بالعاصمة يختارون أحد الدّكاكين، يُقيمون جلسات فيها ويرفهون عن أنفسهم بعرض مسرحي هزلي مضحك كانوا يطلقون عليه تسمية الكاراكوز». و»الكاراكوز»، هو شخصية البطل في العرض المذكور، يرافقه فيه كل من زميله «حزيوز»، و «زينة» التي تمثل رمز الفتاة الجميلة والأنيقة. ويتابع جلاد: «كان الباعة من المغرمِين بهذا الفن يرسمون تلك الشخصيات ويجسدونها ثم يضعونها على الحائط أو على خرقة قماش فينعكس النور عليها، ومن هنا انطلقت عروض مسرحية وأعمال فنية بشكل مبسّط كانت تدوم بين 10 و15 دقيقة».
ويوضّح أنّ فن «العروسة المسطّحَة»، المُسمّى أيضًا «مسرح خيال الظل»، كان وسيلة يتخذها التجار للترفيه، فيختارون مواقف يوميّة ويجسدونها في مسرحيات فكاهية خفيفة. ومع الوقت تطوّر هذا الفنّ، وخرج شيئًا فشيئًا من الأحياء التقليدية ليتناول مواضيع اجتماعية وسياسية وثقافية بصبغة نقدية، بحسب المختص. ويشير جلّاد، إلى أنّ تونس بقيت محافظة على أصول فن الكاراكوز، بالإبقاء على الشكل الأول للعروسة المسطحة، وهي نفسها الموجودة حتى يَومنا هذا بلباسها وألوانها زينتها. ويلفت إلى أنّ العرائس المعتمدة اليوم في الوسط الفني تطوّرت فاتخذت أبعادًا ثلاثيّة، إذ تجد أشكالًا لجنُود ونساء ورجال، وهو ما جعل «فن العروسة المسطحة» مهددًا بالتلاشي.
وبلهجة متحسرة، يستأنف جلاد حديثه: «هذا الفن ليس منتشرًا بصفة كافية، لأنه ليس هناك فعلًا من يهتم بفن العروسة المسطحة.. عدا قلة قليلة». ويردف مبينًا أنه من بين القلائل المهتمين بهذا الفن، وأنه قدّم مسرحية «كيف لا أحب النور» بمدينة مدنين جنوبي البلاد، اعتمد فيها على العرائس المسطحة، مشيرًا أنها تواصلت على مدى ساعة كاملة. ويرجع العرائسي سبب انتشار العرائس ثلاثية الأبعاد إلى أن «العروسة المسطحة مكلفة، وأنّ الفنانين الذّين يهتمون بميدان فن العرائس يشتغلون على تقنيات أخرى».
ويبيّن أن «التكلفة المادية تتمثل في شراء جلود ماعز، واعتماد معدات وأدوات زينة عادة ما تكون باهظة الثمن.. فكل جزء من العروسة قد يتطلب ثلاثة أو أربعة أيام من القص وإلصاق الأجزاء ببعضها البعض»، وفق جلاد. ويمضى قائلًا: «نحن في المركز الوطني لفن العرائس نسعى إلى إحياء هذا الفن، ونحاول نشره أكثر في المعهد العالي للفن المسرحي، وكذلك عن طريق ورش للفنانين عمُومًا». وفي الوقت الراهن، هجرت بعض عرائس «الكاراكوز» ثلاثية الأبعاد خشبات المسرح، وأخذت طريقها نحو بعض البيوت لتحل فيه كتحفة فنية تزين أركانه.
وبهذا الصدد، يقول العرائسي: «أنا لست ضد أن يكون في الفن جانب تجاري، حتى ينتشر بشكل أكبر، وحتّى يُقبل الجميع عليه فتأخذ العروسة مكانتها في تونس». من جانبه، أشار محمّد رياض بن غربال، وهو تاجر أدوات زينة قديمة بالمدينة العتيقَة، إلى أنّ «دمية الكاراكوز خرجت تدريجيًا من المَسارح، وأصبحت اليوم تحفة فنية يقبل عليها الكثير من التونسيين والسياح الأجانب بغرض تزيين أركان البيوت».
المصدر: الأناضول

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق