العام

حدّد هدفك وخطّط من أين تبدأ!

فوزي بن يونس بن حديد

 

حالة الاضطراب التي يعيشها الشباب المسلم اليوم تجعلنا أمام قضية وطنيّة وقوميّة وإسلاميّة، نبحث في حيثيّاتها وتأثيراتها وأسبابها ونتائجها على أن الشباب هم الرئة التي يتنفس بها المجتمع في أي مكان بالعالم، وما دامت الدول تعتني بهذه الفئة تأهيلا وتدريبا وتعليما فإنها لا شكّ ستنتج جيلا متعلّما مثقّفا يحمل المشعل ويكون عنصرا فعالا في المجتمع على المديين الطويل والقصير، لأن الشباب هم عبارة عن طاقة بدنية وفكرية وجنسية تريد أن تأخذ مسارها في الحياة الطبيعية، وإذا كُبتت هذه الطاقة فإنها ستتحول إلى قنبلة موقوتة تنفجر في أي لحظة من لحظات الزمن.
وأثناء هذه الحالة يجد الشاب نفسه متوترا ومضطربا لا يدري من أين يبدأ حياته، من العمل أو الزواج أو بناء البيت أو الاهتمام بالحياة الثقافية أو الفكرية أو العملية، أسئلة كثيرة تخامر ذهنه وتجعله يشعر بأرق، لم يستطع أن يرتب أوراقه في عالم العولمة شديد السرعة، يريد أن يحقق مطالبه بسرعة، لا يريد أن ينتظر سنوات عديدة مثل أبيه حتى يحقق شيئا بسيطا، لأن الشباب اليوم يجنحون إلى السهل الممتنع، ولا يريدون التعب والمشقة والكد والجد، إذ يعتبرون ذلك من فوات الزمن، وعلى الدولة أن توفر لشبابها ما يريدون بأقصى سرعة ممكنة، على أن هذا ليس من مشمولات الدولة وليس من واجبها أن تسعى لتوفير لقمة العيش لكل فرد من أفرادها لأن هذا سيرهقها وستسرف عن وقتها الكثير في البحث عن وظائف لهم.
ولمّا لا يجد الشاب الأرضية متاحة له من حيث الحصول على الوظيفة التي توفّر له راتبا شهريا، وتؤمّن له حياته المستقبلية من بيت وزوجة وأبناء وثروة ولو بسيطة سيلجأ حتما إلى وسائل أخرى حتى يحصل على مبتغاه، ولكنها وسائل قد تكون عنيفة يلجأ خلالها الشباب إلى التظاهر أو الاعتداء على ممتلكات الدولة أو على رجال الشرطة للتعبير عن آرائهم حتى الحصول على ما يريدون وبالتالي يقعون في مآزق كثيرة في حياتهم التي ربما تتوقف فجأة وتأخذ مسارا منحرفا آخر فيجد الشاب نفسه بين عشية وضحاها في مساءلات وتحت وطأة عقوبات لا طائل من ورائها إلا تضييع الوقت وإهدار روح الشباب فيه التي بدأت تستمتع بالحياة وتريد أن تعيش بأمان.
ولذلك على الشباب أن يعلموا أن الحياة تخطيط، فلا يمكن أن تنجح حياة أي فرد إلا بعد أن يقوم الفرد بهيكلة لحياته، وأن يسعى إلى تحديد الهدف، والأسئلة التي ينبغي أن يطرحها الشباب أولا على نفسه ما هو الهدف؟ ومن أين أبدأ؟ فإذا حدّد الهدف بدأ حياته بهدوء واستقلال وعمل وسعى بكل قوته إلى تحقيقه، وهو يحمل في نفسه عناصر القوة المعنوية التي تبعث في نفسه الطمأنينة والسكينة، وتخرجه من حالة الأرق التي يعيشها في كل عصر وزمن، هذه العناصر إذا توفرت كانت السلاح الفعّال لحلحلة الأزمة التي يعيشها معظم الشباب في عصرنا وفي العصور التي تأتي من بعدنا، تبدأ بحالة العزيمة وهي عدم الفتور واليأس والشعور بالإحباط عندما لا يتحقق الهدف بالسرعة المطلوبة لتأتي حالة الإصرار على تحقيق الهدف رغم الصعوبات والعراقيل والمحبطات والمثبطات، ويبقى التحدي عنوان جهاد النفس نحو الوصول إلى المعالي، وقبل ذلك كله الثقة بالله العظيم، الثقة في التوكّل على الله عز وجل والسعي في الأرض بحثا عن الرزق، واليقين بأن الله سبحانه كفل له رزقه وأعطاه حسب ما أراد ولن يموت إلا بعد أن يكمل رزقه، وهذه المعاني تجسّدها الآيات الكريمة التالية وهي قوله تبارك وتعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً «(3).
وبالتالي فإن أول خطوة يخطوها الشاب في حياته أن يتسلح بهذه الأسلحة التي تحصّنه من أي خوف من المستقبل الذي يخيفه عندما لا يحصل على وظيفة بمجرد تخرّجه من الجامعة، ويظل في محنته تلك يولْول على مستقبله غير الواضح والغامض بينما الآفاق أمامه مفتوحة حيث أمره الله سبحانه وتعالى أن يسعى في أرض الواسعة «هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور» وأن يبحث بنفسه عن وظيفة أو عمل يقتات منه ولا ينتظر أن تأتيه الوظيفة إلى بيته أو ينتظر أن ينزل عليه المال من السماء، لأن البحث عن وظيفة وظيفة في حد ذاتها حتى لا يصبح الشاب متواكلا على غيره ويظل يعتمد على نفسه في المقام الأول، وسيجد بإذن الله تعالى الأبواب مشرعة وسيوفّقه الله تعالى إلى ما يريد وسيحقق في حياته ما يشتهي، ولكن عليه بالصبر حتى يتحقق الأمل ويتلذذ بما يقوم به.
وبعد أن تتهيأ له الظروف، يبدأ حياته خطوة خطوة بيقين من أن الله سيوفّقه إذا اتّبع الطريق المستقيم والنهج القويم، إذا أقدم على الطاعة وابتعد عن المعصية، إذا خطّط لحياته وعرف أولوياته، فلا يبدأ من الآخر إنما سيبدأ من الأول، فالوظيفة والسكن والزواج مبتغى كل شابة وشاب، إذا عرف من أين يبدأ وتسلق السلّم درجة درجة سيصل بأمن إلى القمّة، أما إذا حاول أن يقفز على الدرجات وقد يصل إلى القمة فجأة، سيسقط لا محالة فجأة، لذلك قيل إن الطلوع إلى القمة لا يكون إلا درجة درجة. ومهما سيطر القلق والكآبة على نفس الشاب فإنه أقوى من أي ظرف من هذه الظروف، وعليه أن يبحث عن الطريق السليم الذي يوصله إلى برّ الأمان الروحي والنفسي والمادي الذي ينشده كل شاب في يومنا هذا عندما تخاذلت الأسر والمجتمعات في البحث عن حلول لكل المشكلات مهما بدت بسيطة في عين الغير إلا أنها تبدو عظيمة في نظر الشباب التائه في صحراء وبحور المعطيات الجديدة، والتطورات الحديثة، فربما لا نلقي بالا لها لكن يمكن أن يأتي الانفجار من مستصغر الشرر.
وعندما توفر الدولة للشباب أسباب التعلم والتدريب والتأهيل تكون الفرصة أكثر أن يحصلوا على وظائف وفق استراتيجيات معينة تقوم بها لتوفير العيش الملائم للشباب، وبعدها تأتي الوظيفة لتوفير السكينة والطمأنينة في النفوس، ليفكر بعدها في بناء بيت يحميه ويحمي أسرته من الحر والبرد ثم يصل إلى مرحلة من تلبية الغريزة الجنسية عن طريق الزواج، فمن الطبيعي أن تهيج غريزة الجنس لدى الشباب وهم في هذه المرحلة العمرية لذلك تفطّن لها الشرع الحنيف مبكرا وحاول أن يوجد الحل المناسب لضبطها وجعلها تعمل في إطارها الشرعي، فأباح الزواج وجعله وسيلة لإفراغ الطاقة الجنسية الكامنة فيه، وعبر هذا الباب استطاع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يحث الشباب على هذه الفضيلة عندما قال مخاطبا الشباب: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء».
وحينما أراد الشرع للشباب أن يتزوج أراد أن يحصّن الشباب من العلاقات المحرمة التي تسبب الويلات للمجتمعات من أمراض خبيثة واختلاط في الأنساب، وحتى يكون المجتمع المسلم نظيفا من أي وباء يوهن أجسام الشباب ويحدّ من انتفاع المجتمع من هذه الطاقات، لذلك أمر بالتيسير في نفقات الزواج من مهر وتهيئة للبيت ومصاريف العرس وغيرها من الحاجيات، وأباح النظر إلى الشريك حتى تتدفق الأحاسيس والمشاعر وتتآلف القلوب وتتودّد وتتناغم الأرواح وتتقد العاطفة، بل وأباح له تعدد الزوجات شرط العدل بينهن وفق أطر وأسس حدّدها الإسلام.
فليس هيّنا أن تتعامل مع فئة شبابية في عصرنا المختلف كليا عن العصر الذي قبله، شباب يناقش في كل شيء، يريد أن بعيش حياة أفضل مما عشناه في واقعنا، تغيير في نمط الحياة، وتغيير في العلاقات، وتواصل عبر التقنيات، وإصلاح لكل المشكلات، ولكي تنجح الدول في هذه المهمة عليها أن تبحث في السبل الكفيلة للحد من هذا الصراع مع الشباب فلا تتبنّى الدولة منهجا عنفويّا، ولا طريقة كلاسيكية بل عليها أن تبتدع أساليب حديثة وجديدة لاستقطاب هذه الفئة المهمة في المجتمع وعليها أن تتبنى لغة الحوار التي هي قوام العلاقات بين الحاكم والمحكوم، والكل يتحمل المسؤولية من البيت الذي نشأ فيه الشاب وترعرع إلى المدرسة التي تعلم فيها، إلى الجامعة التي تعلّم فيها وتدرّب وتأهّل، إلى العالم الخارجي الذي يحتكّ فيه بجميع الفئات البشرية ويتعلّم صنوف التعامل مع الكبير والصغير والمثقّف والجاهل والرجل والمرأة، ومن ثم تتكون لديه ثقافة تربوية ومجتمعية تؤهله أن يحصل على الخبرة الكافية للتكيف مع الأحداث الجارية في العالم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق