العام

الاعتداء على الممارسين الصحيين

ذات صباح وأنا جالس في عيادتي أنتظر وصول المرضى، دخل الغرفة شاب في الثلاثينات من العمر، و بعد أن ألقى السلام أخرج ورقة من جيبه وقال: هل هذه الأدوية موجودة لديكم هنا؟. نظرت إلى الورقة، كانت عبارة عن نسخة مصورة لوصفة طبية صادرة من إحدى العيادات الخاصة خارج السلطنة. أجبته «نعم»، هذه الأدوية موجودة في صيدلية المستشفى. فقال: «أريدك أن تكتبها لي»، وضحت له أني أعالج المرضى كبار السن من عمر الستين فما فوق واقترحت أن ينتظر طبيبه ليصف له العلاج، قال إنه لم يسبق له العلاج عندنا في العيادة وليس لديه ملف في المستشفى، أخبرته بأنه في هذه الحالة عليه إحضار تحويل من مجمع صحي أو مستشفى آخر وسيتم تحديد موعد له لتقييم حالته ووصف العلاج. قال بصوت عال (لكني أحتاج إلى الدواء اليوم). أخبرته بأننا كمستشفى مرجعي نطلب تحويلا ليتم تقييم حالة المريض خاصة وأن حالته غير طارئة. رفع صوته مرة أخرى قائلا «أنتم لا تحترمون المريض العُماني». طلبت منه أن يهدأ لكنه قاطعني قائلا: هذا مستشفى حكومي وليس ملكا لك أو لأجدادك، سأتقدم بالشكوى لدى مدير المستشفى».

د. حمد بن ناصر السناوي

هذه الحادثة تعتبر من الأمور المتكررة التي تحدث خلال تعاملنا مع المرضى وذويهم. شعورهم بالغضب وقيامهم بالاعتداء اللفظي وأحيانا الجسدي على العاملين في القطاع الصحي من أطباء وأعضاء طاقم التمريض والفنيين أحيانا. وهو ما حدث لطبيبة الجراحة الأردنية «روانسامي» التى انتشرت قصتها في وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية بعد أن قام شخص رافق أحدالمرضى بالاعتداء عليها بلكمة في الأنف أدت إلى إصابتها بنزيف حاد وكدمات اضطرتها للخضوع لعملية جراحية وللمكوث في المستشفى لتلقي العلاج. وعلى الصعيد المحلي ما زلت أذكر حادثة الاعتداء على فنية أشعة بالمستشفى السلطاني حين قام أحدهم بالاعتداء عليها بالضرب وهي تستعد لركوب سيارتها ومغادرة المستشفى بعد انتهاء مناوبتها. كانت إصابتها حرجة أدخلت على إثرها قسم العناية المركزة.
ورغم أن هناك العديد من حالات الاعتداء اللفظي والضرب التي غالبا ما توجه نحو أعضاء الممارسين الصحيين بشكل كبير، إلا انه نادرا ما يتم التبليغ عنها أو اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المعتدي مما قد يؤدي إلى استمرار مثل هذه الحوادث تحت قاعدة «من أمن العقوبة اساء الأدب».
وتعتبر ظاهرة الاعتداء على الممارسين الصحيين من السلوكيات المنتشرة بين مختلف المجتمعات. ففي بعض الدول يتعرض العاملون في قسم الطوارئ بالمستشفيات المرجعية بشكل خاص للاعتداء بصفة متكررة، خاصة من المرضى الذين عادة ما يكونون تحت تأثير الكحول أو المخدرات، وتشير الدراسات العالمية إلى أن أفراد طاقم التمريض معرضون للاعتداء ثلاثة أضعاف مقارنة بباقي أعضاء الفريق الطبي، كونهم في الواجهة عند استقبال المرضى في أقسام الطوارئ والعيادات.
والسؤال الذي يطرح نفسة: لماذا يقوم المرضى أو من يرافقهم بالاعتداء على الممارسين الصحيين رغم حاجتهم للعلاج الذي يقدمونه لهم؟
تعددت الأسباب التي أوردتها الدراسات ولكن يمكننا تلخيصها إلى عوامل تعود إلي المريض وأخرى تعود إلى الممارس الصحي وثالثة إلى المكان الذي يقع فيه الاعتداء. فمن الأسباب المرتبطة بالمريض، تعتبر العصبية والشعور بالإهمال من قبل الطاقم الصحي أو أن يكون تحت الكثير من الضغوطات النفسية التي قد تكون بسبب تعرض أحد أفراد أسرته لخطأ طبي في السابق أو مجرد الإصابة بمرض خطير وعدم توفر المعلومات الكافية لديه. وفي بعض الأحيان يكون السبب عدم معرفة المريض أو المرافقين له بالقوانين أو تعمد تحدي هذه القوانين وأحيانا قد يشعر بعض المرضى بتفضيل مرضى آخرين عليهم وتقديم الرعاية الطبية لهم رغم وصولهم بعد المريض الغاضب مما يثير الحقد لدى ذلك المريض حتى وإن كان سبب تقديم الآخرين يعود إلى خطورة وضعهم الصحي. ومن ناحية الممارس الصحي فإن عدم قضاء وقت كافٍ مع المريض وشرح الوضع له، أو الافتقار لمهارات التواصل الفعّال التي تساعد الممارس الصحي على التعرف على المؤشرات الأولية لبوادر الغضب لدى المريض أو المرافق له والتعامل معها بطريقة صحيحة قبل أن يتطور الموقف إلى الاعتداء. ومن ناحية مكان الاستشارة الطبية فإن العيادات المزدحمة وغير المكيفة التي تفتقر إلى العدد الكافي من المقاعد يشكل بيئة خصبة لزيادة احتمال حدوث الاعتداء على الممارسين الصحيين.
تعرف على علامات الغضب
وكما أسلفنا فإن التعرف على علامات الغضب يساعد في تفادي تطور الوضع. ومن هذه العلامات أن يتجول المريض أو المرافق له بطريقة عصبية في قاعة الانتظار أو أن يقترب كثيرا من الممارس الصحي أو التحدث بصوت مرتفع أو يستخدم نبرة متعالية أو استخدام السخرية أثناء الحديث، أو أن يقوم بضرب الحائط.
كيف نتعامل مع المريض الغاضب؟
حافظ على هدوئك وتحدث بصوت هادئ،.تجنب التقليل من شأن المريض أو السخرية منه. لا توجه له الأوامر. تجنب عبارة «اهدأ» لأن ذلك قد يستفز المريض ويدفعه للعنف. لا تتحدث إذا بدأ المريض بالصراخ، دعه يكمل حديثه، وتجنب تهديده أو الاقتراب منه. نبه الآخرين من زملائك بأنك تتعامل مع شخص غاضب وقد تحتاج إلى مساعدتهم في تفادي العنف.
ماذا تفعل بعد تعرضك للاعتداء؟
يعتبر التعرض للاعتداء سواء اللفظي أو الجسدي من العوامل التي تسبب الألم وربما فقدان الأمان لدى الصحية وقد تؤدي إلى اضطرابات نفسية إذ لم يتم التعامل معها بشكل صحيح. لذا ينصح علماء النفس باتباع الخطوات التالية
* حافظ على هدوئك. قد تشعر بالإهانة، الخوف الصادم أو ربما تشعر بالذنب. كل هذه مشاعر عادية لكنها قد تعيقك من رعاية المرضى الآخرين.
* خذ استراحة وتوقف عن العمل، وإذا سمحت الظروف قم بالاستئذان والعودة إلى المنزل.
* قم بتسجيل تفاصيل الأحداث التي سبقت الاعتداء فقد تحتاج إليها عند تقديم شكوى.
تحدث عن الحادثة إلى شخص مقرب.
دور المؤسسات الصحية:
لقد ساهم نشر التوعية الصحية لدى المرضى عن طبيعة الحالات التى تتلقى العلاج في أقسام الطوارئ وتصنيفها إلى حالات حرجة وأخرى عادية. وتذكير المريض بالوقت المتوقع أن يقضيه في انتظار حصوله على الرعاية الصحية في تقليل معدل العنف تجاه الممارسين الصحيين. كذلك ساهم توفير المطويات والكتيبات التي تشرح حقوق المرضى وواجباتهم والعواقب القانونية لمن يعتدي على الممارسين الصحيين في نشر الوعي لدى المرضى وذويهم. كما تقوم بعض المستشفيات بعقد دورات تدريبية لجميع الممارسين الصحيين في مهارات التواصل الفعّال وبالتحديد التعامل مع المريض الغاضب. وهذه الدورات لها أثر إيجابي في حصول الممارس الطبي على المهارات الأزمة لامتصاص غضب المريض وتفادي الأمر قبل أن يصل إلى درجة العنف اللفظي أو الجسدي.
وختاما، لنتذكر أن الممارس الصحي أفنى أعواما عديدة من شبابه في الدراسة والتدريب واكتساب الخبرة ليقوم برعاية المرضى على أكمل وجه، لذا من حق الجميع الحصول على المعاملة التقدير والمعاملة الطيبة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق