مقالات

إني مشتاق لرؤيتك يا سيدي يا رسول الله

زاهر بن حارث المحروقي

لا شك أنّ المؤمن الصادق، يتلهف قلبه شوقًا لرؤية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المنام. وتُعتبر تلك الرؤية من المبشِّرات، إذ لا يستطيع الشيطان أن يتمثل به؛ ورؤية الرسول صلى الله عليه وسلم نعمة وشرف ما بعده من شرف، ورسالة تطمين للمؤمن أنه يسير على خطى الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم. وقد اهتم الصالحون – على مر العصور – بمسألة الرؤية هذه، واعتبرها الكثيرون أسمى أماني المؤمنين الصادقين؛ إذ هي دليل الصدق والقبول، وكذلك الرضا من المولى عز وجلّ؛ وهي دليل السير في طريق الحق، حيث روى البخاري ومسلم عن أبي قَتَادَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، أنّ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «مَنْ رَآنِى فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ». لذا فإنّ هناك كتبًا كثيرة تناولت مسألة رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك المحفِّزات التي توصل العبد إلى تلك المرتبة التي تؤهله بأن يرى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
يقول أحد المشايخ في محاضرة منشورة عبر الكاسيت، كان هناك تلميذ يشتاق كثيرًا إلى رؤية الرسول في المنام، إلا أنه – رغم شوقه – لم يوفق إلى ذلك سبيلا، فذهب إلى أحد الصالحين، وشكا له أمره، فما كان من الشيخ إلا أن يدعو التلميذ للعشاء والمبيت عنده، فقدّم له عشاء مالحًا وحارًا، مع أقداح من الماء، إلا أنه حذّره من شرب الماء مهما حرقه الطعام. وكلما سأل التلميذ الشيخ أن يسقيه الماء، يرفض الشيخ ذلك، ويصر على التلميذ أن يأكل من الأكل المالح والحار. ذهب التلميذ إلى الفِراش وهو يشعُر بالعَطَش الشَّديد، ويُحدِّث نفسه بالشُّرب، ولكنَّه يَخشى أن لا يرى النبيَّ عليْه الصلاة والسلام، وأمضى اللَّيل كلَّه يتقلَّب في الفِراش يُقاوِم شعورَه بالعَطش، حتَّى غلَبه النَّوم، وعند الصَّباح استيقظَ وذهب إلى الشَّيخ، الذي سأله: هل رأيتَ الرَّسول صلَّى الله عليْه وسلَّم البارحة؟ فقال: لا، لم أَرَه. فقال الشيخ: وماذا رأيت؟ قال: رأيتُ نفسي أشرب الماء، وأسبح من أنهار، ورأيت السماء تُمطر، والأرض تنبع ماءً، ورأيتُني أسبح وأشرب من الماء الذي يتدفَّق حولي من كلِّ مكانٍ، وبتُّ طولَ اللَّيل وأنا أحلم بالماء، ولم أر الرَّسولَ صلَّى الله عليْه وسلَّم كما أخبرتني. فقال له الشَّيخ: «لو بتَّ ليلتَك عطشانًا تفكِّر في رؤية رسولِ الله، كما كنتَ عطشانًا تفكِّر في الماءِ، وتعلِّق قلبك برسول الله، كما تعلَّق قلبُك بالماءِ – لكُنْتَ رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم. فإذا أردتَ أن تَرى رسولَ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم فيجب أن يشغل الرسول كلَّ تفكيرِك وقلبك ونفسك، حتى لا تفكِّر، ولا ترى شيئًا سوى رسولِ الله، عندها يكرمك الله برؤية رسوله صلى الله عليه وسلَّم».
من الكتب التي تناولت رؤية الحبيب عليه الصلاة والسلام في المنام كتاب «هل تشتاق لرؤيا الحبيب صلى الله عليه وسلم في المنام»، الذي أعدّه أيمن بن حبيب بن سيف الفارسي، الصادر عن «مكتبة خزائن الآثار»، الذي يقول في مقدمة كتابه: «عزمتُ على أن أخدم النبيّ صلى الله عليه وسلم بشيء أستدرّ به عطف قلبه الشريف، وأستمطر به رحمة ربي الرؤوف سبحانه، وقد صادف هذا شوقًا ملحًا في أعماقي لأن أرى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام؛ لقد قسا قلبي، وأطفأت المعاصي كثيرًا من جوانبه، فطمعت أن أكرم بإشراق أنوار الطلعة البهية لمحيا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قلبي، فجئت أطرق باب كرم الله تعالى وعفوه، بخدمة رسوله الكريم، وأتمرغ على الأعتاب موقنًا بأنّ جاه رسول الله عليه الصلاة والسلام واسع عريض عند الله الرحيم». وقد حرص على جمع آثار علمائنا، المتعلقة بالمرائي النبوية الشريفة، وإثبات أخبارهم ومرائيهم وحدهم دون غيرهم، «وتعمدتُ التركيز على أخبار أهل عُمان؛ ليعلم المطلع أنّ هذا المنهج في الاشتغال بالمرائي النبوية للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ليس بدعًا من القول، وليستيقن المرتاب أنّ حبال القوم موصولة بحبال رسول الله، وأنّ آثارهم تواطئ آثار المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم».
يشتمل الكتاب على مقدمة وستة عشر فصلا قصيرًا، إذ يبلغ عدد صفحاته 123 صفحة. ويقول الكاتب في فصل «حقيقة رؤيا النبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام»، «إنّ رؤيا النبيّ عليه الصلاة والسلام على صورته الشريفة المعروفة التي خلقه الله عليها، هي من قسم الرؤيا الصالحة أو الصادقة، لأنّ خياله الشريف معصوم في حياته وبعد مماته كما عُصمت ذاته الشريفة، فلا يستطيع الشيطان التمثل به، وهذا من خصائصه الشريفة. وقد وقعت رؤياه في المنام لخلق كثير من أمّة محمد عليه الصلاة والسلام من المتقدمين والمتأخرين», ويخصص فصلا كاملا في الكتاب لهذه المرائي، تحت عنوان «نماذج من مرائي أهل عُمان في النبي صلى الله عليه وسلم»، كما أنه يقدّم في فصل «فوائد ومجرّبات لحصول رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام»، بعض الكيفيات التي تساعد المرء على رؤيته عليه الصلاة والسلام. ويقول أيمن بن حبيب الفارسي عن تلك الكيفيات إنها وإن لم تثبت بعض ألفاظها أو طريقتها عن رسول الله، لكن لا يُستنكر ذلك؛ فإنّ الله تعالى قد يُلهم بعض عباده المخلصين ما يتقرّبون به إليه، ممّا لم يؤثر عن المتقدمين قبلهم، «وهو ممّا جُرِّب فصحّ عند مجرِّبه. وعلى كلِّ حال، فإنّ كلَّ ما فيها لا يخرج عن كونه ذِكرًا ودعاء لله تعالى أو تنفلا بقرآن أو صلاة».
وغير تلك المجرّبات التي ذكرها أيمن الفارسي في كتابه هذا، فإنّ النقاط التي ركّز عليها لمن أراد أن تتحقق له رؤية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هي عليْه أوَّلًا أن يزكِّي ويطهِّر نفسه من جَميع العيوب، ثم عليه التركيز في الدعاء والإلحاح عليه؛ فالإلحاحُ من أعظم ما يُستدر به كرمُ الله تعالى، ثم التعلق القلبي بالرسول الكريم بأن يقرأ سيرتَه، ويكْثِر من ذِكْره والصَّلاةِ عليه، ويشغل وقتَه كلَّه في ذِكْرِه والصَّلاة عليه؛ فكثرةُ الاطلاع على جوانب حياته وشخصيته وسيرته الشريفة، توقع الإنسان راغمًا في احترامه ومحبته – مهما بلغت قسوة القلب -، وتقوده راغبًا إلى تمنِّي صُحبته ومرافقته. وعلى الراغب في الرؤيا أن يُجاهد نفسَه في الصلاة عليه كلَّ يومٍ، بأيِّ صيغةٍ كانتْ في أيِّ وقْت، ويُكثر من الصَّلاة عليه، عليْه الصَّلاة والسلام يوم الجمُعة؛ إلا أنّ أيمن يركِّز على أنّ مجرد الصلاة باللسان دون صدق الاتباع العملي لن يفيد؛ إذ لكلِّ زعْمٍ لا بد له من برهان؛ فالتعلقُ القلبيّ بجنابه الشريف أصلٌ من أصول الإيمان، فحُبُّه عليه الصلاة والسلام له شقان: الأول ميلٌ وتعلقٌ بالقلب، والثاني هو تصديقُ العمل بما وقر في القلب من التعلق به، وإلا كانت كلُّ دعاوى الحب فارغة إذا تجرّدت من العمل.
وعودًا إلى البدء نقول: لماذا الإلحاح على طلب رؤيا النبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام؟. يجيب على السؤال أيمن بن حبيب بن يوسف الفارسي قائلا: «إنّ الجواب على هذا السؤال المهيِّج للشوق، الملحّ في قلوب المحبين، لا يحتمله بيانٌ بلسان، وإنما تخطّه حباتُ القلوب المنفطرة، وتسطره حُرقُ الدموع المنحدرة، وتفسح عنه زفراتُ الصدور الملتهبة، شوقًا وتوقًا لرؤية رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فإنّ أفئدة هؤلاء المحبين لا تحتمل انتظار رؤيته على ضفاف الحوض يوم القيامة؛ إذ كاد الشوق يحرق أكبادهم، فطلبوا من الله الرحمة والتخفيف عنهم، بتعجيل رؤيته في الدنيا. هؤلاء هم الموصوفون في كلام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، حين قال: «من أشدِّ أمتي لي حبًا، ناسٌ يكونون بعدي؛ يودُّ أحدهم لو رآني بأهله وماله». نسأل الله أن يجعلنا منهم ويرزقنا الشوق إلى رؤية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا قبل الآخرة، ويجعلنا ممن يكثرون قرع الباب عسى أن ننال ذلك الشرف – رغم تقصيرنا -، فقد قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «من يُكثر قرع الباب يوشك أن يُفتح له، ومن يُكثر الدعاء يوشك أن يُستجاب له»، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم «من صلى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب»، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين، صلاةً لم تصلّها قبل هذه اللحظة، وبلّغه أجرها وثوابها وأسرارها، وبلّغه منا السلام وردّ إلينا منه السلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق