غير مصنف

“الغناء” في مواجهة “الفناء” .. في زمن كورونا

كتب: حسن المطروشي

برزت الأغنية كعنصر للترفيه والتوعية والمقاومة في مواجهة وباء كورونا الذي يجتاح العالم بشراسة متناهية. وأطل السكان في الكثير من مدن العالم عبر شرفات المنازل والسطوح يعزفون ويرقصون ويرددون الأغاني، لاسيما تلك الأغاني العالقة في وعي الشعوب وضمائرها. إن الفرح والفن والغناء هي الوسائل التي تتبقى لدى الإنسان في مواجهة القبح والفناء والموت والذعر، في أزمنة الحروب والدمار والويلات التي يواجهها الجنس البشري.

على المستوى الخليجي تناقل الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الأغاني المعروفة مثل أغنية (سَلِّمْ عليَّ بعينك) وأغنية (في الجو غيم) وأغنية (المولع بها) لمحمد عبده، وأغنية (خلك بعيد) للراحل طلال مداح،  وأغنية (خلاص ابعد) لعبد المجيد عبدالله، وغيرها من الأغاني الشهيرة. إلا أن أكثر الأغاني تداولا في الخليج دون منازع هي أغنية (سَلِّمْ عليَّ بعينك) لمحمد عبده، التي تم توظيفها في عمل توعوي قدمه المنشد أحمد الحبشي على الدف والمؤثرات الصوتية، بعد أن قام بتحوير كلمات الأغنية التي يقول مطلعها في الأصل:

سَلِّمْ عليَّ بعينك

إن كان بخلتْ يدينك

كل اللي بيني وبينك

زعلة تمر وسلام

فأصبحت كالتالي:

سَلِّمْ عليَّ بعينك

ولا تصافح بيدينك

كورونا بيني وبينك

أزمة تمر بسلام

أغنية الفنان العراقي حضيري أبو عزيز (سَلَّمْ عليّ) أيضا دخلت في السياق ذاته عندما طرحت في قالب توعوي جديد صاغ كلماته الصيدلاني محمد محسن، وفقا لما يجري تناقله في الفيديو المتداول. يقول مطلع الأغنية في الأصل: 

سَلّم عليّ بطرف عينه وحاجبه

          رد التحيه، الزين يعرف واجبه

أما العمل التوعوي الذي يستند إلى هذه الأغنية فيبدأ كالتالي:

سلّم علينا وما نطانا وجنته

كورونا سامع، خاف تخرب حالته

كما ظهر الشعب اللبناني أيضا على شرفات المنازل في عدد من مدن لبنان وهم يعزفون الطبول ويرقصون على “الدلعونة” و”الميجنة”، ويبتهجون بالحياة في مواجهة العدم. شبيه بذلك كان الناس في باريس التي بدت طرقاتها خاوية على غير عادة هذه المدينة الصاخبة التي لا تهدأ ولا تنام. وفي مدينة كاتلونا الأسبانية ظهر مجموعة من عناصر الشرطة وهم يعزفون ويغنون ويؤدون الرقصات الأسبانية التقليدية في الأزقة، فيما توافد الناس على الشرفات يصفقون ويهتفون ويشاركون الشرطة الرقص والغناء وإشاعة البهجة. 

إيطاليا .. أكبر المنكوبين من فتك الجائحة، لم يستسلم شعبها أيضا. وربما كانت شرفاتهم أولى الشرفات التي انطلقت منها الأغاني والزغاريد والأناشيد التي تقاوم الفناء وتدعو للتشبث بالأمل والحياة. لذا عاد الشعب الإيطالي إلى أغنيته التعيقة الراسخة (Bella ciao ـ بيلا تشاو) التي تعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية. يقول الكاتب السعودي الدكتور علي المالكي عن هذه الأغنية الإيطالية: “ظاهرها رومانسي وباطنها ثوري مقاوم، استخدمتها المجموعة التي قاومت موسوليني ونازيته في الحرب العالمية الثانية، ومن حينها أصبحت الأغنية رمزاً للصمود والمقاومة، وفي الأيام الماضية أصبح الإيطاليون يغنونها من شرفاتهم وهم يقاومون شراسة فيروس كورونا في بلادهم”. 

ويضيف المالكي قائلا: (بيلا تشاو) أصبحت رمزاً للإرادة والعزيمة وعدم الاستسلام .. هكذا لعبت كل هذه الظروف دوراً تراكمياً في تبادلية دلالة هذا الرمز/ الأغنية، لعلنا نحاول التفكير في إعادة تقييم الفنّ بأنه يمكنه أن يؤدي دوراً هاماً في وجودية الإنسان، إن لم يكن الدور الأهم على الإطلاق !

يقول مطلع الأغنية:

وداعا يا حسناء 

وداعا يا حسناء

يا حسناء وداعا .. وداعا

في صباح ذات يوم

صحوت من نومي 

فوجدت وطني محتلا

يا مناضل خذني معك”

وهكذا يبرز الفن كقيمة إنسانية عليا، ترافق الإنسان في التعبير عن هواجسه وآماله وآلامه، في مختلف أحواله وسائر ظروفه، إن كانت فرحا أو ترحا. فمثل ما شاهدنا مقاطع الألم والخوف والذعر والموت التي تتناقلها وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، شاهدنا أيضا مقاطع البهجة والفرح والثبات والإرادة التي يبنيها ويرسخها الفن العظيم.  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق