مقالات

السلطان هيثم بن طارق يرسم خريطة جديدة للشباب العُماني في خطابه التاريخي

فوزي بن يونس بن حديد

نادرا ما تجد الخلف يبني على ما قام به السّلف، ولكن هذا الحدث الاستثنائي كان في عُمان الخير، وما أشبه الليلة بالليلة والقُذّة بالقذّة حينما ارتأى السلطان الراحل طيّب الله ثراه أن يختار للأمّة العمانية من يتوسّم فيه الخير كلّه، وهي طريقة الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما توسّم خيرا في عمر بن الخطاب الذي أولاه الخلافة من بعده، وقد جاءت وثيقة الاختيار لتنزل بردا وسلاما على قلوب العمانيين الذين كانوا ينتظرون المفاجأة بعد وفاة السلطان قابوس رحمه الله وطيب الله ثراه، لكنها المفاجأة التي نزلت بردا وسلاما، وأبدلت خوفهم وقلقهم أمنا وأمانا، وتتواصل المسيرة التاريخية العمانية بسلاسة غير معهودة في العالم، بعد أن سلّم السلطان الراحل الحُكم والسُّلطة لرجل توسّم فيه كل صفات الحاكم المسؤول، وعهد إليه أمانة البلاد وأمنها، ورعاية أبنائها والمقيمين عليها والزائرين إليها، سلمها بعد أن كان شامخا شموخ الجبال الراسيات إلى آخر رمق له في الحياة رغم الألم والوجع والمرض، لم يستسلم، انتصر إلى اللحظة الآخرة على كل الأوجاع والآلام، ليأخذ مكانا له في قلوب الناس داخل السلطنة وخارجها.

وجاء الخليفة، ليتمّم البناء، ويثني على الراحل، الذي أسّس عُمان، وخاض معركة التأسيس، طوال خمسين سنة مضت، كانت عُمان في ذلك الوقت تعيش الظلام، والفقر والأمية والخوف، فعمل مع العمانيين الذين توافدوا على بلادهم من أصقاع الأرض لبناء عُمان الجديدة، واستطاع السلطان الراحل أن يجمع الشمل ويلم الشتات ليُكوّن قوّة عُمانية نافذة لها صدى عالمي كبير، في الداخل والخارج،  والكل يعلم ما فعله السلطان الراحل طوال هذه المدة، وما كان يتمناه لعُمان وشعبها، خلال مرحلة البناء العظيم، وما كانت عُمان لتقف على رجليها لولا فضل الله سبحانه وتعالى أولا عليها، ثم فضل هذا الرجل العظيم الذي استطاع في فترة وجيزة أن ينقل البلاد إلى مصاف الدول العظام، وأهم شيء امتازت به عُمان الأخلاق العظيمة التي توارثها العمانيون جيلا بعد جيل، وحضّ عليها السلطان الراحل لتكون عُمان وجهة العالم، فنالت صداقة الجميع دون استثناء، ولم يغضب منها أحدٌ، بل أيقن الجميع أن عُمان بلاد السلام والإخاء والمحبة والوئام، وآمن الجميع أن السلطان الراحل قد أقام علاقات دولية واسعة قوامها الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، فكانت عُمان نِعْم الجار ونِعْم الصديق، وكان السلطان نِعْم الحاكم الذي يعفو عن المقصّرين والمخطئين ويسامح المذنبين ويساعد المحتاجين ويساهم في تأسيس الميثاق العالمي ويبادر إلى العمل على ترسيخ اسم عُمان عاليا في محافل العالمين.

جاء السلطان الجديد هيثم بن طارق بن تيمور ليُعلن أن البناء قائم، وأن المحافظة عليه واجب، وأن إتمامه لازم، في خطاب تاريخي ألقاه على شعبه الأبيّ انتظره العمانيون، يرسم فيه استراتيجية جديدة للعمل في المرحلة المقبلة من تاريخ عُمان الحديث، ركّز فيه على ما تداوله العمانيون في أحاديثهم وما يتمنّونه منه في هذه المرحلة التي تشهد تطورات عالميّة متلاحقة، وكأنه يستقرئ أفكارهم ويقرأ أمانيهم، ويبعث برسالة طمأنة لهم عندما يخاطبهم بقوله “أيها المواطنون الأعزاء” أو “أبناء عمان الأوفياء” فهم الأعزاء بأنفسهم المعتزون بوطنهم وسلطانهم، المجدّدون العهد والولاء لجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، الأوفياء لوطنهم وسلطانهم بأن يكونوا على العهد دائما يرسمون سياسة السلطان الراحل القائمة في الأساس على التسامح والتكافل والإخاء والمحبة والوئام، وأن يحافظوا على البلاد التي خدمها السلطان الراحل طوال خمسين سنة دون توقف ودون ملل ولا ضجر، بل أعطى صورة حيّة للنضال المستمر إلى آخر لحظة من العمر.

والملاحظ في الخطاب التاريخي الأول لجلالة السلطان هيثم بن طارق أمام الشعب العماني، بعد حمد الله وشكره والصلاة والسلام على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وذكر مناقب السلطان الراحل والثناء على مسيرته التاريخية طوال خمسة عقود مضت، كان الحديث عن الشباب قويا ومباشرا، عندما قال جلالة السلطان”إن الشباب هم ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب، وسواعدها التي تبني، هم حاضر الأمة ومستقبلها، وسوف نحرص على الاستماع لهم وتلمُّس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم، ولا شك أنها ستجد العناية التي تستحقها”. فلا ريب أنها كلمات معبّرة رغم اختصارها، تحدّد نهج السلطان الجديد تجاه أبنائه الشباب الذين يرسمون المستقبل بسواعدهم التي تبني عُمان، وستكون السلطة في أتمّ الاستعداد للاستماع إلى ما يخالج أفكار الشباب وما يشغل بالهم، من مشاكل تعترضهم وصعوبات تقف في طريقهم وتحول دون رسم إبداعاتهم في كل المستويات، وإيجاد الحلول المناسبة وتوفير الدعم الكامل واللازم لهم للإبداع والابتكار والبحث العلمي، وبذلك يحصل التكامل بين السلطان والشباب العماني في لوحة فسيفسائية عمانية متكاملة.

إن الاهتمام بالشباب العماني في نظر جلالة السلطان أولوية قصوى حتى تستمر التنمية وحتى يشارك الشباب العماني في صنعها ويكون ذلك بتعليمهم وتأهيلهم وتدريبهم وإشراكهم في صنع التنمية وصنع القرار حتى يستشعروا أنهم جزء من البلاد وأن الدولة تستمتع إليهم وتبحث في مشكلاتهم وتفسح لهم المجال لإبداعاتهم، وتمنحهم الأولوية القصوى لقيادة القطاعات الخدمية وفق الكفاءة والممارسة والخبرات المتتالية، ومن ثم يشعر الشاب العماني أنه قد أُوتي الفرصة كاملة وعليه أن يبدع في مجاله ويقدّم الجديد والمفيد لأمّته ووطنه، وفي هذا الإطار نُوقن بالنظرة الثاقبة لحضرة صاحب الجلالة هيثم بن طارق بضرورة إشراك الشباب ومنحهم الفرصة الكافية لإثبات وجودهم في الحياة عبر الاعتناء بهم من كافة النواحي الدينية والأخلاقية والصحية والنفسية والاجتماعية والتعليمية والمعاشية حتى يكونوا معول بناء تفخر بهم البلاد وتعتزّ بقدراتهم الفكرية والابتكارية والبحثية والعلمية والعملية، وما دام هذا الجيل يتمتع بكل هذه المقومات الحضارية والأخلاقية سينطلق نحو التعلم بكل قوة ويفتق مواهبه ويتفوق في دراسته داخل البلاد وخارجها، لأن الدولة التي توفر كل هذا تعتقد جازمة بأن الشباب المقبل سيقود البلاد نحو برّ الأمان بعد أن غرست فيهم القيادة الحكيمة هذه المبادئ والقيم والعادات والتقاليد العامّة والشرعيّة والأخلاقيّة.

فالشباب هم القوة النافذة والقاهرة وهم الفتوّة الباهرة في المجتمع، هم عماد الأمة وأساسها، لا تبنى الدول إلا على سواعدهم وعقولهم، هم الرئة التي تتنفس منها السياسة والاقتصاد والاجتماع وكل مجالات الحياة، فكلما اعتنينا بهذه الفئة فكرا وتربية وسلوكا كان ذلك أدعى لإنشاء جيل مفكّر عبقري صالح ينفع مجتمعه، وإذا اعتنينا به صحةً ورعايةً وبناء أسريّا متماسكا جاءت النتائج مبشّرة في ظل التموجات الفكرية والمقومات الأصولية والثورات التكنولوجية.

ومنها تنطلق الدولة في إصلاحاتها الأخرى كما جاء في الخطاب السامي من إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة والحكومة والنزاهة وغيرها من المواضيع التي ضمها الخطاب التاريخي، “ومن أجل توفير الأسباب الداعمة ؛ لتحقيق أهدافنا المستقبلية فإننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة ، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئ وتبني أحدث أساليبه ، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة ؛ لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها ، وسنعمل على مراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية ، وسنهتم بدراسة آليات صنع القرار الحكومي بهدف تطويرها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا ، وسنولي هذه الجوانب كل العناية والمتابعة والدعم”.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق